الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
36/12/02
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مبحث الإجـــزاء.
وإذا اتضح أنّ امتثال كلّ أمرٍ يجزي عن نفسه يتّضح الحال في مسألة تبديل الامتثال بالامتثال الثاني فإنه لا يجوز ، وفلو فرض أني امتثلت الأمر بفردٍ صحيحٍ كاملٍ ثم أردت أن امتثله بفردٍ آخر - أي أردت أن أبدل ذلك الامتثال بامتثال ثانٍ - اتضح أنّ المناسب هو عدم الجواز باعتبار أنّه بالامتثال الأوّل قد سقط الأمر فالامتثال الثاني امتثالٌ لأيّ شيء ؟ هل هو للأمر فإنّه قد سقط فلا معنى لتبديل الامتثال بالامتثال ، وإن حكي عن بعضٍ من دون تشخيصه أنّه ذهب إلى جواز ذلك كما نقل الشيخ النائيني(قده)[1] ، بل وربما ينقل عن الجبائي أنّ امتثال الأمر لا يجزي عن نفسه فإنّ لازم هذا جواز تبديل الامتثال بالامتثال إذ لو فرض أنّه لا يجزي عن نفسه فهذا معناه أنّ الأمر بَعدُ باقٍ فيجوز لك أن تمتثله بامتثالٍ آخر ، وقد نقل هذا الشخ العراقي(قده)[2] .
وفصّل الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية في موضعين متقاربين[3] [4] قائلاً:- إنّ الامتثال تارةً يحقق الغرض الأدنى دون الأقصى فيمكن تبديل الامتثال بالامتثال الثاني ، وأخرى يكون علّة لتحقّق الغرض الأقصى فضلاً عن الأدنى فلا يمكن تبديل الامتثال بالامتثال ، فمثلاً لو قال المولى لعبده جئني بالماء وكان الهدف منه الشرب فالغرض الأدنى هو التمكين من الماء وهو أن يأتي العبد بالماء ويضعه أمام المولى ، كما يوجد غرضٌ آخر وهو الأقصى وهو الشرب ، فهنا لو جاء العبد بالماء وشربه المولى فهنا لا يمكن تبديل الامتثال بالامتثال ، أمّا إذا لم يشربه - إمّا أنَّ الماء بَعدُ موجودً أو فرض أنه أريق - فهنا الغرض الأقصى لم يتحقّق بل المتحقّق هو الغرص الأدنى فقط فهنا يجوز تبديل الامتثال بالامتثال.
ولم يذكر(قده) النكتة في الفرق بين الوردين ، ولا يبعد أنّ النكتة هي أنّه إذا فرض أنّ المولى بَعدُ لم يشرب الماء - سواء أريق الماء أو بعدُ لم يُـرَق - ولكن يمكن للعبد أن يبدله فيمكن أن يقال إنّ الأمر بروحه بَعدُ موجودٌ - وروح الأمر هي الغرض والملاك وهي الشرب في موردنا - فيمكن تبديل الامتثال بالامتثال ، أمّا لو فرض أنّه شرب الماء فالأمر قد سقط بروحه وبلفظه ولا مجال لتبديل الامتثال بالامتثال.
وللشيخ النائيني(قده) كلام يقرب من كلام الشيخ الخراساني لكن مع فارقٍ قليل حيث قال:- ليس كلّ امتثالٍ يوجب سقوط الغرض وتحقّقه ، فربما يتحّقق الامتثال أحياناً من دون تحقّق الغرض ، كما لو أمر المولى بجلب بالماء ووضعت الماء عنده فالامتثال قد تحقّق ولكن لم يتحقّق الغرض فهنا يمكن تبديل الامتثال بالامتثال.
إذن ثبوتاً يمكن أن نفترض أنّ الامتثال لا يكون موجباً لتحقّق الغرض ومعه يمكن تبديل الامتثال بامتثالٍ آخر ، ولكن هذا مجرّد إمكانٍ ثبوتيّ وأمّا إثباتاً فنحن نحتاج إلى دليل يدلّ على أنّ الامتثال في هذا لم يحقّق غرض المولى ، فعلينا أن نلاحظ الدليل ولم يثبت بالدليل إلّا مورد واحد أنّ الامتثال فيه لا يحقّق الغرض وهو إعادة الفرادى جماعة ولم يثبت في غير ذلك.
إذن هو بهذا الكلام يريد أن يقول:- إذن حلّت مشكلة هذه الروايات فنقول إنّ الامتثال هنا لم يحقق الغرض فإنّه ليس كلّ امتثالٍ يوجب تحقّق الغرض كما مثلّنا بوضع الإناء عند المولى وفرض أنّه بعدُ لم يشرب الماء فهنا يوجد امتثالٌ ولكن لم يحقّق الغرض فحينئذٍ يمكن الاتيان بفردٍ آخر ، ففي هذا المورد ثبوتاً يوجد إمكانٌ وإثباتاً دلّ الدليل فلا مشكلة[5] .[6]