الموضوع:- تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في
الحجية -قواعد وفوائد.
وثانياً:- إنه(قده) ذكر أنه إذا اتضح اشتباه المخبر
بلحاظ المدلول المطابقي فلا يلزم من عدم حجية المدلول الالتزامي اشتباه آخر، ونحن
نقول:- هذا صحيح ولكن هذا يتمّ إذا اتضح الاشتباه في المدلول المطابقي فإنّه في
هذه الحالة يكون الأمر كما أفاد فنقول حينئذٍ يسقط المدلول المطابقي عن الحجيّة
لأنّه قد اتضح الاشتباه كما أنَّ الالتزامي يسقط عن الحجيّة لعدم لزوم اشتباهٍ آخر، ولكن أحياناً لا يتّضح الاشتباه كما في حالة المعارضة فإذا دلّ الدليل الأوّل
على جوب الجمعة وكان هناك دليل ثانٍ يدلّ على الحرمة فهنا هل اتّضح اشتباه المدلول
المطابقي للدليل الدال على وجوب الجمعة ؟! كلّا بلل عل المشتبِه هو الثاني المعارض، فالأوّل لم يتّضح اشتباهه حتى نقول إنّه من سقوط المدلول الالتزامي عن الحجيّة
لا يلزم تعدّد الاشتباه بل يبقى الاشتباه واحداً، وإنما يأتي هذا الكلام فيما إذا
فرض أنّه اتضح الاشتباه وحياناً لا يتّضح الاشتباه، فما أفاده من دليلٍ هو أخصّ
من المدّعى، يعني هو إنّ تمّ فهو يتمّ في حالة ما إذا اتضح الاشتباه، أمّا إذا
لم يتّضح الاشتباه كما في صورة المعارضة مثلاً فلا يتمّ ما ذكره لأنه في مثل تلك
الحالة يسقط المدلول المطابقي عن الحجيّة من دون اتضاح الاشتباه ومع ذلك نقول يسقط
المدلول الالتزامي عن الحجيّة والحال أنه لا يوجد اشتباهٌ في البين، فما ذكره أخصّ
من المدّعى.
والمناسب في المقام أن يقال:- إنه إذا سقطت
الدلالة المطابقيّة عن الحجيّة يلزم سقوط الدلالة الالتزامية عن الحجيّة أيضاً كما
قال العلمان، فنحن نوافقهما في المدّعى ولكن نوجّه ذلك فنقول:- إنّ المدرك المهمّ
لحجية الخبر ولسائر الأمارات هو السيرة العقلائيّة الممضاة وأما بقيّة الادلة إما
هي غير تامّة الدلالة أو هي بصدد إمضاء ما عليه السيرة ولا تريد بيان مطلباً
جديداً فالمدرك المهم هو السيرة، وإذا رجعنا إلى السيرة نقول هي دليل لبّي، وفي
مورد سقوط الدلالة المطابقيّة عن الحجيّة لأيّ سببٍ كان هل العقلاء يبقون محافظين
على المدلول الالتزامي ويأخذون به ؟ فيه تردّدٌ وإشكال، فيقتصر على القدر المتيقّن
من السيرة وهي حالة ما إذا فرض أنّ المدلول المطابقي لم يسقط عن الحجيّة فآنذاك
يأخذون بالمدلول الالتزامي، أمّا إذا سقط عن الحجية فالمدلول الالتزامي لا يعود
له مدرك للحجيّة.
إذن
كفاني في إثبات الدعوى القصور في المقتضي.
ولعلّ
مقصود السيد الشهيد(قده) هو هذا ولكنّه أراد أن يبيّن نكتةً لعدم انعقاد السيرة فقال
إنّه لا يلزم اشتباه آخر إذا قلنا بسقوط المدلول المطابقي عن الحجيّة.
إذن
السيرة ليست منعقدة وعدم انعقادها صار مع الدليل لا أنّ مجرّد الشك يكفينا، فأنا
قلت بأنّه مجرّد الشك يكفينا، وهو أراد أن يبيّن أكثر.
وإذا
كان هذا هو مقصوده فهو لا بأس به، ولكن كما قلت هو يتمّ في حالة الاشتباه وتبقى
صورة المعارضة بين الدليلين، بينما الطريق الذي سلكناه فهو يشمل كلتا الحالتين
حالة اتضاح الاشتباه وحالة المعارضة بين الدليلين فإنّه بالتالي نقول إنَّ المدلول
المطابقي مادام قد سقط عن الحجيّة فلا نعلم بانعقاد السيرة على الأخذ بالمدلول
الالتزامي فإنّ مدرك الحجيّة في المداليل المطابقيّة والالتزاميّة هو السيرة وهي
لا نجزم بانعقادها في مثل هذه الحالة.
ومن خلال هذا أيضاً اتضحت مناقشة ما أفاده الشيخ النائيني(قده):- فإنّه
قال توجد دلالتان وسقوط واحدةٍ عن الحجيّة لا يبرّر سقوط الثانية عن الحجيّة - فإنّ
هذا ليس بصحيحٍ إذ نقول له:- إنّ مدرك حجيّة الدلالتين ليس هو إلا السيرة ولا يوجد
منشأ آخر، والسيرة ثابتة جزماً إذا كان المدلول المطابقي ثابتُ الحجيّة وباقٍ
عليها فالمدلول الالتزامي يكون حجّة وهذا صحيح، أما لو سقط المدلول المطابقي عن
الحجيّة فهل السيرة منعقدة على الأخذ بالمدلول الالتزامي ؟! من المناسب لك أن تقول
هي منعقدة على ذلك، ولكن من أين لك هذا فإنّ السيرة دليل لبّي مجمل وليس عندك
شواهد على أّن السيرة ثابتة حتى إذا سقط المدلول المطابقي عن الحجيّة فالعقلاء بَعدُ
يأخذون بالمدلول الالتزامي !!
إذن
ما أفاده(قده) شيءٌ مرفوض.
وهذا وقد يقال كما قال السيد الروحاني(قده) في المنتقى[1]:-
حيث
ذكر أنّ السيرة منعقدة على الأخذ بالمدلول الالتزامي عند سقوط المطابقي عن الحجيّة
واستدل بأنّه في باب الإقرار إذا أقرّ شخصٌ بشيءٍ وكان لإقراره مدلولاً مطابقيّاً
ومدلولاً الالتزاميّاً فإذا فرض أنّه سقط المدلول المطابقي عن الحجيّة لسببٍ وآخر -كما
إذا ثبت الاشتباه - فالمدلول الالتزامي أوليس يؤخذ به في باب الإقرار عند القاضي
؟!! نعم يؤخذ به وهذا دليلٌ على أنّ المدلول الالتزامي يبقى على الحجيّة عند سقوط
المدلول المطابقي عن الحجيّة . إذن ما ذكره عكس ما ذكرناه تماماً.
وفيه:-أوّلاً:- نحن لا نعلم مدى حقّانية ما أفاد - يعني هل حقاً في
باب الإقرار إذا سقط المدلول المطابقي عن الحجيّة فالمدلول الالتزامي يبقى على
الحجيّة والقاضي يلزم المقرّ به رغم اتضاح الاشتباه في المدلول المطابقي ؟!! -، إنّ
هذه مجرّد دعوى لا شاهد عليها.
ثانياً:- لو فرض أنّه أثبت لنا ذلك – كأن كان إجماع الفقهاء
موجودٌ على ذلك - ولكن نقول هذه قضيّة خاصّة بباب الإقرار، فالإقرار نحتمل
الخصوصيّة له لا أنّه يأتي في مطلق الأبواب حتى في مسألة نقل الحكم الشرعي ومن
انعقاد السيرة هناك لا يمكن أن نثبت انعقادها في باب نقل الأحكام الشرعيّة وما
شاكل ذلك.
والنهاية
التي اتضحت إلى هنا هي أنّ المدلول الالتزامي يسقط عن الحجيّة إذا سقط المدلول
المطابقي عن الحجيّة للنكتة التي أشرنا إليه وهي القصور في المقتضي.