الموضوع:- تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في
الحجية -قواعد وفوائد.
ومثال الأوّل:- ما إذا دلّ خبرٍ على أنّ صلاة الجمعة
واجبة، فالوجوب إذن مدلولٌ المطابقي، والمدلول الالتزامي هو أنها ليست بمكروهة
وليست بمستحبّة وغير ذلك يعني نفي الأضداد الأخرى، فهنا المدلول المطابقي - وهو
الوجوب - مع نفي الحرمة أو الكراهة أو الاستحباب ليسا من قبيل السبب والمسبّب فإنّ
الوجوب ليس سبباً لعدم الضدّ الآخر، وهذا ما قرأناه في مبحث الضدّ، فوجود أحد
الضدّين ليس علّة لعدم الضدّ الآخر.
وبقطع النظر عمّا قرأناه يمكن أن نبيّن المطلب بشكلٍ آخر وذلك بأن
نقول:- إنّ
الذي حقّق الوجوب ونفى الأضداد الأخرى هو المشرّع، فالله عزّ جلّ أرد الوجوب ولم
يرد سائر الأضداد، فالعلّة لعدم سائر الأضداد هو إرادة الله عزّ وجلّ وليس هو
الوجوب، فليس وجود الوجوب هو الذي صار سبباً وعلّةً لعدم الحرمة فإنه لا توجد
سببيّة . إذن هنا لا يتمّ ما أفاده السيد الخوئي(قده) من أنّ السبب يولّد مسبّباً
مساوياً لأنّ هذا ليس من مورد السببية والمسببيّة فلا يأتي كلامه.
ومثال الثاني:- كما لو دلّ الخبر على وجوب شيءٍ فإنّه
بالالتزام يدلّ على ثبوت الملاك، فالملاك مدلولٌ التزاميٌّ، وما هو السبب ما هو
والمسبّب ؟ الملاك هو السبب الذي هو مدلولٌ التزاميٌّ للوجوب لا أنّ الوجوب سببٌ
للملاك، فالسببيّة هنا إذن عكسيّة.
المناقشة الثانية للمقدّمة الأولى:- إنّ المدلول
المطابقي لو كان سبباً فهو لا يولّد مسبّباً مساوياً وإنما يولّد ذات المسبّب أمّا
أنه يولّده بقيد المساوات فلا ؟!! فلو فرض أنّي ألقيت شخصاً في النار فالمسبّب ما
هو ؟ إنّه الموت لا الموت المقيّد بالنار فإنّ هذا التقيّد هو من نتائج السببيّة
وفي مرحلةٍ متأخّرة عنها لا أن السبب يولّد مسبّباً مقيّداً بذلك السبب، وبتعبيرٍ
آخر لا أنّ السبب يولّد حصّةً خاصّة بل يولّد ذات الموت، نعم منشأ الموت هو
الإلقاء لا أنّ الحاصل هو موتٌ مقيّدٌ بالإلقاء بالنار.
إذن
ما أفاده(قده) في المقدّمة الأولى قابلٌ للمناقشة من ناحيتين كما أوضحنا.
وأمّا ما ذكره في المقدّمة الثانية فيمكن أن يقال:- إنّ
الحالة العاديّة والمتعارفة هي حالة عدم العلم - يعني في الفقه لأن كلامنا هو في
الفقه - فنحن عادةً لا نعلم بكذب المدلول المطابقي عادةً وإنما يحصل له مثلاً
معارضٌ أو مخصّص وهذا لا يعني أننا علمنا بكذب المدلول المطابقي، فلو فرض أنه وجد
معارضٌ للمدلول المطابقي فلعلّ الكاذب هو المعارض دون المدلول المطابقي الذي نتحدّث
عنه . فإذن المدلول المطابقي عادةً لا نعلم بكذبه ولو علمنا فهي صورة نادرة، ومادمنا
لا نعلم بكذبه فلا يتم ما أفاده(قده)، يعني حتى لو سلّمنا أن المدلول الالتزامي
هو دائماً مساوٍ وسحبنا مناقشتنا عن المقدّمة الأولى ولكن نقول لا علم لنا بكذب
المدلول المطابقي عادةً وإنما يوجد معارضٌ والمعارض لا يولّد علماً بكذب المدلول
المطابقي فلا يتمّ ما أفاده(قده).
إذن
اتضح من خلال هذا كلّه أن ما أفاده قابل للمناقشة من حيث كلتا المقدّمتين.
وأما بيان السيد الشهيد(قده) فحاصله:- إنّ نكتة حجّية
الخبر هي استبعاد اشتباه المخبِر في حسّه، فحينما يأتي شخص ويقول نزل المطر فسوف نأخذ
بخبره، ولماذا ؟ لأنّه من البعيد أن يكون قد اشتبه فتصوّر أن المطر ينزل وإنما
أراق شخص اتفاقاً الماء من على السطح فتصوّر هذا أنّ المطر قد نزل، إنّ هذا يعني
الاشتباه في حاسّة البصر، وحيث إنّ احتمال الاشتباه بعيدٌ لذا يبنى على حجية
الخبر.
وهكذا
لو أخبر بأن زيداً قد دخل النار فنحن حينئذٍ نأخذ بخبره، ولماذا ؟ لأنّه من
البعيد أن يكون قد اشتبه هذا الشخص ورأى شيئاً تخيّل أنه نار وفي الواقع هو ليس
بنار بل هو شكل نار، أو تخيّل أنه زيد وفي الواقع هو ليس بزيد، وحيث أنّ هذا
بعيدٌ فيبني على حجيّة خبره، وبالتالي يحكم بأنّ زيداً دخل النار، هذا هو
المدلول المطابقي، ويحكم أيضاً بالمدلول الالتزامي وهو أنه احترق ومات، هذا هو
منشأ حجية الخبر.
وإذا
اتضح هذا فلو ظهر أنّ المخبِرَ مشتبهٌ في إخبارِه المطابقي كما هو مفروض كلامنا لأنّ
مفروض كلامنا هو أنّ مسألة عدم الاشتباه لا نبني عليها لوجود معارضٍ أو غير ذلك فاتضح
كذب المدلول المطابقي وعدم الاعتماد عليه فحينئذٍ لو أردنا أن نحكم بعدم دخول زيد
النار وأيضاً نحكم بأنّه لم يتحقّق المدلول الالتزامي - يعني الاحتراق والموت -
فهل يلزم حصول اشتباهين من المخبِر أم يعود الاشتباه منه واحداً ؟ إنّ الاشتباه
واحدٌ لا أنه يوجد اشتباهان وسببه أنّ هناك طوليّة بين الاشتباهين ومادام هناك
طوليّة بين المدلولين فلا يعدّ ذلك من باب الاشتباهين، وهذا بخلاف ما إذا أخبر
بخبرين عرضيّين - لا أنّ أحدهما مطابقي والآخر التزامي - بأن جاء المخبر وقال نزل
المطر ثم قال وأخبركم بخبر آخر هو أنه انقطعت الكهرباء فهذين خبرين عرضيين فإذا ظهر
اشتباهه في الأول فحينئّذٍ لو لم نحكم بالثاني يلزم من ذلك تحقّق اشتباهٍ ثانٍ
فيلزم تحقّق اشتباهين فيبقى الخبر الثاني على الحجيّة مادام لم يتّضح الاشتباه فيه
ومجرّد اتضاح الاشتباه في الأوّل وبطلانه لا يبرّر رفع اليد عن الثاني لأنّ لازمه
تحقّق اشتباه ثانٍ، ولكنّ هذا وجيهٌ في الخبرين العرضيين، أمّا إذا كانا طوليّين
وهو محلّ كلامنا لأنّ محلّ كلامنا هو أنَّ أحدهما مطابقيّ والآخر التزاميّ فإنّ
الموت والاحتراق هما في طول دخول النار فلا يلزم من ظهور اشتباهه في دخول النار -
أي في المدلول المطابقي - تحقّق اشتباهٍ ثانٍ بلحاظ الموت والاحتراق، ومادام لا
يلزم اشتباهٍ ثانٍ فالمدلول الالتزامي إذن لا يبقى على الحجيّة لأنّ المبرر لبقائه
على الحجيّة هو لزوم الاشتباه الثاني والمفروض أنّه لا يلزم اشتباه ثانٍ.