الموضوع:- فوائد -قواعد وفوائد.
وفيه:-
اوّلاً:- إنّ التقييد الذي نفترضه بالنسبة إلى القصد لا نريد
به أن القصد بعد تحقّقه يقيّد فإنّ هذا غير ممكنٍ كما أفاد(قده) إذ الشيء بعد أن
وجد لا يمكن أن ينقلب أو يتغيّر عمّا هو عليه، فإذا تحقّق القصد فلا يمكن أن يتغيّر
بعد ذلك، ولكن نقول هو مقيّدٌ من البداية، فهو قد وُجِدَ وهو منصبٌّ على هذا لا
أنّه بعد وجوده يقيّد بهذا، يعني من البداية أنا أقصد الظهر، فوجِدَ القصد وهو
ضيّقٌ ومقيّدٌ لا أنّي أريد أن أقيّده بالظهر بعد أن تحقّق حتى يقال هو غير ممكن،
بل أوجده وهو ضيّقٌ ومقيّدٌ من قبيل ( ضيّق فم الركيّة ) يعني أوجد البئر وفمها
ضيقاً، هنا أيضاً القصد قد وجد وهو ضيّق وهذا لا محذور فيه.
بل
نقول إنّ الأمور الانشائية هي كذلك أيضاً، فإنّه(قده) سلّم فكرة التقييد في باب
الانشائيات بأن أُنشئ البيع على الشيء المقيّد بأن أقول ( بعتك هذا المعدن على أنّه
ذهب )، وهو(قده) قال إنّ هذا ممكنٌ، ونحن نقول:- ما المقصود من تقييد المنُشَأ ؟
فهل المقصود أنّ المـُنشَأ يقيّد بعد تحقّق إنشائه ؟ كلّا إنّه غير ممكنٍ فإن
الشيء لا يتغيّر عّما وُجِدَ عليه، وإنما المقصود هو أنّه تحقّق الإنشاء على
المقيّد ووجد المـُنشَأ وهو مقيّدٌ وضيّق، إنّ هذا المطلب الذي ذكرناه في القصد
يأتي نفسه في باب الإنشاء وإذا قبلناه هناك فلنقبله هنا، فإذن لا محذور في أن
القصد مقيّداً بالظهر لكن لا بمعنى أنه بعد أن تحقّق يقيّد بالظهر بل يوجد وهو
متعلقٌ بالظهر.
وعلى
هذا الأساس تظهر الثمرة لو انكشف الخلاف وأنّ الفائت هو العصر، فمادام قصدي الحقيقي
الواقعي متعلّق بالظهر فالعصر لا يُقصَد امتثال أمرها فتقع باطلة، بينما إذا قلنا
أن القصد ليس منصبّاً على الظهر وإنما هو منصبٌّ على الفائتة في علم الله وعلى
المأمور به في علم الله ولكن تخيّلت اشتباها أن الفائت هو الظهر فتقع العصر حينئذٍ
صحيحة.
ثانياً:- سلّمنا أنّ فكرة تقييد القصد ليست ممكنةً كما أفاد(قده)
فلا يمكن أن يقيّد القصد بصلاة الظهر ولكن نقول:- هو أراد أن يرتّب على ذلك صحّة
الصلاة لو كان الفائت هو العصر واقعاً، ولكن نقول له:- هذه الثمرة التي تريدها لا
يمكن ترتيبها رغم أنّ المورد ليس من موارد التقييد واقعاً فمع ذلك لا تقع الصلاة صحيحةً، والوجه في ذلك هو أنّ المكلّف يعتقد ولو خطأً أنه لم يقصد العصر ويصرّح ويقول إنّي
لا أريد العصر والسيد الخوئي(قده) يقول له لا يمكنك قول ذلك بل أنت قاصدٌ للصلاة
الفائتة ولا يمكن أن تقصد العصر، إنّه في مثل هذه الحالة لا يقع الامتثال
والمقرّبيّة، يعني لا تقع صلاة العصر فإنّ الامتثال والمقرّبيّة فرع ما يعتقده الإنسان
وتصوّره ويريده ولو خطأً واشتباهاً لا ما هو الواقع، فهو خطأً واشتباهاً يقول لا أريد
مطلق الصلاة الفائتة بل أريد الظهر فقط وهو مشتبهٌ ولكن رغم أننا نعترف بأن هذا
اشتباه لا تحصل معه المقرّبّية نحو صلاة العصر فإنّه بالتالي يصرّح بأنهّ لا يريدها
بل يريد الظهر فقط، ومادام يعتقد بهذا وإن كان هذا الاعتقاد باطلاً لا تحصل بذلك
المقرّبيّة نحو العصر، فعادة النتيجة كما عليه المشهور وهو أنّه متى ما قصد الظهر
بنحو التقييد ثم ظهر أن الفائت هو العصر فلا تقع العصر صحيحة، وأمّا إذا كان بنحو
تخلّف الداعي فتقع صحيحة، ولكن قلت إنَّ هذا بحث علميّ لا يوجد عند المؤمن العاقل
سوى الخطأ في التطبيق أمّا القصد بنحو التقييد فليس بموجود.
الأمر الرابع:- هناك فكرة أخرى يعبّر عنها بفكرة الداعي
إلى الداعي ولعلّها من مبتكرات صاحب الكفاية(قده) فإنّا لم نّطلع على قائلٍ بها أسبق
منه، وقد ذكر ذلك في بحث مقدّمة الواجب - يعني عند بيان ثمرة وجوب مقدّمة الواجب
- إذ وقع كلام بين الأصوليين عن أنّه ما هي الثمرة لكون مقدّمة الواجب واجبة ؟
وواضحٌ أنّ الاتيان وعدم الإتيان بها ليس ثمرةً لأنّه حتى إذا لم نقل بوجوب المقدّمة
لكن الاتيان بها بالتالي هو لازمٌ عقلاً من باب كي يتحقّق ذي المقدّمة، فأين ثمرة
الوجوب ؟
تحيّر
الأصوليّون في تصوير الثمرة، وأحدى الثمرات التي ذكرت هي هذه الثمرة وهي أنّه إذا
كانت المقدمة واجبة لا يجوز أخذ الأجرة عليها - بناءً على عدم جواز أخذ الأجرة على
الواجب -، وهو(قده) أجاب عنها فقال:- من قال إنّ الواجب لا يجوز أخذ الأجرة عليه
؟!! بل يجوز ذلك، بل قد يجب كما في المهن التي يتوقّف عليها النظام الاجتماعي
كطبابة الطبيب وتعليم المعلم وهندسة المهندس وخبازة الخبّاز فإنّ هذه المهن يتوقّف
عليها نظام المعيشة ويجوز أخذ الأجرة عليها بل يجب إذ لو لم يأخذ الأجرة فماذا
يصنع كي يعيش ؟! إذن هي واجبة لا بنحو المجّانية بل بنحو أخذ الأجرة.
ثم
من هنا قال:- إنّه بناءً على هذا كيف نوجّه مسألة العبادة الاستيجارية فإنّ قصد
القربة فيها مطلوبٌ فيها، فإذا كان الواجب توصلّياً كالطبابة أو الهندسة فلا بأس
بأخذ الأجرة، أمّا إذا كانت عبادة فحيثيّة العبادة تمنع عن أخذ الأجرة - ولا نقول
حيثيّة الوجوب تهي التي تمنع من ذلك بل حيثيّة العباديّة -، فكيف نجوّز أخذ الأجرة
على العبادات الاستيجارية ؟! والمنافاة ليست بين الوجوب وبين أخذ الأجرة وإنما هي
بين قصد العباديّة - أي القربة - وأخذ الأجرة .
هنا أجاب(قده) قائلاً:- هو يستأجر لا على ذات العمل بل
على الإتيان به بقصد القربة وكأنّنا نقول له ( أقصد القربة بهذا العمل ونحن نعطيك
الأجرة على قصدك القربة بهذا العمل )، فقصد القربة موجودٌ ولكن الداعي إلى قصد
القربة هو أخذ الأجرة، فيصير أخذ الأجرة هو الداعي إلى قصد القربة الذي هو داعي
إلى فعل الصلاة، فالأجرة داعٍ إلى الداعي لا أنّ الأجرة ابتداءً هي الداعي إلى
فعل الصلاة بل هي الداعي إلى قصد القربة لفعل الصلاة.