الموضوع:- دوران
الأحكام مدار الأسماء والعناوين- قواعد وفوائد.
وإذا قلت:- ما الفارق بين هذه القاعدة - أي قاعدة
ترك الاستفصال دليل العموم - وقاعدة حذف المتعلّق دليل العموم ؟
كان الجواب:- إنه في قاعدة حذف المتعلّق يوجد حذفٌ
جزماً ولكن المحذوف مردّدٌ بين أن يكون وسيعاً وبين أن يكون ضيّقاً ونفس الحذف
يراد جعله دليلاً على العموم، فالحذف دليلٌ على العموم وأنّ الكلمة المحذوفة
المقدّرة هي الدالّة على المعنى الواسع العام، بينما في قاعدة ترك الاستفصال يراد
أن يقال حيث إنه عليه السلام لم يفصّل في مقام الجواب فالحيثية الملحوظة هي حيثية
عدم الاستفصال فعدم الاستفصال ظاهر عرفاً في عموم الحكم، فالدال على العموم هو
عدم الاستفصال بينما الدال على العموم في حذف المتعلّق هو نفس حذف المتعلّق، فالدال
في إحدى القاعدتين هو الحذف بينما الدال في القاعدة الثانية هو عدم الاستفصال، فالنكتة
الموجبة للعموم مختلفة.
وقد تسأل وتقول:- ما الدليل على أنّ ترك الاستفصال دليل
العموم ؟
ولا تقل في مقام الجواب:- إنَّ العرف يرى العموم فلأجل
هذا نحن نحكم بالحجيّة وأنّ ترك الاستفصال دليل العموم فإنّ هذا ليس من الموارد
التي يرجع فيها إلى العرف.
بل قل:- إنَّ العرف يرى وجود ظهورٍ في العموم ويفهم العموم
ويرى دلالةً فيه وهو مرجعٌ في تحديد الدلالة والظهور، فهو يرى أنه يوجد ظهورٌ في
العموم وحيث أنّ كلّ ظهورٍ حجّة فتثبت حجّية القاعدة من باب وجود ظهورٍ في العموم
وكلّ ظهور حجّة.
أو قل بصيغة أخرى:- نحن نجري مقدّمات الحكمة بالشكل الذي
أجريناه في باب الإطلاق مع تغييرٍ لبعض المفردات، ففي باب المطلق كنّا نقول لو
كان المتكلّم يريد المقيّد لقيّد وحيث لم يقيّد فيدلّ ذلك على أنه يريد من لفظ ( رقبة
) مثلاً مفهومها الوسيع، إنّ نفس هذه الطريقة نطبّقها في المقام فنقول لو كان
مراد الإمام عليه حينما سئل عن الزواج في العدّة فحينما حكم بأنّها تحرم مؤبداً لو
كان يريد خصوص ما لو عقد عليها في عدّة الوفاة لاستفصل وقال إن كان مقصودك في عدّة
الوفاة فتحرم وإلا فلا وحيث لم يستفصل فمقصوده إذن هو العموم، وهذا إجراءٌ لمقدّمات
الحكمة أيضاً مع تغييرٍ في بعض المفردات أو من دون تغيير.
إذن
من حقّك أن تقول إنّ العرف يرى الظهور في العموم وكلّ ظهور حجّة وهذا رجوعٌ إلى
العرف في تحديد أصل الظهور والدلالة وكلّ ظهور حجّة، وإما أن تجري مقدّمات
الحكمة.
القاعدة الثانية عشرة:- دوران الأحكام مدار الأسماء
والعناوين.
لا
شكال في أنّ أحكام الشارع تدور مدار المصالح والمفاسد فإنّنا نخالف الأشاعرة حيث
قالوا بأنّ ذلك ليس من اللازم، ونحن نقول من اللازم ذلك فإن ثبوت الأحكام بلا
مصلحةٍ ولا مفسدةٍ يتنافى مع حكمة الحكيم وهو قبيحٌ ... وغير ذلك، ولكن في نفس
الوقت الذي نقول فيه أنّ الأحكام ناشئة من مصالح ومفاسد نقول نحن لسنا مكلّفين
بتحصيل تلك المصالح وبترك تلك المفاسد فإنّها لم تؤخذ في متعلّقات الأحكام،
فالشارع لم يقل حصّل المصلحة الفلانيّة أو أترك المفسدة الفلانيّة، وفي نفس الوقت
أنا لا أعرف تلك المصالح حتى أسير وراءها وأمتثلها وإنما الشارع صبّ الأحكام على
عناوين فعلينا أن ندور مدار تلك العناوين فقال مثلاً ( تجب الزكاة على الغلات الأربع
وعلى كذا وكذا ) - أي عناوين خاصّة - فندور مدار تلك العناوين، ولا معنى لأن نقول
في زماننا أنَّ الرز مثلاً أصبح كالحنطة فيثبت له حكم الحطة فكما تجب الزكاة في
الحنطة تجب فيه، وهكذا قد ورد في الرواية حيث ورد فيها أنّ الله تعالى شرّع أصل
الزكاة والنبي صلى الله عليه وآله وضعها في أصنافٍ تسعةٍ، فالسائل يسأل الإمام
الصادق عليه السلام ويقول عندنا رزٌّ كثير فإجابة الإمام عليه السلام ( قلت لك
شرّع الرسول الزكاة في تسعة أشياءٍ وليس منها الرز ).
إذن
هذا يدلّ على أن الأحكام تدور مدار الأسماء والعناوين وليس عليك أن تذهب إلى ما
وراء العناوين والأسماء،، وهذه الأسماء مرّةً تؤخذ بنحو الموضوعيّة وهو الغالب
ومرّة تؤخذ بنحو الطريقيّة.