الموضوع:- التفصيل
قاطع للشركة -
قواعد
وفوائد.
القاعدة السادسة:-
التفصيل قاطعٌ للشركة.
ما المقصود بهذه القاعدة وما هو مستندها ؟أمّا بالنسبة إلى المقصود منها:- فنذكر مثالين يتّضح من خلالهما المقصود:-
المثال الأوّل:- قوله
تعالى:-
﴿ يا أيها الذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهّروا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء
أحدٌ من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً ﴾[1]، فالآية الكريمة دلّت على أنّ الواجد
[2]
للماء إذا أراد الصلاة تكون وظيفته الوضوء وأما الفاقد فيتيمّم.
والكلام وقع في أنّه لو فرض أن الفاقد للماء تحمّل المشقّة - كما لو
كان مريضاً - فتوضأ فهل نحكم بصحّة وضوئه أو لا ؟ هنا نحكم ببطلانه لأنّ الآية قد دلّت
على أنّ وظيفة الفاقد هي التيمّم فلو كان يصحّ منه الوضوء فهذا معناه أنه واجدٌ
للماء وسوف يلزم أنه واجدٌ وغير واجدٍ له، وبتعبيرٍ آخر:- يلزم أن يكون الحكم
مشتركٌ في الفاقد، فالفاقد يثبت في حقّه التيمم كما يثبت في حقّه الوضوء أيضاً فكلاهما
جائز، والآية الكريمة حينما فصلّت فنفس التفصيل بين الواجد والفاقد يقطع - أي
يزيل ويعدم - احتمال الاشتراك في الحكم بحيث يكون حكمك أيّها المكلّف هو صحّة
الوضوء وصحّة التيمم، فاحتمال التخيير بين الوضوء والتيمّم سوف يندفع بالتفصيل،كما أنّ احتمال اجتماعهما معاً منفيّ أيضاً، فنفس التفصيل ينفي الاشتراك في الحكم
بنحو التخيير والاشتراك بنحو الجمع والاجتماع.
وقد يقال:- كيف ذكر
الفقهاء في بعض الموارد أنّه يتوضأ ويتيمّم معاً ؟!
والجواب:- إنّ هذا من حيث
الحكم الظاهري لا من حيث الحكم الواقعي، فواقعاً هو محكومٌ بأحد الحكمين ولكن لا
ندري هل هذا محكومٌ بالوضوء أو بالتيمّم فنقول فليجمع بينهما حتى يحرز أنّه قد أتى
بالوظيفة الواقعيّة لا أنه واقعاً محكومٌ بالوضوء والتيمّم،كلّا فإن التفصيل
قاطعٌ للشركة.
المثال الثاني:- قوله
تعالى:-
﴿ يا أيها الذين
آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون أيّاماً معدودات
فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ
طعام مسكين ﴾[3]، فالآية دلّت على أنّ المريض والمسافر عليهما القضاء، وأما الذين
يطيقونه أي الذين يتحملونه بصعوبة ومشقّة فحكمهم الفدية، والسؤال:- إذا فرض أنّ الشيخٌ
الكبير أراد أن يصوم قضاءً في الشتاء فهل نحكم بصحّة صومه أو لا ؟ كلّا يصحّ فإنّ
التفصيل بين المسافر والمريض من جانب وبين الشيخ الكبير من جانبٍ آخر يقطع احتمال
الاشتراك - أي يزيل احتمال الاشتراك بحو التخيير أو بنحو الجمع -.
والأمثلة من هذا القبيل كثيرة.
وما هو مدرك هذه القاعدة ؟والجواب:- المدرك هو الفهم العرفي
والعرف ببابك فإنّه يفهم هذا المعنى غايته لا يتمكّن أن يعبّر بهذه الألفاظ وقد لا
يلتفت إلى هذا المطلب نتيجة أنّه لم يتوجّه إليه ولكن لو توجّه إليه لآمن به.
أو بالأحرى نقول:- إنَّ الظهور العرفي ظاهرٌ في هذا المعنى، فحينما
يُفصَّل بين قسمين فالظاهر عرفاً أنهما لا يشتركان في الحكم بنحو التخيير ولا بنحو
الجمع فيدخل تحت باب حجيّة الظهور، فالقاعدة مستندها الفهم العرفي وهو حجّة من
باب حجيّة الظهور.
[2] ولا ينبغي أن نفسر الواجد بمن يكون الماء عنده
بل المقصود هو المعنى الاعم أي بمعنى القدرة فلو كان الماء موجوداً عنده ولكن يوجد
شخص يمنعه منه فلا يكون واجداً له حينئذٍ وهذه قرينة خارجية، وتوجد قرينة داخلية
في الآية الكريمة وهي ذكر المرض فإن المرض قرينة على أنّ المقصود هو ذلك فالمريض
يتيمم بلا إشكال رغم أن الماء موجود عنده ولكن مع ذلك يجعل من قسم غير الواجد وما
ذاك إلا دليلاً على أنّ المقصود هو غير القادر.