الموضوع:- قواعد وفوائد.
وهكذا
لا ينافي ذلك الاكتفاء بعدم التشريع الآخر كما في
باب الإباحة فإنها لو كانت ناشئة من عدم ملاك الوجوب وبقيّة الأحكام فيمكن أن
يكتفي الشرع بعدم جعل الوجوب وغيره من الأحكام ويحكم العقل آنذاك بالاباحة مادام
لا حكم بالوجوب ولا بالتحريم ولا بالكراهة ولا بالاستحباب ولكن هذا الحكم بالاباحة
في واقعه أنّه أنت لا يجب عليك الفعل ولا يحرم ولا يكره ولا يستحب، إنّ هذا لا
يتنافى مع حكمنا سابقاً بشموليّة التشريع، فلا توجد منافاة بين حكمنا بأنّ
التشريع شاملٌ وفي نفس الوقت نقول في مورد الإباحة أنّه لا يوجد حكمٌ فيما إذا
كانت الإباحة ترجع في روحها إلى نفي الأحكام الأربعة، فهي ليست حكمٌ وتعبيرنا
بالاباحة هو في الحقيقة تعبيرٌ منّا لا أنّ الشارع جعلها.
ولا
تتنافى الشموليّة أيضاً مع خلوّ أحد الملازِمين من الحكم، ومثال ذلك ما قرأناه في
المعالم من أنّ أبا القاسم الكعبي نفى وجود المباح فالأشياء عنده إمّا واجبة أو
حرام - وهو بعد أن نفى المباح فلازمه أن ينفي المكروه والمستحب كما هو واضح - فقال
إنّه لأجل أنّ ترك الخمر مثلاً واجب فالمكلّف يلزم أن يشتغل بفعلٍ وهو إمّا أن
ينام أو يأكل أو يدرس أو غير ذلك، فيلزم أن تصير جميع هذه الأفعال واجبة لأجل أنّ
فعلها يلازم ترك الحرام، وحيث إنّ ترك الحرام واجبٌ فما يلازم ذلك يلزم أن يكون
واجباً أيضاً.
وجوابه أن يقال:-أوّلاً:- إنّ هذه ليست ملازِمَة بل هي
مقارِنات اتفاقيّة، يعني أنّ ترك الحرام قد يتفّق تحقّقه ضمن الأكل أو النوم أو
ما شاكل ذلك لا أنّ هناك ملازمة بمعنى العلة والمعلول بل هناك تقارنات اتفاقيّة
والملازم الاتفاقي لا يلزم أن يكون محكوماً بحكم مقارِنِهِ، يعني لو سلّمنا أنّه لابد
من عدم اختلاف الحكمين بين الشيئين إنما نسلّمه في المتلازمين لا بين المتقارنين
اتفاقاً.
ثانياً:- لو سلّمنا أنّ هذه ملازمة وليست
مقارنات فمن قال أنّ الملازِم يلزم أن يكون محكوماً بحكم ملازِمِه ؟ إنّه لا يلزم ذلك.
إن قلت:- إذا لم يكن محكوماً بحكم ملازِمِه
فسوف يكون محكوماً بحكمٍ آخر فتلزم المنافاة فكيف يكون ترك شرب الخمر واجباً ويكون
الأكل محرّماً أو مباحاً مثلاً إنّ هذه منافاة ؟!
قلت:- نحن لا ندّعي أنّه محكومٌ بحكمٍ آخر
بل نقول يمكن أن لا يكون محكوماً بحكمٍ رأساً، فالملازم الذي هو الأكل أو الشرب
لم يحكم عليه بالوجوب كما أراد الكعبي وفي نفس الوقت لا يكون محكوماً بالحرمة أو
الإباحة أو الكراهة أو الاستحباب بل يكون فارغاً من الحكم وحينئذٍ لا تلزم مشكلة.
ورب قائلٍ يقول:- إذا كان الأكل
والشرب والنوم خالياً من الحكم رأساً أو ليس هذا يتنافى مع شموليّة التشريع ؟
قلت:- إنّه يوجد حكمٌ، فالأكل يوجد له حكمٌ
شرعيٌّ بعنوانه الأوّلي - أي بعنوان الأكل - وكذلك النوم وحينما نقول لا يوجد له
حكمٌ نقصد بذلك من ناحية الملازمة، فمن حيثيّة الملازمة لا يتولّد له حكمٌ جديد
وإن كان بقطع النظر عن الملازمة له في حدّ ذاته حكمٌ، فنحن ندّعي أنهّ يوجد له
حكمٌ في حدّ ذاته ولكن من حيث الملازمة لا يتولّد له حكمٌ مغاير لحكمه الأوّلي
وهذا المقدرا لا يتنافى مع شموليّة التشريع.
رابعاً:- إنّ الشموليّة لا تتنافى مع ثبوت
السلطة التشريعة للنبي صلى الله عليه وآله، فقد ندّعي أنّ له سلطةً تشريعيّةً
منحها الله عزّ وجلّ إيّاه وقد دلّت جملة من الروايات على ذلك من قبيل أنّ الله عزّ
وجلّ حرّم الخمر والنبيّ صلى الله عليه وآله حرّم المسكر من كلّ شيءٍ، كما توجد
روايات دلّت على أنّ الصلاة ركعتين ركعتين وأضاف النبي الركعتين الأخيرتين على
الظهر والعصر والعشاء ولذلك يعبّر عن الركعتين الأوليين بفرض الله وعن الأخيرتين
بالسنّة ولذلك لا يدخل الأوليين الشكّ فتبطل الصلاة بالشك فيهما بخلافه في
الأخيرتين.
وعليه
فشموليّة التشريع لا تتنافى مع ثبوت السلطة التشريعيّة للنبي صلى الله عليه آله
فإنّ الشموليّة قد تحقّقت ولو بسبب ثبوت السلطة التشريعيّة له فهو الذي أكمل
التشريع ببعض هذه الأمور التي أشرنا إليها وفي غيرها، فالشموليّة موجودةٌ ولو
بسبب تشريع النبي صلى الله عليه وآله المخوّل له.
ولا
يتنافى هذا أيضاّ مع
﴿ اليوم أمكلت لكم دينكم ﴾
وأنّ الشريعة كاملة فهي كاملة ولو بسببب إثبات السلطة التشريعيّة للنبي صلى الله
عليه وآله والنبي أيضاً شرّع بعض الأمور.
ويوجد كلامٌ ما وراء العقائد والأصول:-
وهو أنّه لماذا منح الله عزّ وجلّ السلطة التشريعيّة للنبي صلى الله علية وآله في
مساحةٍ ؟
والجواب:- نحن نحتمل أموراً ليست جزميّة،
منها أنّ هذا نحو تكريمٍ للنبي صلى الله عليه وآله، ولا يتصوّر أنّه بعدما أعطاه
الله عزّ وجلّ هذا اللتخويل معناه أنّه يشرّع كيفما اتفق بحيث أنّه يوجِب هذا ويحرّم
ذاك كلّا بل لابد وأن يُلَهم بالمصالح والمفاسد ويطّلع على ساحة المصالح والمفاسد فيحكم
على طبق اطلاعه بما يناسب فالقضيّة ليست عبثيّة.
ولكن الذي أريد أن أوقوله:- هو أنّ هناك
مناطق يبقى العقل يشعر فيها بالضعف والتواضع فهو لا يستطيع إدراك جميع الأمور بل
غاية ما هناك أنّا نعتقد أنّ الله عزّ وجلّ لمصالحٍ أعطى للنبي ولايةً تشريعيّةً
بل لعله أعطاها للأئمة عليهم والسلام ولكن ما هي هذه المصالح ؟ إنّه لا يلزم أن
نعرفها، وهذا هو الجواب العلمي فإنّه بعدما دلّ الدليل على ذلك فنحن نلتزم ونسلّم
بذلك تسليماً كاملاً أمّا ما هي النكات فلا يلزم أن نعرفها فهذه قضايا غيبيّة والمؤمن
لابد وأن يؤمن بالغيب.
نعم
إستدرك وأقول:- إذا كان الشيء في حدّ نفسه مستحيلاً وباطلا عقلاً فحينئذٍ لا يكون
إمكانه ثابتاً، فإذا لم يتثبت الإمكان وثبتت الاستحالة يكون الدليل الدال على
الوقوع مرفوضٌ، كالدليل الذي ظاهره صدور بعض الذنوب من الأنبياء فإن ّهذا ننكره
لأنّه يتنافى مع حكم العقل القطعي بأنّ النبيّ معصومٌ، أمّا إذا فرضنا ثبوت
السلطة التشريعيّة للنبي فهذا ليس شيئاً باطلاً عقلاً ومادام لا يحكم العقل بأنّ
هذه الأمور مستحلية فلا بأس بالإيمان بها وإن لم نعرف نكاتها.
وبهذا
فرغنا عن مباحث الحكم
[1].قواعد وفوائد:-هناك
بعض القواعد التي لم تسلّط عليها الأضواء في علم الأصول بل ولا في علمٍ آخر وإنما
تأتي متناثرة ونحن نحاول الآن تسليط الأضواء عليها من قبيل أصالة عدم الزيادة عند
الدوران بين الزيادة والنقيصة أو من قبيل أصالة الحسّ في النقل أو من قبيل التفصيل
قاطعٌ للشركة أو مثل القاعدة النائينيّة أو مثل الأحكام تدور مدار العناوين أو مثل
الدلالة الالتزاميّة لا تتبع الدلالة المطابقيّة في الحجيّة، ويوجد بعضٌ آخر ليس
من قبيل القواعد قد أصطلحنا عليه بالملاحق - أو الفوائد - من قبيل منطقة الفراغ فهل
توجد منطقة فراغ في التشريع الإسلامي وما هي وكيف تكييفها فإنّ هذه ليست قاعدة بل هو
بيان لمطلبٍ خاص، أو من قبيل هل أنّ الزمان والمكان يؤثران في عمليّة الاستنباط
أو لا ؟، أو من قبيل أنّ اجتهادنا هل هو اجتهاد في حدود النصّ وليس بخارج عنه ؟