الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

36/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:-  الحكم الواقعي والظاهري - مباحث الحكم.
الحكم الواقعي والظاهري:-
الحكم الظاهري والواقعي مصطلحان أصوليان ويقصد من الواقعي الحكم الثابت للشيء من دون تقييدٍ بالشك كحرمة الخمر الواقعيّة فإنّها ثابتة للخمر بما هو خمرٌ من دون تقييدٍ بالشك فالخمر بما هو خمرٌ حرام وصلاة الظهر بما هي صلاة ظهر واجبة وهكذا، بينما حجيّة الأمارة هي حكمٌ ظاهريٌّ فإنّ الحجيّة للأمارة ثابتة حالة الشكّ في مطابقتها للواقع فإن كنت شاكاً في الواقع فالأمارة تكون حجّة أمّا إذا لم تكن شاكاً في الحكم الواقعي وإنما كنت عالماً به فلا معنى آنذاك لجعل الحجيّة للأمارة لأنّ الواقع معلومٌ فما معنى جعل الأمارة عليه !! إنّه تحصيلٌ تعبّديٌّ لما هو حاصل وجداناً وتكويناً وهو قبيحٌ . إذن الحجيّة للأمارة مقيّدة بالشك في الحكم الواقعي.
ومن خلال هذا اتضح أنّ حجيّة الأمارة والأصل هما معاً حكمان ظاهريان فإنّ الحجيّة للأمارة مجعولة حالة الشك وكذلك الأصل.
ولعل قائلاً يقول:- نحن نسلّم في باب الأمارة أنّ حجيتها حكمٌ ظاهري لأنها مقيّدة بحالة الجهل بالواقع ولكن لماذا لا نقول هي تفيد حكماً واقعيّاً وتدلّ على حكمٍ واقعيّ وتثبته ؟ يعني حينما تأتي الأمارة وتقول صلاة الجمعة واجبة في زمان الغيبة فمدلول الأمارة هذا وما تُخبِر عنه لنقل هو حكمٌ واقعيٌّ لأنّه ثابتٌ من دون قيد الشك فبلحاظ حجيّة الأمارة نقول الحجيّة حكم ظاهري لأنّ الحجيّة مقيّدة بحالة الشك وأمّا بلحاظ مدلول الأمارة فنقول هو حكمٌ واقعيٌّ فهل هذا كلامٌ صحيح أو لا ؟
والجواب:- إنّه ليس بصحيح فإنّ مدلول الأمارة يثبت بالحجيّة فالحجيّة إن قلنا بها فسوف يثبت في الحقيقة وجوبٌ لصلاة الجمعة ولكنّه وجوبٌ بسبب حجيّة الأمارة، يعني أنّ هذا الوجوب مجعولٌ في ظرف الشك وإذا لم ننظر إلى حجيّة الأمارة فلا وجوبَ.
إذن بقطع النظر عن الحجيّة لا يوجد وجوبٌ وهو بلحاظ الحجيّة صار حكماً ظاهريّاً وهو عبارة عن حجيّة الأمارة لا غير، نعم مجازاً ومسامحة نقول إنّ الأمارة تريد أن تقول شيئاً وذلك الشيء ثابتٌ لا بقيد الشك فهي تقول صلاة الجمعة واجبة فهذا الوجوب لنسّمه حكماً واقعياً، وإنما قيدت بــ ( مجازاً ) لأنّه بقطع النظر عن الحجيّة لا يوجد حكم أصلاً فكلّ ما هو موجودٌ هو الحجيّة لا غير وبقطع النظر عنها لا وجوب، فاتضح أنّ حجيّة الأمارة حكمٌ ظاهري والأصل كذلك.
وهناك شيء آخر:- وهو أنّه بالنسبة إلى الأمارة نعبّر بحجيّة الأمارة أمّا بالنسبة إلى الأصل فهل نعبّر بحجيّة الأصل وهل هذا التعبير وجيهاً أو نعبّر بالأصل لا بحجيّته ؟
إذن يوجد فارقٌ بين الأمارة والأصل ففي الأمارة تكون الأمارة شيئاً وحجّيهاً شيئاً ثانياً وأمّا في الأصل فلا تعبّر بحجيّة الأصل بل عبّر بالأصل فالحجية ليست شيئاً في مقابل الأصل، وما هو المناسب والصحيح ؟ المناسب هو أن نعبّر بالأصل لا بحجيّة الأصل.
فالتعبير بحجيّة الأمارة صحيحٌ أمّا التعبير بحجيّة الأصل فلا أراه مناسباً، والوجه في ذلك:- هو أنّه في باب الأمارة يوجد خبرٌ يريد أن يحكي الواقع فنقول هذا حجّة أو ليس بحجّة، أمّا في الأصل ماذا يوجد حتى تقول هو حجّة ؟!! بل أقصى ما هناك هو حكمٌ كـــــ( كلّ شيء لك حلال ) والحكم لا تُنسَب إليه الحجيّة، وإلا فهل ننسب الحجيّة إلى قاعدة الطهارة التي تقول ( كلّ شيء لك طاهر حتى تعلم أن قذر ) ؟!! وإنما نقول هذا الحكم ثابتٌ أو ليس بثابتٍ أمّا الحجيّة فليس له معنى، فالحجيّة تنسب إلى الطريق العقلائي العرفي فنقول هل هو حجّة أو لا أمّا الحكم الشرعي فلا معنى لنسبة الحجيّة إليه.
والخلاصة:- قد استفدنا مطلبين، الأوّل أنه يوجد مصطلحان أصوليان حكمٌ واقعيٌّ وحكمٌ ظاهريٌّ، والثاني هو أنّ حجيّة الأمارة ونفس الأصل هما مصداقان للحكم الظاهري إذ الحجيّة ثابتة حالة الشكّ والأصل ثابت حالة الشك أيضاً، كما عرفنا أنه في باب الأصل لا معنى لنسبة الحجيّة إليه.