الموضوع:- الأحكام الشرعية
مجعولة بنحو القضية الحقيقية – مباحث الحكم.
وبعد هذا علينا أن ننظر في الوجوه الثلاثة التي يمكن أن يستند إليها
لإثبات أنّ شرط الإرادة هو الوجود اللحاظي:-
أما الوجه الأوّل - أعني أنّ
الإرادة أمرٌ نفسيٌّ فيلزم أن يكون شرطها أمراً نفسيّاً أيضاً وليس هو إلا لحاظ
الشرط دون الوجود الخارجي – فيمكن ردّه:- بأنّ الشرط للإرادة ليس هو الوجود اللحاظي المحض، كما أنّه ليس هو
الوجود الخارجي المحض، بل هو الوجود المجمَع بين هذا وذاك.
وتوضيح ذلك:- هو أنّ المفهوم الذهني تارةً يُلحَظ بما هو مفهومٌ ذهنيٌّ
وأخرى يُلحَظ بما هو حاكٍ عن الخارج وكأنَّ الخارج يُرى به، أما الأوّل فواضحٌ، وإنما
الكلام في الثاني فإنَّ هذا يحتاج إلى توضيحٍ وإثباتٍ، وفي هذا المجال نقول إنَّ
الله عزّ وجلّ خلق الذهن البشري بشكلٍ يقدر على أن يرى الخارج بالمفاهيم الذهنيّة،
ولذلك ترى أنّ الإنسان يفكر أحياناً ويستحضر صوراً ذهنيّةً فتحصل عنده انفعالاتٍ
كأن يضحك أو يبكي أو غير ذلك، فالخطيب الحسيني مثلاً يقرأ واقعة الطفّ ونحن نبكي،
إنّه ينقل مفاهيم وصور فلماذا نبكي ؟! إنّنا نرى بما يذكره من المفاهيم كأننا نرى
واقعة كربلاء بالفعل وهذا لا كلام فيه، ويتذكر الانسان أيام المصائب التي جرت
عليه فيأخذ بالحزن والأسف، كما أنه يتذكر أيام زواجه فيبتسّم ويفرح، إنَّ هذا
معناه أنّه يرى الخارج من خلال هذه الصور الذهنيّة وهذا مطلبٌ وجداني.
والذي
نخرج - وهي قضيّة مهمة جداً - هو أنَّ المفاهيم والصور الذهنيّة تارةً ينظر إليها
الذهن بما هي وجودات وصور ذهنيّة وأخرى ينظر إليها بما هي عين الخارج، وبهذا
الأمر الوجداني تنحلّ بعض المشاكل منها مشكلة تعلّق الأحكام فإنه وقع كلامٌ في أنّ
الأحكام بم تتعلق ؟ فحينما قال الله عز وجل ﴿ اقيموا الصلاة ﴾ فالوجوب بِمَ يتعلّق هل يتعلق بالصلاة الخارجيّة أو بمفهوم الصلاة بما
هو مفهوم ذهني ؟ والجواب :- إنه لا هذا ولا ذاك، وصاحب الكفاية(قده) قال في مبحث
اجتماع الأمر والنهي إنّ الوجوب يتعلّق بالوجودات الخارجيّة لأنه مركز الآثار،
ولكن هذا مردودٌ فإنَّ الوجوب إذا كان يتعلّق بالصلاة الخارجيّة فيلزم من ذلك أنّه
قبل أن أصلّي لا صلاةَ خارجيّةَ فلا وجوبَ، يعني أنَّ الوجوب يأتي بعد أن أصلّي
فيلزم هذا المحذور الكبير - فإنه قبل وجود الصلاة خارجاً لا وجوب وبعد وجودها لا
معنى لتعلّق الوجوب لأنّها حصلت فيلزم طلب تحصيل الحاصل - إذن الوجوب بِمَ يتعلّق
؟ إنَّ حلّ هذه المشكلة ليس إلا بما أشرنا من أنَّ المولى يتصوّر مفاهيم ذهنيّة
ولكن يرى بها الخارج والحكم يتعلّق بالصورة الذهنيّة بما هي عين الخارج طلباً
لتحقيقها، فهو لم يتعلّق بالصورة الذهنيّة بما هي صورةٌ ذهنيّة حتى تقول هي ليست
مركز الآثار كما، لم يتعلّق بالوجود الخارجي بما هو وجودٌ خارجيٌّ حتى تقول إنَّ هذا
مستحيلٌ لأنّه يلزم انتفاء الوجوب قبل تحقّق الصلاة الخارجيّة، وإنما الأمر بين
الأمرين بالشكل الذي أشرنا إليه فيتعلّق الوجوب بمفهوم الصلاة بما هي عين الخارج
طلباً لتحقيقها.
ونفس هذا البيان نأتي به إلى مقامنا في مقابل الشيخ العراقي(قده) فنقول
له:- إنَّ شرط الارادة ليس هو
الاستطاعة الخارجيّة بما هي خارجيّة حتى تقول إنّه لا يمكن هذا فإنّ لازمه دخول
الخارج في الذهن أو يصير الذهن في الخارج فلا يمكن أن يكون الأمر الخارجي قيداً
للأمر الذهني وإلا يلزم هذا المحذور، كما أنّه ليس الشرط هو التصوّر الذهني
والوجود الذهني بما هو وجودٌ ذهنيٌّ وإلا يلزم أن تكون الارادة فعليّة بمجرد التصوّر
الذهني وهذا مخالف للوجدان، وإنما الأمر بين الأمرين يعني بمعنى أنّ الشرط هو تصوّر
الاستطاعة الذي يُرى به الخارج فلا يلزم حينئذٍ المحذور الذي ذكره بل يبقى القيد أمراً
ذهنياً ولكن بما هو عين الخارج، كما أنّه لا يلزم محذور مخالفة الوجدان الذي أشرنا
إليه، وهو شيءٌ ظريف.