الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

36/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات الأخبار العلاجية- التنبيه الرابع.
وفيه:- إنّه لو أردنا أن نتعامل مع الألفاظ فلا يبعد وجاهة ما ذكره السيد الخوئي(قده) في الحالة الأولى-  أي حالة اختلاف نقل الكليني عن الشيخ الطوسي - فإنه يصدق أنه ورد حديثان وجاءكم حديثان مختلفان فبحسب الصياغة اللفظيّة يمكن أن يدّعى شمول أخبار الترجيح لمثل ذلك.
ولكن يمكن أن يقال:- هناك انصرافٌ عن مثل هذه الحالة - يعني حالة العلم بأنّ الصادر من الامام شيء واحد لا أنه صدر كِلا الحديثين فإنّه لا نحتمل صدور الحديثين -، إنه يمكن دعوى انصراف أخبار الترجيح عن مثل هذه الحالة التي لا نحتمل فيها تعدّد الصادر من الإمام بل نجزم بأنّ الصادر شيء واحد، هكذا تقول.
أو قل:- إنّه لو ظهر الامام عليه السلام وقال إنّ مقصودي من هذه من هذه العبارة - التي هي ( إذا جاءكم حديثان مختلفان ) - هي الحالة المتعارفة أعني حالة احتمال صدور حديثين من الإمام ولا يعمّ مقصودي حالة الجزم بوحدة الصادر وحصول الاختلافٍ بسبب النسخة أو بسبب غير ذلك، فإنه لو ظهر وقال إن مقصودي لا يعمّ ذلك فلا يعاتب ويقال له إذن لماذا لم تقيّد وكان المناسب لك أن تقيّد، ومادام لا يعاب منه عدم التقييد فالإطلاق لا ينعقد أو لا يصحّ التمسّك به.
وبالجملة:- إمّا أن ندّعي الانصراف عن مثل هذه الحالة، أو نطبّق ما أشرنا إليه في باب الاطلاق من أنّ شرط انعقاد الاطلاق هو أن يُعاب الاطلاق في حالة ما لو ظهر المتكلّم وقال إنّ مقصودي ليس هو الاطلاق بل الحالة الخاصّة فإذا استهجن منه عدم التقييد فينعقد آنذاك الاطلاق، وهنا لا يستهجن من الامام عدم التقييد.
إذن الاطلاق لا معنى للتمسّك به، ونحن فقهيّاً نجري على ذلك، بمعنى أنّه لو اختلف نقل الشيخ الكليني عن الشيخ الطوسي نقول إنّهما قد تعارضا ولا نعلم الصادر منهما، اللهم إلا أن يقال بأضبطيّة الشيخ الكليني فيحصل اطمئنانٌ إلا أن هذه قضية ثانية فإنه إذا لم يحصل اطمئنان فنقول إنّ الصادر لا نعرفه فيتساقطان بلحاظ مادّة الاختلاف ولا نطبق أحكام الترجيح ونقول علينا أن نلاحظ النقل الموافق للكتاب فنأخذ به ونترك ذاك أو النقل المخالف للقوم نأخذ به ونترك ذاك، إنّ هذا احتمالٌ ضعيف.
وأمّا ما ذكره(قده) من النقض- من أنه لو فرض أن الامام كان جالسا في البيت وخرج شخصان أحدهما قال إنّ الامام حكم بصحة بيع الصبي والآخر نقل عن الامام أنّه حكم بعدم الصحة والمفروض أنّ المجلس كان واحداً والقضيّة واحدة ولا نحتمل التعدّد وهو(قده) قال إنّه في مثل هذا الحالة نطبق أخبار الترجيح والحال أنّا نعلم بوحدة الصادر ولا نحتمل أنه متعدّد - :- فهو أوّل الكلام، فمن قال إنّه في مثل هذه الحالة إذا اختلف الثقتان فيما هو الصادر من هذا الشخص حينئذٍ تطبق الموافق للكتاب أو غير ؟!! إنّ هذا أوّل الكلام، بل نحن نقول:- إنَّ المناسب في مثل هذه الحالة التساقط بينهما من دون إعمال المرجّحات، إلا اللهم إذا فرض وجود اطمئنانٍ بلحاظ أحدهما، أمّا إذا لم يوجد اطمئنان فلا معنى لتطبيق الموافق للكتاب والمخالف له وما شاكل ذلك، فهذا النقض لا نسلّم به من الأساس.
ثم إنه(قده) قال:- إنّه إذا اختلفت نسخ التهذيب - لا أنه اختلف الكافي عن التهذيب - لا يبعد صحّة ما ذكره الشيخ الهمداني(قده)، ثم استدرك وقال:- إلّا إذا كان الناسخ ثقةً فهنا نطبّق أخبار الترجيح ويصدق أنّه ورد خبران مختلفان.
ونحن نقول:- إنَّ وثاقة الناسخ وعدم وثاقته لا مدخليّة له في البين، فلو كان يصدق عنوان خبرين مختلفين فهو يصدق سواء كان الناسخ ثقةً أو لم يكن ثقةً وإذا لم يصدق فهو لا يصدق على كِلا التقديرين أيضاً، فإدخال وثاقة الناسخ وأنّه على تقدير وثاقته يصدق أنّهما خبران مختلفان وعلى تقدير عدم وثاقته فلا يصدق أنهما خبران مختلفان لا معنى له فإنَّ وثاقة الناسخ وعدم وثاقته لا مدخليّة لها في هذا المجال، ولعلّه وقع اشتباه في كتابة التقرير.
وعلى أيّ حال الحقّ مع ما أفاده الشيخ الهمداني(قده).
التنبيه الخامس:- لو كان الخبران المتعارضان قد تعارضا بنحو العموم من وجه فهل يوجد مجال لتطبيق أخبار الترجيح عليهما ؟ فإنه لا إشكال في أنّ القدر المتيقّن من أخبار الترجيح التي تقول ( خذ بالموافق للكتاب ) مثلاً هو ما إذا كان هناك تباينٌ بين الخبرين بنحو التباين الكلّي، وأمّا إذا فرض أنه كان بينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجهٍ فهل نطبّق المرجّحات مثل ما وافق الكتاب على هذا وهل يوجد مجالٌ أو لا ؟ ومنشأ الشبهة والتشكيك هو أنّه هل نطبّق عنوان حديثين عليهما - أي على هذين الخبرين اللذين بينهما عموم وخصوص من وجه - بلحاظ مادّة الاجتماع والافتراق أو نطبّقه عليهما بلحاظ مادّة المعارضة - أعني الاجتماع دون مادّة الافتراق - ؟
أما الأوّل - أعني التطبيق بلحاظ كلتا المادتين - فلا وجه له ولا موجب له إذ التعارض هو بلحاظ مادّة الاجتماع فقط ولا معنى لتطبيقها في مادّة الافتراق التي لا تعاض فيها فلماذا نقدّم أحد الخبرين - أعني ما كان موافقاُ للكتاب - على ذاك بلحاظ كلتا المادتين - أي حتى مادة الافتراق - ؟!! إنّه لا وجه لذلك إذ في مادّة الافتراق لا توجد بينهما ومعارضةٌ وتهافتٌ ونزاعٌ . إذن لا مجال لتطبيق عنوان حديثين عليهما بلحاظ كلتا المادّتين فإنّه بلا وجهٍ وليس مناسباً .
وأمّا بالنسبة إلى الثاني - أي نطبق عنوان الحديثين عليهما بلحاظ مادّة الاجتماع فقط دون مادّة الافتراق - فهو وجيه ولكن يوجد قصورٌ لفظيٌّ في أخبار الترجيح إذ الوارد فيهما عنوان حديثين مختلفين وعنوان حديثين إنما يصدق على كلّ المضمون وليس على خصوص نصفه - أعني مادّة الاجتماع فقط -، إنّ هذه التجزئة في التطبيق ليست عرفيّة فإنّ الحديث يصدق على كامل الحديث بكلا مادّتيه لا أنّه يصدق على نصفه فقط دون النصف الثاني خصوصاً وأنّ أحد النصفين هو ليس لفظيّاً وإنما هو مسكوتٌ عنه فإنّ مادّة الافتراق هي عادةً تكون ثابتة بسبب السكوت عنها فنطبّق الحديث بلحاظ أحد جزأيه دون الجزء الثاني ليس وجيهاً خصوصاً وأنّ أحد الجزأين هو ليس جزءاً لفظيّاً وإنما هو ثابتٌ بسبب السكوت فهذا التطبيق ليس عرفيّاً فيكون نفس أخبار الترجيح التي تقول ( ما وافق الكتاب من الحديثين فخذ به ) قاصرةٌ عن مثل ذلك - يعني تطبيق الحديث في خصوص مادّة الاجتماع -.