الموضوع:- تنبيهات الأخبار
العلاجية- التنبيه الرابع.
وقد يناقش ويقال:- إنّ هذا لم يرد
كتعليلٍ في روايةٍ حتى نتمسّك بعموم التعليل فإنه ذُكِر في مقبولة ابن حنظلة ولكن
لم يذكر بلسان التعليل حتى يتمسّك بعمومه حيث جاء فيها:-
(
ما خالف العامة ففيه الرشاد ) ولم يقل ( لأنّ فيه الرشاد ) فالتعليل ليس
مذكوراً حتى نقول هذا تعليلٌ فنتمسّك بعمومه.
نعم
ورد لسان التعليل في مرسلة الكليني التي ذكرها في مقدّمة كتابه حيث ذكر هكذا:-
( اعلم يا أخي إنّه لا يسع لأحدٍ تمييز شيءٍ مما اختلفت
الرواية فيه .... وقوله عليه السلام " دعوا
ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم " )، فهنا
جيء بكلمة ( فإن ) وهذا تعليلٌ ولكنّ هذه رواية مرسلة وليست بحجّة.
إذن
المقبولة التي هي قابلة لأن تكون حجّة ليس فيها لسان تعليلٍ، والذي فيه لسان
التعليل هو ليس بحجّة، وعلى هذا الأساس لا يمكن الاعتماد على ما ذكر.
وهو
كما ترى مناقشة صغرويّة، ولعله من لسان المقبولة يستفيد البعض التعليل فيقول صيح
أنّه صيغ لا بصياغة التعليل ولكن المقصود هو روح التعليل، فلا أرى أنّ هذه
المناقشة مناقشة مهمّة.
والمهمّ أن يقال:-أوّلاً:- إنّ المقصود وإن كان هو الرشد
الغالبي ولكن لعل الإمام عليه السلام أحرز أنّ هذا الرشد الغالبي هو موجود بدرجة
70% مثلاً، ومعه لا يمكن التعدّي إلى كلّ ما يوجب الرشد الغالبي إلا إذا أحرزنا
أنّه بتلك الدرجة وهذا لا يمكننا، وهذه المناقشة هي التي أشرنا إليها سابقاً تأتي
هنا أيضاً.
ثانياً:- يمكن أن يقال إنّ العلة ليست هي
الرشد الغالبي بمفردها وإنما العلّة هي رشد المخالف غالباً، فالعلّة مركبّة من
جزأين من رشدٍ غالبيّ والجزء الثاني من العلّة هو رشد المخالف وليست هي مطلق الرشد
الغالبي بل رشد المخالف غالباً، وإذا كان الأمر كذلك وقلنا إنّ هذا احتمال وجيه -
ويكفينا الاحتمال - فلا يمكن التعدّي إلى كلّ ما كان فيه الرشد غالبيّاً بل نتعدّى
إلى خصوص ما كان مخالفاً، فالمخالف من النصيّن يكون الرشد الغالبي فيه ثابتاً حتى
إذا لم يكن من قبيل روايتين، فالتعدّي يصير من الروايتين إلى غيرهما لو وجِد
مصداقٌ لذلك لا أنّه نتعدّى إلى غير المخالف فإن العلّة يحتمل أنها مركبّة من هذين
الجزأين ومعه لا يمكن التعدّي إلى غير المخالف بل ينحصر الأمر بالمخالف لكنّ نتعدّى
إلى غير الخبرين إن وجِدَ مصداقٌ لذلك.
إذن
ما ذكره(قده) مبنيٌّ على أنّ تمام العلّة هي الرشد الغالبي والحال أنّنا نحتمل أنّ
العلّة هي ليست ذلك بل مركّبة من الجزأين المشار إليهما - أي الرشد الغالبي في
المخالف - فلا يمكن التمسّك بهذه العلّة بعمومها - يعني أنّ كلّ ما كان فيه الرشد
غالباً - بل شريطة أن يكون مخالفاً للقوم.
التنبيه الرابع:-إذا
اختلف نقل الرواية الواحدة فهل يدخل ذلك في باب التعارض أو أنّه يدخل في باب
اختلاط الحجّة باللاحجّة.
وتوضيحه:- إنّ الحالة
المتعارفة في الروايات المتعارضة هو أن تأتي روايتان عن الإمام عليه السلام بحيث
نحتمل أنّهما قد صدرتا معاً بحيث كان الصادر من الإمام اثنين ولكنهما متعارضتان إنّ
هذا هو المصداق الواضح لباب الروايات المتعارضة، وأخرى يفترض أنّ الصادر من الإمام
هو واحدٌ حتماً ولا يحتمل أنّه أكثر من واحد ولكن اختلف في نقل هذا الواحد فأحد
الراويين نقله بشكلٍ والراوي الثاني نقله بشكلٍ آخر، وهذا له مصداقان:-
المصداق الأوّل:- أن نفترض أنّ الشيخ
الكليني نقل روايةً بشكلٍ بينما الشيخ الطوسي في كتابه نقلها بشكلٍ آخر والرواية
رواية واحدة فإن المشخّصات مشخّصاتٍ واحدةٍ ولكن هذا نقل وقال:- ( سألته عن بيع
الصبي فقال هو صحيح ) بينما الشيخ الطوسي نقل نفس الرواية وبنفس الطريق وقال ( هو غير
صحيح ) فهنا هل هذا يدخل في باب التعارض أو لا يدخل في باب التعارض ؟
المصداق الثاني:- أن نفترض أنّ الشيخ
الطوسي قد اختلف النقل عنه يعني أنّ نسخ التهذيب كانت مختلفة من دون أن نُدخِل
الشيخ الكليني في الحساب ففي بعض نسخ التهذيب موجودٌ أنه ( صحيحٌ ) وفي بعض النسخ
موجودٌ أنه ( غير صحيحٍ ) فهل هذا يدخل في باب التعارض وتأتي المرجّحات وغير ذلك
أو نقول إنَّ هذا من باب اختلاط الحجّة باللاحّجة ؟ - وهذه كما قلت مسألة ابتلائية
-.
ذكر
الشيخ الهمداني(قده) في كتاب الصلاة
[1]
في مبحث سجود السهو وأنّه بأيّ صيغةٍ يكون ما نصّه:-
(
ثم إنّ بعض من قال بوجوب الاقتصار على خصوص ما ورد في الصحيحتين جوّز الاتيان بكلّ
ما تضمّنته الصحيحتان مع ما فيهما من اختلاف النسخ فكأنه يرى أنّ الرواية التي
اختلفت النسخ في نقلها بمنزلة أخبارٍ مختلفةٍ صادرةٍ من المعصوم، وفيه ما لا يخفى
بعد وضوح كونها روايةً واحدةً وقد وقع الاختلاف في نقلها )، إنّه(قده)
يريد أن يقول إنّ مورد تلك الروايات العلاجيّة هو ما إذا فرض أنّه توجد روايتان عن
المعصوم - والمقصود أنّه نحتمل أنّه صدر من الإمام كلامان وروايتان لا أنّه نجزم -
فإذا كنّا نحتمل أنّه صدر كِلا الحكمين وكِلتا الروايتين فهذا هو مورد الأخبار
المتعارضة التي قالت ( يأتي عنكما الحديثان المختلفان ) أو ( إذا ورد عليكم حديثان
مختلفان ) فمصداقها هو هذا.
أمّا
ّإذا فرض أنّ الصادر من الإمام كان واحداً جزماً كما هو مفروض كلامنا فإن الاختلاف
إذا صار في النسخ أو صار بين الكافي والتهذيب - أي بين الكليني والشيخ الطوسي في
كيفية نقل الرواية - فهذا لا نحتمل فيه وجود ورايتين وصدور حكمين بل الصادر واحد
جزماً ولكن الاختلاف في كيفيّة نقله فهذا يكون من باب اختلاط الحجّة باللاحجّة
وليس من باب تعارض الحجّتين.
وكأن
الهمداني(قده) يريد أنّ يبين هذا المطلب ولكن بعبارته المختصرة.
بيد أن السيد الخوئي(قده)[2]:-
ذكر أنّه ينبغي أن نفصّل بين الصورتين - أي بين صورة ما إذا كان الاختلاف بين
الكليني والطوسي وبين ما إذا كان الاختلاف بين نسخ التهذيب -، فإذا كان الاختلاف
بالنحو الأوّل فلا نوافق الشيخ الهمداني والصحيح أنّه من مورد المتعارضين إذ يصدق أنهما
خبران متعارضان أو مختلفان أحدهما من الكليني والآخر من الشيخ الطوسي فيصدق أنّه
جاء عنكم خبران مختلفان فنطبّق عليه أخبار الروايات المتعارضة، وهذا نظير ما إذا كان
الإمام في مكانٍ معيّنٍ وخرج منه شخصان أحدهما يقول إنّ الامام عليه السلام قال ( معاملة
الصبي صحيحة ) والآخر قال إنه قال ( باطلة ) أوليس هذا من الخبرين المتعارضين ؟!!
إنّه مثل ذلك، فيلزم مثله فيما إذا اختلف نقل الكليني عن نقل الشيخ الطوسي.
وأمّا
في الحالة الثانية - يعني إذا اختلفت نسخ التهذيب - فلا يبعد أنّ يكون ما ذكره
الشيخ الهمداني(قده) تامّاً إذ لا يصدق أنّه خبران بل الشيخ الطوسي أخبر بخبرٍ
واحدٍ.
ثم
استدرك السيد الخوئي(قده) وقال:- نعم إذا كان الناسخان ثقتين فهنا لا يبعد أن نقول
إنّ هذا يدخل تحت عنوان الخبرين المتعارضين إذ هذا الناسخ يخبر بأنّ الثابت هو أنّ
بيع الصبي صحيحٌ والناسخ الثاني يقول إنَّ الثابت هو أنّ بيع الصبي باطلٌ فيصدق
حينئذٍ على الناسخين أنّهما رويا وأخبرا بخبرين متعارضين.