الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

36/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات الأخبار العلاجية- التنبيه الثاني.
ثم إنه(قده) ذكر شيئاً آخر:- وهو أنّه لو سلّمنا أنّ ظاهر أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو بمخالفة القوم بصدد ترجيح حجّة على حجّة وبنحو اللزوم والوجوب بيد أنّ هذا الظهور لابدّ من رفع اليد عنه ونحمل أخبار الترجيح إمّا على أنّها في صدد تمييز الحجّة عن اللاحجّة أو نحملها على أنّها في صدد بيان الاستحباب وأنه يستحب الترجيح بهذه المرجّحات.
والوجه في ذلك:- إنّه لو لم نفعل هكذا وأخذنا بظاهرها فسوف يلزم محذور تخصيص تقديم موافق الكتاب على مخالف الكتاب، أي تصير النتيجة هي أنّ الموافق للكتاب يقدّم على المخالف إلّا إذا كان المخالف مشهوراً فإنه إذا كان مشهوراً بين الأصحاب فلا يقدّم الموافق للكتاب بل يؤخذ بالمخالف وهذا تخصيصٌ لما دلّ على أنّ الموافق للكتاب يقدّم على المخالف، وتصير النتيجة هي أنّ الموافق للكتاب يقدّم إذا لم يكن المخالف للكتاب مشهوراً، أمّا إذا كان المخالف هو المشهور بين الأصحاب فالمقدّم هو المخالف للكتاب وهذا تخصيصٌ غير ممكن.
ونسأل هذين السؤالين:-
الأوّل:- لماذا يلزم التخصيص ؟
الثاني:- لماذا التخصيص غير ممكن وباطل هنا بالخصوص ؟
أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل:- فباعتبار أنّا لو راجعنا مقبولة ابن حنظلة لوجدنا أنّ أوّل المخصّصات المذكورة فيها هو الشهرة وبعد ذلك يأتي الدور لموافقة الكتاب فالإمام أوّلاً أمر بالأخذ بالمشهور ثم انتقل بعد ذلك إلى الترجيح بموافقة الكتاب، فالمشهور إذن هو المقدّم حتى لو كان مخالفاً للكتاب، فتصير النتيجة إذن هي أنّ الموافق للكتاب هو المقدّم إلّا إذا كان المخالف مشهوراً فإنه - بناءً على لزوم الترجيح - يلزم تقديمه مادام مشهوراً وهذا هو التخصيص.
وأمّا السؤال الثاني:- فأجاب(قده) وقال:- إنّ مثل ( ما خالف قول ربنا هو زخرف وباطل ) لا يقبل التخصيص فلا معنى لأن تقول ( الزخرف اطرحه إلا إذا كان مشهوراً فخذ به رغم كونه زخرفاً )، إنّ هذا التخصيص غير يمكن.
إذن يلزم أن نقول إنّ هذه المرجّحات لم تذكر من باب الإلزام والوجوب وإنما من باب الاستحباب والرجحان أو أنّها في صدد تمييز الحجّة عن اللاحجّة.
وفيه:- إنّ الجواب على ما ذكره(قده) قد اتضح من خلال ما سبق فإنه استعان بحديث ( ما خالف قول ربنا فهو زخرف ) وهذا لا معنى للاستشهاد به فإنّ هذا من أخبار العرض التي يفترض فيها أنّ المخالفة للكتاب هي بنحو التباين أو العموم من وجه بينما المخالفة المذكورة في مقبولة ابن حنظلة هي المخالفة بنحو الأخصّ مطلقاً فإنها من أخبار العلاج وليست من أخبار العرض، وعدم التمييز بين الطائفتين - يعني إدخال إحدى الطائفتين في الأخرى – هو الذي سبّب هذا الإرباك عند صاحب الكفاية(قده)، أمّا إذا ميّزنا بينهما فلا يأتي هذا الكلام إذ أنَّ مقبولة ابن حنظلة هي من أخبار العلاج، يعني التي تفترض أنّ الخبر لو لم يكن له خبر معارض لكان صالحاً لأن يقدّم على الكتاب ويخصّصه وإنما المعارضة أوجبت التوقّف فرجّح الموافق، فالمخالفة المنظورة هنا هي المخالفة بنحو الأخصّ مطلقاً وليست هي المخالفة في أخبار العرض.
هذا مضافاً إلى أنّه لو تنزّلنا ولم نفرز طائفة عن أخرى بل جعلنا الطائفتين واحدة  - كما سار هو(قده) - فنقول:- إنّ محذور التخصيص لازمٌ ولا مفرَّ منه على كلّ حال فإنه كان يتصوّر أنّه إذا حملنا الأخبار المرجّحة على الاستحباب أو على تمييز الحجّة عن اللاحجّة لا يلزم محذور التخصيص، ونحن نقول:- بل يلزم محذور التخصيص على كِلا التقديرين والوجه في ذلك هو أنّه في مقبولة ابن حنظلة ذكرت الشهرة أوّلاً ولذلك تصير النتيجة هي أنّ المشهور هو المقدّم حتى لو كان مخالفاً، فرغم كونه مخالفاً هو الذي يقدّم مادام مشهوراً ولكن غايته إمّا على نحو اللزوم بناءً على اللزوم أو بنحو الاستحباب بناءً على حمله فإنه بناءً على حمله يصير مستحبّ، وبذلك يعود الإشكال فإنه كيف يستحب الأخذ بالمشهور رغم أنّه مخالفٌ لقول ربّنا وما خالف قول ربنا زخرف فعاد نفس الكلام ولزم نفس الإشكال غايته لا يلزم تقديم المشهور إلّا أنه يرجَّح ومستحبّ، فكيف يستحب تقديم المشهور والحال أنّه مخالفٌ للكتاب ومخالفٌ لقول ربنا وهو زخرف فعاد الإشكال.
وهكذا إذا حملناها على تمييز الحجّة عن اللاحجّة فإنّ الشهرة حيث ذُكِرت في المرتبة الأولى فيكون المشهور مقدّماً حتى لو كان مخالفاً للكتاب الكريم  - الذي هو ليس بحجّة بنفسه - فرغم ذلك مادام هو مشهور يكون مقدّماً فعاد الإشكال آنذاك.
ونضيف شيئاً جديداً لا يرتبط بهذا المطلب بل يرتبط بأصله وحاصله:- إنّ الشيخ الخراساني(قده) كان يصرّ على أنّ المقصود من هذه الأخبار التي تقدّم الموافق للكتاب أو المخالف للقوم المقصود منها تمييز الحجّة عن اللاحجّة ويقول هي ليست ناظرة إلى تقديم حجّةٍ على حجّةٍ، ونحن نقول له:- إنّا سلّمنا ذلك ولكن هذا ماذا ينفعك ؟ والوجه في أنه لا ينفعه:- إنّه بالتالي سوف يثبت أن الموافق للكتاب هو المقدّم والمخالف للقوم هو المقدّم سواءً فرض أنّ الآخر - أي المخالف للكتاب أو الموافق للقوم - كان حجّة أم لم يكن بحجّة، إنّ هذا لا يؤثر شيئاً على النتيجة فإنّ الذي يريده الأصولي هو أنّ الموافق للكتاب يلزم الأخذ به أو لا ؟ والمخالف للقوم يلزم الأخذ أو لا ؟ إنّ كلامنا هنا وهذه النتيجة لا تتأثر ولا تختلف سواءً فرض أنّا حملنا أخبار الترجيح على أنها في صدد تمييز حجّةٍ عن لا حجّةٍ أو في صدد ترجيح حجّةٍ على حجّةٍ أخرى، فإذن إتعاب نفسك في إثبات أنّ المقصود أنها في صدد تمييز حجّة عن لا حجّة شيءٍ لا يؤثر على النتيجة ولا ينفعك فإن هذا ليس شيئاً علميّاً.
هذا كلّه بالنسبة إلى الوجه الأوّل من الوجوه التي ذكرها الشيخ الخراساني(قده).