الموضوع:- تنبيهات الأخبار
العلاجية- التنبيه الثاني.
البيان الأوّل:- إنه ورد في بعض
أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أنّ ما خالف قول ربنا فهو زخرف أو باطل أو على
الجدار ومثل هذا التعبير يفهم منه سلب الحجيّة رأساً فكونه زخرفاً يلتئم مع كونه
ليس بحجّة وإلا فلا معنى لأن يكون المقصود أنّه حجّة ولكن قدِّموا الموافق، فإذا
سلّمنا بهذا فإذن ما دلّ على أنّه يؤخذ بما وافق الكتاب ويطرح ما خالفه يثبت أنّ
المقصود منه يعني ما وافق الكتاب هو الحجّة وما خالفه فهو ليس بحجة رأساً فإنه
زخرف وباطل وأنه على الجدار . إذن ثبت ما نريد.
البيان الثاني:- إذا كان الخبر
مخالفاً لكتاب الله عز وجل فهل أنّ العقلاء يعملون بظهوره ؟ وهل يعملون بسنده ؟ والمناسب
أن نقول:- إمّا أنهم لا يعملون به جزماً أو نشك في أنهم يعملون به، يعني أنّ
السيرة العقلائية التي هي مدرك حجية الظهور وهكذا الصدور - يعني حجيّة الخبر - فإن
مدرك حجيّة الخبر هو السيرة العقلائية أو السيرة المتشرعيّة فعلى كلا التقديرين لا
نجزم بأنّ السيرة منعقدة على العمل بظهور وبسند الخبر المخالف لكتاب الله عز وجل،
فإذن نتمكن أن نقول هو ليس بحجّة في حدّ نفسه ظهوراً وسنداً.
والنتيجة:-
هي أنّ المخالف لكتاب الله ليس بحجّة في حدّ نفسه والموافق هو الحجّة . فإذن هذه
الأخبار التي تقول خذ بالموافق للكتاب واطرح المخالف له هي في صدد تمييز حجّةٍ عن
لا حجّةٍ وليس بصدد ترجيح حجّةٍ على حجّةٍ أخرى.
وأما ما دلّ على الترجيح بمخالفة القوم فيمكن أن نقول:-
إنّ المخالف لهم هو الحجّة وأما الموافق فليس بحجة رأساً، ووجه ذلك هو أنّ
الموافق للقوم لنا وثوق واطمئنان بأنّه لم يصدر لبيان الواقع، ولماذا هذا الوثوق
ومن أين ينشأ ؟ لأنّ المخالف لهم نثق بصدوره لبيان الواقع وما دمنا نثق بصدوره
لبيان الواقع فلازمه أن نثق بأنّ الموافق إمّا أنّه لم يصدر رأساً أو أنّه صدر
ولكن ليس لبيان الواقع، فإذا كان يوجد وثوقٌ بأن ذلك لم يصدر لبيان الواقع فهو
ساقط عن الحجيّة في حدّ نفسه.
وقبل أن نذكر التعاليق على هذا نقول:-
نحن حينما نتكلّم مع صاحب الكفاية(قده) في هذا البحث نفترض أنّ أخبار التخيير حجّة، أمّا إذا ناقشناها بما تقدّم وقلنا أنها لا تدلّ على التخيير في زمان الغيبة بل
يختصّ التخيير بزمان الحضور مثلاً أو غير ذلك - فنحن فيما سبق ناقشنا أخبار
التخيير - فإذن من البداية تكون أخبار التخيير ساقطة عن الاعتبار ولا يمكن أن نتحدّث
مع صاحب الكفاية . إذن الآن نفترض تنزّلاً أنّ دلالتها تامّة ولا بأس بها، فهذا
إذن بحثٌ تنزّلي.
وبعد
وضوح هه القضية نقول:-
أما بالنسبة إلى ما أفاده أوّلاً - من أنّ الخبر المخالف للكتاب هو
زخرف وباطل وهذا اللسان يستفاد منه أنّ المخالف للكتاب هو حجّة رأساً – ففيه:-
أنّا ذكرنا فيما سبق أنّ الأخبار الواردة في هذا المجال - أيّ في مجال الترجيح
بموافقة ومخالفته - لابد من تقسيمها إلى طائفتين طائفة ناظرة إلى الخبر بقطع النظر
عن مارضته بخبرٍ آخر وكأنها تريد أن تقول إن شرط حجيّة الخبر في حدّ نفسه هو أن لا
يكون مخالفاً للكتاب فإن المخالف زخرف وباطل فكما أنّ من الشرائط وثاقة الراوي وأن
لا يكون مخالفاً لفتوى المشهور مثلاً كذلك من شرائط حجيّته في حدّ نفسه أن لا يكون
مخالفاً لكتاب الله عز وجل فهذه طائفة ناظرة إلى حجيّة الخبر في حدّ نفسه
واسميناها بأخبار العرض وأنّ كلّ خبرٍ لابد وأن يعرض على الكتاب فشرط حجيّته أن لا
يخالف الكتاب، وهناك طائفة ثانية ناظرة إلى الخبر الذي له معارضٌ وتريد أن تعالج الموقف
حالة التعارض وهنا لم تعبّر الروايات بالزخرف والباطل وعلى الجدار وإنما عبّرت
وقالت خذ بالموافق للكتاب واطرح المخالف له.
فإذا
اتضح ذلك نقول:- لا معنى لأن نطبّق اللسان الأوّل في باب المعارضة بين الخبرين
الذي يدلّ على أنّ المخالف للكتاب هو زخرف وباطل، إنّ ذاك ناظر إلى الخبر في حدّ
نفسه وذكرنا أيضاً فيما سبق أنّه لا بد من حمل المخالفة للكتاب في هذا المورد على
المخالفة بنحو التباين أو المخالفة بنحو العموم والخصوص من وجه وأما المخالفة
بالأخصّية فليس بمشمولٍ والوجه في ذلك هو إمّا أنّه لا يصدق عليه أنّه مخالف - أي ينصرف
عنه - أو نقول إنّه قد صدر المخالف بهذا المعنى من الأئمة عليهم السلام الكثير فلا
يمكن أن يقال إنّ هذه الروايات باطلة وزخرف فإنه لا يحتمل هذا . إذن هذا بنفسه
قرينة على أنّ المقصود من المخالف في الطائفة الأولى التي قالت:- ( ما خالف قول ربنا هو زخرف ) هو المخالف بنحو التباين
أو العموم والخصوص من وجه، والطائفة الثانية التي قالت ( عند التعارض يقدم
الموافق ويطرح المخالف ) يعني ما كانت المخالفة للكتاب فيه بنحو الأخصّيّة مطلقاً
أمّا إذا كان مبايناً أو عموم وخصوص من وجه فهذا ليس بحجّة بنفسه وهو داخلٌ تحت
الطائفة الأولى . إذن يجب التمييز بين الطائفتين وأن المخالفة التي تقصد في
الطائفة الأولى غير المخالفة في الطائفة الثانية.
وإذا
ميّزنا بين هاتين الطائفتين بهذا الشكل فلا يأتي كلام صاحب الكفاية(قده) فإن كلامه
مبتنٍ على جعل الطائفتين طائفة واحدة فإنّه على هذا يتمّ ما ذكره، ولكن من الواضح
أنّه لابد من التمييز والتفرقة بين الطائفتين بالشكل الذي ذكرناه، وبهذا يندفع ما
أفاده أوّلاً.
وأما بالنسبة إلى ما أفاده ثانياً - من أنّ الخبر المخالف للكتاب لا
نجزم بأنّ السيرة العقلائيّة أو المتشرعيّة قد انعقدت على الأخذ به ظهوراً وسنداً
- ففيه:- إنّ هذا وجيهٌ إذا كانت المخالفة للكتاب
بنحو التباين أو بنحو العموم من وجه فهنا لا بأس بدعوى عدم الجزم بانعقاد السيرة
على الأخذ بالظهور أو بالصدور، وأمّا إذا كانت المخالفة للكتاب بنحو الأخصّ
مطلقاً وليس من وجهٍ فالسيرة جارية على الأخذ بالخبر وتخصيص الكتاب به، يعني يؤخذ
بظهور الخبر وبصدوره ويجعل مخصّصاً من دون توقّفٍ فإنّ الكثير من الأخبار الصادرة
من الأئمة عليهم السلام كان مخصّصاً للكتاب الكريم أفهل كان هذا الكمّ الكثير - أو
المقدار المعتدّ به - لا يعمل به الأصحاب ؟!! إنّا لا نحتمل ذلك، وهذا معناه أنّ
سيرة العقلاء أو المتشرّعة جارية على الأخذ بالخبر المخالف لكتاب الله عز وجل إذا
كانت المخالفة بنحو التخصيص أو التقييد فنجزم بانعقاد السيرة على ذلك لا أنّه نشك
في امتداد السيرة فإنه لا موجب لهذا الشك، نعم هذا الشكّ موجودٌ إذا كانت
المخالفة بنحو التباين أو العموم والخصوص من وجه . إذن ينبغي الفرز بين هذين
المطلبين بالشكل الذي أشرنا إليه.
وأمّا بالنسبة إلى ما أفاده ثالثاً – يعني أن الموافق للقوم نثق ونطمئن
بعدم صدوره لبيان الواقع بسبب أننا نثق بصدور المخالف لبيان الواقع – ففيه:-
إنّ المخالف للقوم لا نثق بصدوره، نعم لو كان صادراً فنثق بصدوره لبيان الواقع أمّا
أنّه نثق بصدوره فكلّا بل لعلّه ليس بصادرٍ من دون وثوقٍ بصدوره فإنه كثيراً ما
يصدر من الأئمة عليهم السلام أخبار موافقة للقوم ولا مانع من ذلك إذ ليس بناء أهل
البيت عليهم السلام على المخالفة فقط، كلّا بل هناك الكثير من الأخبار اليت تصدر
منهم مضامينها متّفقة بيننا وبينهم . فإذن الخبر المخالف لا نثق بأصل صدوره، نعم
لو كان صادراً فهو صادر لبيان الواقع، وكذلك الخبر الموافق لا نثق بعدم صدوره
وإنما لو كان صادراً فهو صادر لا لبيان الواقع، وعلى هذا الأساس كما يحتمل صدور
المخالف يحتمل صدور الموافق.
نعم
إذا اخذنا بمنى السيد البروجردي(قد) فقد يكون لهذا الكلام وجاهة فإنه ينسب إليه أنّه
كان يرى أنّ ما يصدر من أئمتنا عليهم السلام كان يصدر في حالة المخالفة فإذا كانت
عندهم مخالفة للمذهب الشائع فهم يتكلّمون أمّا إذا لم تكن عندهم مخالفة - بل
موافقة - فيسكتون، فكلام الأئمة عليهم السلام جاء أشبه بالتعليقة كتعليقة فقهائنا
على العروة الوثقى مثلاً فإنّ الفقيه يعلّق في مورد المخالفة وأما في مورد
الموافقة فيسكت - وواضحٌ إنّ هذا سوف يستفيد منه(قده) في الموارد التي لا يوجد
عندنا ما يخالف فإذا كان لا يوجد عندنا ما يخالف ولا توجد عندنا رواية في مسألةٍ
ولكن هم عندهم رواية في هذا المجال فعلى رأي السيد البروجردي نأخذ برواياتهم لأن
أئمتنا حينما سكتوا فإن سكوتهم من باب الموافقة -، وبناءً على هذا المبنى لو تمّ
فحينئذٍ نقول نعم إنّ الموافق لا يصدر منهم عادةً فالذي يصدر منهم هو المخالف فقط،
فإذن نثق بصدور المخالف وأنه صدر لبيان الواقع أمّا الموافق فلا نثق بأصل صدوره بل
نثق بعدم صدوره فيتمّ حينئذٍ . ولكن المفروض أنّا لا نسلم هذا المبنى بل يصدر من
الأئمة عليهم السلام ما يوافق القوم، وعلى هذا الأساس لا وثوق بعدم صدور الموافق
رأساً.