الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:-  الأخبار العلاجية -  أخبار الإرجاء.
والكلام فيها يقع تارةً بلحاظ الدلالة وأخرى بلحاظ السند:-
أما بلحاظ الدلالة فيمكن أن يقال:-
أوّلاً:- إنّها مجملة ، بمعنى أنها وإن عبّرت وقالت:- ( كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا .... قد اختلف علينا فيه ) ولكن المقصود من الاختلاف مردّد بين الاختلاف الذي هو محلّ كلامنا - أعني التعارض - وبين الاختلاف بمعنى آخر بمعنى أنّه يرويه الثقة كما قد يرويه غير الثقة فإن هذا نحوٌ من الاختلاف في الأحاديث ، أو أنّ يكون المراد من الاختلاف هو لزوم العمل به وعدم لزوم لعمل به فأصحابنا قد اختلفوا منهم من يقول يلزم العمل به ومنهم من يقول لا يلزم ، ومع تردّد الكلمة المذكورة تسقط الرواية عن صلاحية الاستدلال بها ، وقد جاء استعمال كلمة الاختلاف بالمعاني الأخرى في بعض الروايات من قبيل رواية عبد الله بن أبي يعفور المتقدّمة:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به )[1] ، وهكذا رواية الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام:- ( قلت له:- تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، فقال:- ما جاءك عنا فَقِس على كتاب الله عزّ وجل وعلى أحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منّا وإن لم يكن يشبههما فليس منّا )[2] ، إنّ كلمة ( مختلفة ) هنا قد لا تكون بمعنى متعارضة بل بمعنىً آخر فلذلك الإمام عليه السلام قال له لاحظ ما يشابه الكتاب والسنّة فخذ به وإلّا فلا.
وبالجملة:- إنَّ الذي نريد أن نقوله هو أنّ الرواية المذكورة ليست واضحة في أنّ كلمة الاختلاف الواردة فيها يراد منا الاختلاف بمعنى التعارض.
ومما قد يؤكد ما قلناه هو هذا التعبير:- ( قلت:- قد اختلف علينا فيه ) فإذا كان المقصود هو التعارض كفاه أن يقول:- ( قد اختلف ) ولا يضيف جملة ( علينا فيه ) فإنّه لا داعي إليها ، فيظهر من هذا أو لا أقل يولّد هذا احتمال يورث الإجمال بأنّ المقصود هو أنّه قد اختُلِفَ في أنّه نعمل بكلّه أو نعمل ببعضه فهذا كلامٌ وقع بيننا فكيف نصنع ؟ فهذا احتمال يكون حينئذٍ وجيهاً.
وأمّا ثانياً:- لو سلّمنا أنّ المقصود من الاختلاف هو التعارض فنقول إنّ الإمام عليه السلام قال:- ( ما علمتم أنّه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا ) وهو قد جعل المدار في الأخذ بالحديث على العلم بكونه منهم عليهم السلام ، وحيث إنّ رواية الراوندي ذكرت موازين للأخذ بالخبر في حالة التعارض - فأنّ الميزان الأوّل هو الموافقة للكتاب والميزان الثاني هو المخالفة للقوم - فبالتالي تصير رواية الراوندي بمثابة الحاكم على هذه الرواية لأنّ هذه الرواية تقول إنَّ المدار في الأخذ بالخبر على العلم وتلك بيّنت طريقاً شرعيّاً للخبر الصادر منهم وللخبر الحجّة فتصير حاكمة على هذه الرواية ، وبالتالي هذه الرواية لا يستفاد منها شيء يعارض رواية الراوندي بل على العكس تكون رواية الراوندي هي الحاكمة على هذه الرواية.
وأما من حيث السند:-
فقد رواها في الوسائل كما نقلنا وهو هكذا :- ( محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب مسائل الرجال لعلي بن محمد أن محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العلم المنقول .... ) ، وبناءً على هذه العبارة لابد من ثبوت وثاقة عليّ بن محمد الذي هو صاحب كتاب مسائل الرجال ووثاقة الكاتب الذي كتب السؤال أيضاً وهو محمد بن علي بن عيسى ، هذا هو الموجود في الوسائل.
وإذا رجعنا إلى السرائر[3] نفسه وجدنا العبارة هكذا:- ( ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام والأجوبة عن ذلك )[4]،ثم بعد ذلك بصفحتين قال ما نصّه:- ( مسائل محمد بن علي بن عيسى حدثنا محمد بن أحمد بن زياد وموسى بن محمد بن علي بن عيسى قال كتبت إلى الشيخ أعزه الله وأيده أساله عن الصلاة في الوبر ..... وسألته عن العلم المنقول إلينا عن آبائك ...... ) إلى أخر تلك العبارة التي ذكرناها سابقاً ، والمستفاد من هذه العبارة أنّه يوجد كتابٌ باسم مسائل الرجال فيه مكاتباتهم والأجوبة عن ذلك يعني أنَّ هناك أسئلة قد صدرت من بعض الأصحاب وتوجهت إلى الإمام عليه السلام والإمام قد أجاب عنها وذاك أيضاً سأل وأجاب الإمام عنها وشخص ثالث سأل وأجاب الإمام عليه السلام وجمعت هذه الأسئلة مع أجوبتها في كتابٍ وسمّي باسم مسائل الرجال والأجوبة على ذلك فالسائل مختلف والمسؤول هو الإمام الهادي عليه السلام ومن جملة تلك الأسئلة مسائل محمد بن علي بن عيسى الذي ورد ذكره في الوسائل قبل قليل ، وهذه المسائل لمحمد بن علي بن عيسى مَنْ ينقلها عنه ؟ ينقلها عنه شخصان أحدهما محمد بن أحمد بن زياد والثاني موسى بن محمد بن علي بن عيسى فهما قد نقلا عن محمد بن علي بن عيسى أنّه كتب إلى الشيخ أعزه الله يعني إلى الإمام الهادي عليه السلام - وكلمة شيخ كانت متعارفة تطلق في ذلك الزمن على بعض أئمتنا عليهم السلام سواء كانت تقيّة أو غير تقيّة فهذا ليس بمهم -.
ومن خلال هذا يتّضح أنّ صاحب الوسائل قد نسب كتاب مسائل الرجال إلى عليّ بن محمد لأنه قال في عبارته السابقة من الوسائل:- ( محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب مسائل الرجال لعلي بن محمد ) وقد اتضح من خلال ما ذكرناه أنّ علي بن محمد ليس بموجودٍ فمن أين أتى به صاحب الوسائل ؟!! وهذه قضيّة ملفتةٌ للنظر.
كما أنّ صاحب الوسائل لم يذكر أنّ الناقل عن محمد بن علي بن عيسى- الذي هو قد كتب للإمام – شخصان.
وعلى هذا الأساس يتجلّى أنّنا بحاجة إلى أن نتكلّم عن هذا السند من زوايا ثلاث:-
الأولى:- في الكاتب لهذه المسائل إلى الإمام عليه السلام -الذي هو محمد بن علي بن عيسى - فإنّه لابد من إثبات وثاقته لأنّه إذا لم يكن ثقة فكيف نعلم بأنّه حينما ينقل ويقول هكذا كتب لي الإمام أنّه صحيحٌ ؟ فلعلّ فيه زيادة أو نقيصة أو كذب أو غير ذلك.
الثانية:- لابد أيضاً من ملاحظة حال الناقلين عنه فلابد من إثبات وثاقتهما أو وثاقة أحدهما.
الثالثة:- طريق ابن إدريس إلى ما استطرفه من مسائل الرجال.
أمّا عليّ بن محمد -الذي ذكر اسمه صاحب الوسائل - فلا نحتاج إليه لأنه ليس له وجودٌ في نقل صاحب السرائر ، بينما لو كنّا نلاحظ الوسائل فقط فلابد وأن نثبت وثاقته بينما بعد المراجعة فلا نحتاج إلى أن نثبت وثاقته بل لابد من أن نثبت وثاقة شخصين آخرين غيره فاختلفت المعادلة بشكلٍ كبير ، وهذا يرشدنا إلى شيء وهو أنّه علينا بمراجعة المصدر الأصلي دائماً لا نكتفي بالنقل فإنه عندما نراجع المصدر قد يظهر لنا شيء أو أشياء كما في موردنا.


[1]وسائل الشيعة، العاملي، ج27، ص110، ابواب صفات القاضي، ب9، ح11، آل البيت.
[2]وسائل الشيعة، العاملي، ج27، ص121، ابواب صفات القاضي، ب9، ح40، آل البيت.
[3]  وما هي مستطرفات السرائر ؟ عثر صاحب السرائر على بعض الاصول الأربعمئة لأصحابنا واستطرف بعض الأحاديث وسجلها في آخر السرائر وعبر عنها بمستطرفات السرائر أي ما استطرفه صاحب السرائر من الأصول الأربعمئة ولكن مع الاسف أنه لم يذكر طريقه إلى تلك الاصول الاربعمئة التي نقل عنها فعادت بذلك مرسلة إلا في واحدٍ منها وهو ما استطرفه من كتاب محمد بن علي بن محبوب الأشعري حيث قال ( إنه عندي بخط الشيخ الطوسي ) وبما أن الشيخ الطوسي لديه طريق معتبر إلى محمد بن علي بن محبوب فتنحل المشكلة في خصوص هذا الاصل أما البقية فلا.
[4]مستطرفات السرائر، ابن ادريس، ص584.