الموضوع:- الأخبار
العلاجية /مقتضى القاعدة الثانوية في المتعارضين / أحكام التعارض المستقر.
ربما يقال في هذا المجال:- إنّه قد يمكن
السيطرة على هذه المشكلة من هذه الناحية بأن صاحب البحار(قده) نقل هذه الرواية من
رسالة الراوندي أيضاً، يعني يوجد علمان قد نقلا هذه الرواية من رسالة الراوندي
واتفاق هذين العلمين على نقل شيءٍ واحدٍ يورث للفقيه الاطمئنان بأنّ هذه الرسالة
هي للراوندي والنسخة هي للراوندي وأنها تشتمل على هذه الرواية، فيحصل اطمئنان
بمطلبين الأوّل أصل وجود رسالةٍ ونسخةٍ صحيحةٍ والثاني هو أنّ هذه النسخة من
الرسالة تشتمل على هذه الرواية، فإن حصل الاطمئنان ارتفعت آنذاك المشكلة، وهذا
طريقٌ وجدانيّ وليس علميّاً ومن حقّك أن تنكر هذا الاطمئنان، أمّا من ادّعى أنه
يحصل له الاطمئنان فلا مشكلة عنده وبلحاظه.
يبقى
أنّه أين نقل صاحب البحار هذه الرواية ؟
إنه
نقلها في البحار
[1]حيث قال:- ( روى الشيخ قطب الدين الراوندي في رسالة
الفقهاء على ما نقل عنه بعض الثقاة بإسناده عن الصدوق عن ..... عن ...... ) ثم ذكر
حديثاً لا يرتبط بمقامنا ثم بعد حديث أو حديثين قال:- ( وبهذا الإسناد عن الصدوق عن
أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبي عبد
الله عليه السلام ) ثم نقل نفس الرواية مع فارقين الفارق الأوّل هو أنّ صاحب
البحار قال:- ( عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام ) أما
الموجود في الوسائل فهو هكذا:- ( عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
[2]
قال:- قال الصادق عليه السلام:- ... )، والفارق الثاني هو أنّه في رواية البحار
ورد هكذا:-
( وما خالف كتاب الله فذروه ) ،أمّا في الوسائل
فالموجود هو
:- ( وما خالف كتاب الله فردّوه ).إذن
توافق العلمين في نقل هذا الحديث من الرسالة المذكورة قد يورث الاطمئنان للفقيه
بصحّة الرسالة وبأنّها تشتمل على الحديث المذكور، وقلنا هذا ينفع من يحصل له هذا
الاطمئنان.
إن قلت:- إنّ صاحب البحار قال:- ( روى
الشيخ قطب الدبن الراوندي في رسالة الفقهاء على ما نقل عنه بعض الثقاة بإسناده عن
الصدوق ... ) ولعل مقصوده من بعض الثقاة يعني صاحب الوسائل فإنهما عاشا في عصرٍ
واحدٍ، فهو لاحظ الوسائل ووجد أنّ صاحب الوسائل ينقل هذه الرواية عن رسالة الراوندي
وبذلك يكون الناقل عن الرسالة واحداً وهو صاحب الوسائل وأمّا صاحب البحار فهو ناقلٌ
عن صاحب الوسائل فلا يوجد تعدّد في الناقل عن تلك الرسالة حتى يحصل الاطمئنان.
قلت:- هذا احتمالٌ وجيهٌ إذا فرض توافق
النقلين من جميع الجهات، بيد أنّه ذكرنا أنّه يوجد بينهما اختلافٌ يسير فإن صاحب
البحار قال هكذا:-
( وما خالف كتاب الله فذروه )
بينما الموجود في الوسائل هو:-
( وما خالف كتاب الله
فردّوه ) فلو كان ينظر إلى الوسائل فلا معنى لهذا الاختلاف.
والفارق
الثاني أنّه في أحدهما جاء:- ( قال:- قال الصادق عليه
السلام ) بينما في النقل الآخر الموجود هو:- ( عبد الرحمن بن أبي عبد الله
عن أبي عبد الله ) وهذا اختلاف فكيف يغير التعبير هكذا !! إذن يمكن أن يحصل
اطمئنان بأنّ صاحب البحار لم ينقل عن صاحب الوسائل وبذلك يعود حصول ذلك الاطمئنان
أمراً وجيهاً كما أشرنا إليه سابقاً.
وأما بالنسبة إلى السؤال الاخير- وهو أنّ الطريق بين الراوندي إلى
الامام قد يخدش فيه -:- والوجه في ذلك هو أنّ
الراوندي نقل الرواية عن محمد وعليّ ابنَي عليّ بن عبد الصمد وهما نقلاها عن
والدهما - أعني علي بن عبد الصمد - وهو قد رواها عن أبي البركات عليّ بن الحسين
وأبو البركات نقلها عن الشيخ الصدوق، والمشكلة من ناحية هؤلاء الاشخاص الثلاثة أمّا
بالنسبة إلى غيرهم - يعني مَن قبلهم - فلا مشكلة فإنّ القبلي هو الشيخ الصدوق عن
أبيه عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي عمير عن عبد الرحمن بن أبي
عبد الله والكلّ ثقاة ومن الأجلّة، فلا مشكلة من الصدوق إلى الإمام عليه السلام،
وإنما المشكلة من ناحية مَن كان قبل الصدوق - أعني هؤلاء الثلاثة -.
وفي هذا المجال قد يقال بالنسبة إلى أبي البركات الذي يروي عن الشيخ
الصدوق في حلّ المشكلة من ناحيته:- بأن الحرّ العاملي
في كتابه تذكرة المتبّحرين ذكر ما نصّه:-
( الشيخ أبو
البركات علي بن الحسين الجوزي الحلي عالمٌ صالحٌ محدّثٌ يروي عن أبي جعفر بن
بابويه )،وعليه
تنحصر المشكلة من ناحية علي بن عبد الصمد وولديه.
وقد يناقش ويقال:- بأنّ عبارة الحرّ لا
تدلّ على التوثيق فإنه قال ( عالمٌ صالحٌ محدّثٌ ) وهذه التعابير الثلاثة لا
يستفاد منها التوثيق.
ولكن من أراد أن يقول:- إنّ كلمة ( صالح )
تدلّ على التوثيق فإنه إذا لم يكن ثقةً فعرفاً لا يعبّر عنه بكلمة ( صالح )، وهذه
قضيّةٌ متروكةٌ لك.
وعلى
أيّ حال لو قبلنا بأنّ كلمة ( صالح ) تدلّ على التوثيق فقد يناقش من ناحيةٍ أخرى
وهو أنّ الفاصل الزمني بين صاحب الوسائل وبين أبي البركات - الذي هو يروي عن الشيخ
الصدوق - كثير فحينئذٍ هو ليس معاصراً له فيشكل الاعتماد على توثيقاته.
ولكن
الشيء الذي يهوّن الخطب هو أنّ علماءنا المتأخرين - يعني من الصدوق وما بعده أو من
الشيخ الطوسي وما بعده - لا يحتاجون إلى توثيقاتٍ فكلّهم علماء وأهلُ صلاحٍ ولا
تأمّل من ناحيتهم، وإذا كان هناك أشكالٌ فهو من ناحية المتقدّمين فهم الذين نجهل
حالهم وإلّا فهؤلاء هم عادةً من العلماء الاتقياء ولا تأمّل من ناحيتهم، وهل
يتوقّف أحدٌ في أنّ العلماء الذين هم في زمان صاحب البحار مثلاً أو ما يقاربه
ويقول إنّه لم تثبت وثاقتهم ؟!! إنّ هذا شيءٌ مرفوضٌ، نعم لم تثبت فضيلتهم أمّا عدم
ثبوت وثاقتهم فهذا بعيدٌ جداً، فالتوثيق بالنسبة إلى هؤلاء لا نحتاج إلية، وإذا
تمّت هذه الجملة فإذن نحن في راحةٍ من ناحية هؤلاء - يعني من ناحية أبي البركات
وعليّ بن عبد الصمد وولديه - وإلّا فالأمر مشكلٌ من ناحية هؤلاء الثلاثة، ولا أقل
من ناحية عليّ بن عبد الصمد وولديه . فإذن بناءً على قبول هذه الجملة تنحلّ هذه
المشكلة وإلّا فسوف تبقى.