الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

وفيه:- إنه يمكن أن يقال إن هذا المضمون ليس ناظراً الى نفسه وإنما هو ناظر الى الروايات الاخرى التي ليس عليها شاهد من كتاب الله فلو فرض أنه كان عندنا مئة رواية ليس عليها شاهد فهذه الطائفة تريد أن تقول إن تلك المئة حيث إنه لا شاهد عليها من كتاب الله فهي ليست حجة، فهي ناظرة الى تلك الروايات وليست ناظرة الى نفسها،من قبيل قول القائل كل خبري كاذب كأن أخبر بمئة خبر وبعدما أكملها قال كل ما أخبرتكم به فيما سبق هو كاذب إنه في مثل هذا يقال إن هذا الخير ( يعني كل خبري كاذب ) ليس ناظراً الى نفسه وإنما هو ناظر الى تلك الاخبار التي صدرت ومعه فلا يلزم من عدم حجية تلك الاخبار عدم حجية نفسه لأنه ناظر الى تلك الاخبار وليس ناظراً الى نفسه، ومن هنا قيل ان القضية لا تشمل نفسها فإن المقصود هو هذا، يعني حينما اقول كل خبري كاذب فهذه القضية لا تشمل هذا الخبر،  ولماذا ؟ لأنها ناظرة الى تلك الاخبار الاخرى وتريد ان وتقول هي كاذبة وليست ناظرة الى نفسها، فالقضية لا تشمل نفسها من   هذه الناحية ومن هذه الجهة. فإذن لا يرد ما ذكر وهو أنه لو كانت هذه الروايات حجة لزم أن تردع عن نفسها كلا لا يلزم ذلك بعدما كانت ناظرة الى الغير.
إن قلت:- صحيح أن القضية لا تشمل نفسها ولكن لا تشمل نفسها لفظاً وتشمله ملاكاً ونكتةً، يعني هي من حيث اللفظ فحينما يقال ( كل خبري كاذب ) يراد بذلك تلك الاخبار السابقة هي كاذبة ولا يراد نفس هذا الخبر لأن هذا الخبر يوجد بعد ذلك أي بعدما اقول - كل خبري كاذب تحققت هذه القضية الجديدة - فهذه القضية لا تشمل نفسها من حيث القصور اللفظي ولكنها تشمل نفسها من حيث النكتة والملاك إذ لا فرق بين تلك القضايا وبين هذه القضية من حيث الملاك والنكتة ومقامنا من هذا القبيل فحينما قالت هذه الطائفة ما ليس عليه شاهد فهو ليس بحجة فهذا اللسان وإن كان ناظراالى تلك الاخبار وليس ناظراً الى نفسه ولكن بالتالي لا فرق بينهما من حيث الملاك.
قلت:- هما مختلفان من حيث الملاك فإن هذه الطائفة التي تقول ما ليس عليه شاهد ليس بحجة تريد أن تقرب نحو كتاب الله عز وجل وتجعل الخبر الحجة هو ما كان موافقاً للكتاب وعليه شاهد منه      بينما تلك الاخبار الاخرى التي ليس عليها شاهد من كتاب الله عز وجل والتي تشير اليها هذه الطائفة فتلك لا تقرب من الكتاب الكريم . إذن من حيث الملاك والنكتة هما مختلفان لا أنه نجزم بوحدة الملاك أو إلغاء الخصوصية كلا بل الخصوصية محتملة فإن هذه الطائفة بروحها تريد أن تقربنا نحو الكتاب وتجعل الميزان هو الكتاب الكريم بينما تلك الروايات التي تشير اليها وتريد ان تسلب الحجية عنه مقربة للقرآن الكريم، إنهما من حيث المناط مختلفان
وبهذا اتضح أن هذا الذي يخطر الى الذهن لا يمكن التمسك به والصحيح هو الاشكال بالأمور الثلاثة التي أشرنا إليها أولاً.
إن قلت:- ان كل ما ذكر صحيح ولكن عندنا مناقشة فنية وهي أن التعليق الثالث لا ينبغي عده شيئاً مقابلاً لهذا الذي ذكر أخيراً فإن الذي ذكر أخيراً والذي رفضناه هو أن هذه الطائفة لو كانت حجة فسوف تردع عن نفسها والتعليق الثالث هو قريب من ذلك لأنا كنا نقول فيه إن هذه الطائفة لا نجزم بحجيتها ولماذا , لاحتمال أنها تردع عن نفسها بنفسها اذ لا نكتة للتشكيك في حجيتها إلا أنها تردع عن نفسها بنفسها فبهذا عاد التعليق الثالث الى ما ذكر أخيراً وصارا  واحداً من حيث الجنبة الفنية فلا معنى لعدهما اثنين فنياً وصناعياً.
قلت:- إنه فيما    ذكر أخيراً يراد أن يدعى الجزم وأنها تردع عن نفسها بنفسها فتسقط عن الحجية باعتبار أنها تردع عن نفسها بنفسها وأما فيما ذكرنا سابقا بعنوان التعليق الثالث فلا يراد أن يدعى الجزم إنما يراد أن يقال إن هذه الأخبار حينما تصلنا يتولد احتمال – ونؤكد احتمال ولا نريد أن ندعي الجزم - أن شرط حجية الخبر هو أن يكون قطعياً إما من جهة التواتر أو من جهة ان عليه شاهداً من كتاب الله عز وجل ومادمنا نحتمل هذا  ولو بسبب ورودها فلا يمكن الحكم بحجيتها لا من باب أنها تردع عن نفسها بنفسها كلا بل نسلم أنها لا تردع عن نفسها لما أشرنا إليه من أن القضية لا تردع عن نفسها وإنما بسبب ورودها ووصولها الينا يتولد احتمال أن شرط حجية الخبر هو الجزم إما بنحو التواتر وإما بنحو الموافقة للكتاب أو بنحوٍ ثالث فالذي لا يكون من هذا القبيل هو ليس حجة،  ومعه لا يصح التمسك بها من باب عدم الجزم بحجيتها وليس من باب أنها ردعت عن نفسها بنفسها
وبهذا ننهي كلامنا عن هذه الطائفة واتضحت النتيجة كما يلي:- إن هذه الطائفة توجد فيها عدة روايات - إما واحدة أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر  لكنها ليست متواترة - وهي تدل على أن من لم يكن عليه شاهد من كتاب الله او قول الرسول فهو ليس بحجة بقطع النظر عن وجود معارض للخبر أو لا وهذه الطائفة لا يمكن الاخذ بها للتعاليق الثلاثة التي أشرنا إليها.
الطائفة الثانية من اخبار العرض:- ما دل على أن المخالف للكتاب أو غير الموافق له ليس بحجة فالمدار ليس على عنوان شاهد من كتاب الله عز وجل بل على عنوان المخالفة أو عدم الموافقة.
ومن هذا القبيل صحيحة ايوب بن الحر:- ( سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول:- كل شيء مردود الى الكتاب والسنة . وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )[1]، وصحيحة هشام بن الحكم وغيره عن ابي عبد الله عليه السلام:- ( خطب النبي صلى الله عليه وآله بمنى فقال:- أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم اقله )[2]، ورواية ايوب بن راشد عن ابي عبد الله عليه السلام:- ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف )[3]، ولعله توجد روايات اخرى بالمضمون المذكور، إن هذه الطائفة ليست ناظرة الى الخبرين المتعارضين بل هي تقول كل خبر إذا لم يوافق كتاب الله فلم نقله أو هو زخرف فعلى هذا الاساس يكون من أحد شرائط حجية الخبر في حد نفسه بقطع النظر عن المعارض أن يكون موافقاً للكتاب أو أن لا يكون مخالفاً للكتاب.
أما ما هو المقصود من المخالفة هل هي بنحوالتباين فقط أو ما يشمل العموم من وجه وهل المدار على عنوان الموافقة أو عدم المخالفة ؟ إن هذه ابحاث تأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى والمهم هو أن هذه الروايات تدل على المضمون المذكور أي ان شرط حجية الخبر في حد نفسه هو الموافقة للكتاب أو عدم المخالفة له ؟
وقد يشكل على هذه الطائفة بأنها لا تنفي الحجية يعني لا تقول هو ليس بحجة - أعني المخالف أو غير الموافق - بل قالت ( لم نقله ) فالحكم هو أن المخالف لم نقله لا أنه ليس بحجة، فإذا قبلنا بهذا فنضم اليه شيئاً آخر وهو أن هناك أخبارا قد صدرت جزما من الائمة عليهم السلام وهي ليست موافقة  أو مخالفة للكتاب    بسبب شهادة الراوي الثقة بذلك فإنه يوجد لنا اسانيد صحيحة في روايات مضمونها مخالف للكتاب أو ليس موافقاً له فالراوي كمحمد بن مسلم أو زرارة - مع فرض أن السند صحيح - يشهد بأن هذا قد سمعته من الامام وصدر منه فإذا ضممنا هذا المطلب الى مضمون الطائفة المذكورة تصير النتيجة هي أن كل خبرٍ لا يوافق الكتاب لم نقله نحن ولم يصدر منا إلا هذه الموارد التي جاءت من الثقاة حيث ثبت بشهادتهم أن هذا قد صدر من الامام فيصير المورد من موارد التخصيص وتصير النتيجة هي أن غير الموافق للكتاب إذا لم يرد من طريق الثقة فهو لم نقله وأما إذا ورد من طريق الثقة فهو مستثنى من الحكم المذكور يعني قد قلناه فالذي لم نقله هو ما ورد عن طريق غير الثقة أما ما ورد من طريق الثقاة فهو قد قلناه، وهذه النتيجة لا تضرنا فهي نتيجة مقبولة وبالتالي تكون الروايات التي هي ليست موافقة للكتاب إذا وصلت من طريق الثقاة فيحكم بأنه قد قالها الامام وتكون مستثناة بسبب شهادة الراوي ودليل حجية خبر الثقة فبسبب شهادة الراوي الثقة ودليل حجية خبر الثقة يحصل تخصيص لهذه القاعدة الكلية التي قالها الامام عليه السلام، هكذا يشكل  وبالتالي فهذه الطائفة لا تخالفنا.


[1]  وسائل الشيعة، العاملي، ج27، ص111، ابواب صفات القاضين ب9، ح14، آل البيت.
[2]  ح15
[3]  ح12.