الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/08/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- أحكام التعارض المستقر.
هذا مضافاً إلى أنّ ما ذكره(قده) يتمّ لو كان الشخص قد أخبر عن السبب وأنه وقعت قطرة من البول التي هي سبب للنجاسة فهنا يأتي كلامه فيقال إنه حينما يخبر عن السبب فهو لا يخبر عن ذات النجاسة بل يخبر عن حصّة خاصّة من النجاسة - أعني النجاسة المسبّبة عن قطرة البول - فهنا يتمّ كلامه يعني إذا كان المورد من موارد السبب والمسبب، ولكن ليس الأمر كذلك دائماً فإنه في مقامنا الذي فرض فيه وجود تعارضٍ بلحاظ المدلول المطابقي لا يوجد سببٌ ومسبّبٌ فالخبر الأوّل قال ( صلاة الجمعة واجبة ) والإخبار عن وجوب الجمعة ليس إخباراً عن السبب فإن انتفاء الاستحباب ليس مسبّباً عن ثبوت الوجوب بحيث يصير ثبوت الوجوب سبباً لانتفاء الاستحباب، وعليه فمَن أخبر عن الوجوب هو لم يخبر عن الحصّة - يعني لم يخبر عن حصّة خاصّة من انتفاء الاستحباب أعني انتفاء الاستحباب المسبّب عن ثبوت الوجوب - بل يخبر عن ذات انتفاء الاستحباب لا عن الحصّة فإن الحصّة تتمّ في السبب والمسبّب ولا تتمّ في باب المتلازمين فإن لازم ثبوت الوجوب الذي هو أحد الضدّين هو انتفاء الضدّ الثاني، وعلى هذا الأساس لا توجد سببيّة ومسبّبيّة فلا يتمّ كلامه في محلّ كلامنا الذي فرض فيه وجود معارضةٍ بين الدليلين.
الإشكال الثاني:- ما ذكره السيد الشهيد(قده)[1] وحاصله:- إنّ نكتة حجيّة خبر الثقة هي استبعاد خطأه واشتباهه في حسّه، فلو جاء الثقة وقال ( رأيت زيداً قد دخل النار ) فهنا لماذا يكون خبر الثقة حجّة ونأخذ به ؟ ذلك لاستبعاد أنّه يشتبه في نظره فأخبر بأنّ زيداً دخل النّار، وهكذا حينما يخبر بنزول المطر فمن البعيد أنه مشتبهٌ في حسّه، فنكتة حجيّة خبر الثقة هي استبعاد اشتباه الانسان في حسّه كالنظر مثلاً - في الأمور المنظورة والسماع في الأمور المسموعة .... وهكذا - فإذا كانت هذه هي النكتة فحينئذٍ نقول لو اتضح بعد ذلك اشتباهه وأنّ زيداً لم يدخل النار فحينئذٍ نقول لو أردنا أن نحكم بعدم موت زيد ونقول إذا لم يدخل زيد النار فإذن هو حيّ الآن وليس بميّت إنه لا يلزم الحكم من عدم الحكم بموته تحقّق اشتباهٍ ثانٍ في حقّ المخبر، فإذا أردنا أن نقول هو لم يمت فلا يلزم من ذلك أنّ المخبر قد اشتبه مرّتين مرّة بلحاظ إخبارِه عن دخول زيد النار ومرّة بلحاظ الإخبار عن موته - لأنّ المدلول الالتزامي لدخول النار هو الموت - فلا يلزم من ذلك تحقق اشتباهٍ ثانٍ بل يبقى الاشتباه واحداً . وهذا بخلاف ما إذا فرضنا أن الإخبار الثاني كان ليس مدلولاً التزاميّاً للإخبار الأوّل وإنما كان شيئاً مستقلاً فإنه يلزم من عدم ثبوت مضمون الخبر الثاني تحقّق اشتباهٍ ثانٍ، فلو فرضنا أنّ المخبر قال ( دخل زيد النار ) ثم بعد فترة قال ( نزل المطر ) فلو فرض أنّ المطر لم ينزل فسوف يلزم أن يكون المخبر قد اشتبه مرّة ثانية، فالمرّة الأولى حينما أخبر بأن زيداً دخل النار واتضح أنّه لم يدخل وفي المرّة الثانية إذا حكمنا بأن المطر لم ينزل فهذا اشتباهٌ ثانٍ.
فإذن في مقامنا مادام المدلول مدلولاً التزامياً فالحكم بعدم تحقّق المدلول الالتزامي لا يلزم منه تحقّق اشتباهٍ ثانٍ، فإذا لم يلزم منه تحقّق اشتباهٍ ثانٍ فلا يكون الإخبار عن المدلول الالتزامي حجّة عند اتضاح الاشتباه في الإخبار عن المدلول المطابقي.
وإن شئت قلت:- تارةً نفترض أنّ الدلالتين مستقلّتان والإخبارين مستقلان وأخرى نفترض أنّ الثاني مدلولٌ التزاميٌّ للأوّل، فإذا فرض أنهما كانا مستقلّين فعند سقوط الأوّل عن الحجيّة بسبب اتضاح اشتباهه يلزم أن يبقى الثاني على الحجيّة وإلا يلزم تحقّق اشتباه ثانٍ، بينما إذا كان الثاني مدلولاً التزاميّاً للأوّل فلا يلزم من سقوط الأوّل عن الحجيّة لاتضاح اشتباهه تحقّق اشتباهٍ ثانٍ بلحاظ الخبر الثاني فيكون الخبر الثاني ساقطاً عن الحجيّة، إنه لا يلزم من ذلك تحقّق اشتباهٍ آخر.
هذا توضيح ما أفاده(قده).


[1]  الحلقة الثالثة، السيد الشهيد، القسم الاول، ص76 ط قديمة.
وهكذا في بحوث في علم الاصول، الشاهرودي، ج7، ص264.