الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه الثامن ( وجه تقديم الأمارات على الأصول ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
التعليق الثاني:- ذكرنا سابقاً أن الصناعة قد غلّبها(قده) على الوجدان، وينبغي أن يكون الوجدان منبّهاً على وجود خللٍ في الصناعة، فأين الخلل في الصناعة ؟
وإن شئت قلت:- نحن قد انتهينا إلى أن هذا ليس قسماً رابعاً وإنما هو عين القسم الثاني أو الثالث، ولكن لماذا لا يجري الاستصحاب ؟ فإذا كان من القسم الثاني فقد قلنا سابقاً بأن القسم الثاني يجري فيه الاستصحاب فلماذا هنا لا يجري، وما هي النكتة لعدم الجريان ؟
والجواب:- إن النكتة هي أنه يشترط في جريان الاستصحاب وجود الأثر، أما إذا فرض عدمه فلا يجري كما هو واضح، وفي المقام نقول:- إن أثر الجنابة كعدم جواز الصلاة أو عدم جواز مسّ كتابة المصحف أو غير ذلك هي لم تترتّب على كون الجنابة من هذا المنيّ بخصوصه وإنما ترتبت على أصل الجنابة، فالمجنب لا يجوز له أن يمسّ المصحف، والمجنب لا يجوز له دخول المسجد، والمجنب لا يجوز له قراءة العزائم، لا المجنب بهذه القطعة من المنيّ أو تلك القطعة بخصوصها فهذا لا خصوصيّة له وليس محطّاً للأثر . إذن إذا أخذنا قطعة المنيّ هذه قيداً في المستصحب فهذا الاستصحاب لا يجري في حدّ نفسه حتى لو كان من القسم الثاني لأنه لا أثر له إذ الأثر للجنابة وليس للجنابة من هذه القطعة، وإذا فرض أن هذا القيد أخذناه بنحو المرآتية والمشيريّة إلى واقع الجنابة فليس المستصحب هو الجنابة من هذه القطعة وإنما هو أصل الجنابة، فحينئذٍ نسلّم أن الاستصحاب يكون جارياً لأنه محطّ للأثر آنذاك  ولكن بالتالي يعود من القسم الثالث فإن الجنابة بفردها الأوّل قد تحقّقت وزالت جزماً وبفردها الثاني نشكّ في أصل حدوثها . فإذن هذا القيد إما أن يفترض وجوده بنحو القيديّة والموضوعيّة، أو أن نفترض أنه ثابتٌ بنحو المشيريّة، فإن كان ملحوظاً بنحو القيديّة فهو ليس محطّاً للأثر ولا يجري الاستصحاب حتى لو كان من القسم الثاني، وإذا فرض أنه لوحظ بنحو الطريقيّة والمشيريّة فيجري الاستصحاب فيه ولكنّه لا يكون قسماً رابعاً بل يعود إلى القسم الثالث، ولا يجري فيه الاستصحاب من باب أن الجنابة بوجودها الكلّي بفردها الأوّل قد ارتفعت جزماً وبفردها الثاني يشك في أصل حدوثها.
 النتيجة:- هي أن ما ذكره(قده) قابلٌ للتأمّل لما أشرنا إليه.
التنبيه الثامن:- وجه تقدُّم الأمارات على الاستصحاب.
لا إشكال بين الأصوليين في أن الأمارات التي مصداقها الواضح هو الآيات والروايات الكريمة مقدّمة في موردها على الاستصحاب، فلو كان المورد يشتمل على استصحابٍ ويشتمل على أمارةٍ فالأمارة هي المقدّمة، وهذا لا إشكال فيه بينهم، وإنما الكلام في التخريج الفنّي لذلك، يعني لماذا صارت الأمارة مقدّمة على الاستصحاب ؟
والجواب:- كأن وجه التقديم ليس واضحاً في أذهان الأصوليين بل ينتابه شيء من الخفاء، فهذا شيخ الفنّ - أي الشيخ الأعظم(قده) - في الرسائل في بداية بحث البراءة[1] قال في البداية إن وجه تقدّم الأمارات على الاستصحاب وبقية الأصول هو أن دليل الأمارة يرفع موضوع الأصل.
وظاهره أنه يقصد الورود.
ولكن بعد ذلك بأسطر قال:- إنه يمكن إن نقول إن وجه التقدّم هو التخصيص، فدليل الأمارة يخصّص دليل الأصل، فمن باب التخصيص تُقدَّم الأمارة على الأصل.
ثم بعد ذلك بأسطر قال:- إن المناسب أن نقول إن وجه التقدّم هو الحكومة، فدليل الأمارة حاكمٌ على دليل الأصل، واستقر رأيه(قده) على ذلك.
فلا حظ أنه في موردٍ واحد وفي مكانٍ واحد يُبرِزُ ثلاثة احتمالات وهذا يكشف عن أن نكتة تقدّم الأمارات على الأصول ليست واضحة كلَّ الوضوح.
وتعال إلى الشيخ الخراساني في كفاية[2] في أواخر مبحث الاستصحاب حيث يقول:- إنّ وجه تقدّم الأمارة على الأصل هو الورود.
ولكن بعد ذلك بصفحات - أعني في أوائل مبحث التعارض[3] - يقول:- إن وجه تقدّم الأمارة على الأصل هو التوفيق العرفي.
وظاهره أنه يقصد منه شيئاً آخر غير الورود.
وعلى أيّ حال إن هذا يكشف لنا عن أن نكتة التقدّم ليست واضحة كلّ الوضوح.


[1]  تراث الشيخ الانصاري،  الرسائل، تسلسل، 25، ص11، وفي ط قديمة، ص191.
[2]  كفاية الأصول، الخراساني، ص429، ط مؤسسة آل البيت.
[3]  كفاية الاصول، الخراساني، ص438، ط مؤسسة آل البيت.