الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه السادس ( الاستصحاب في مؤديات الأمارات والأصول ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
هذا لو فرض أننا شككنا في أصل الغسل - أي غسل الثوب أو لم يغسل -.
وأما إذا جزمنا بأنه غسل مرّة واحدة ولكن لا ندري أن الغسل مرّة واحدة بالكثير يكفي لزوال النجاسة أو لا ؟
وفرق هذا عمّا سبق أنه فيما سبق كانت الشبهة موضوعيّة يعني نشك هل غُسل أو لم يُغسل، بينما على هذا المثال تصير الشبهة حكميّة فنحن نجزم بأنه غُسِل مرّةً واحدةً ولكن الغسل مرَّة واحدةً هل هو من المطهّرات أو لا ؟ إنه في مثل هذه الحالة لا يمكن استصحاب عدم غسله إذ المفروض أن الغسل مرّةً واحدةً نجزم بتحقّقه والغسل مرّتين نجزم بعدم تحقّقه فلا معنى للاستصحاب لعدم وجود الشك فلابد وأن نجري الاستصحاب بشكلٍ آخر وذلك بأن نستصحب التعبّد الشرعي بالنجاسة فنقول إن الشارع قد عبّدنا سابقاً - عند إخبار الثقة - بثبوت وحدوث النجاسة ولا ندري أن هذا التعبّد مستمرٌ إلى ما بعد الغسل مرّةً واحدةً أو ينقطع عند غسله بالمرّة الواحدة ؟ إنه شكٌّ في بقاء وامتداد التعبّد الشرعي فيجري استصحاب بقائه - أي بقاء التعبد الشرعي بالنجاسة - والمفروض أن التعبّد متيقّن وليس بالأمارة، فصحيح أن الأمارة قامت على النجاسة ولكن التعبّد بالنجاسة شيءٌ قطعيٌّ أما نفس النجاسة فهي ليست مقطوعة فالذي ليس بمقطوعٍ هو نفس النجاسة فأنا لا أتمكن - أي عند إخبار الثقة - أن وأقول إني أجزم بأن هذا نجسٌ لكني أتمكن أقول أنا أجزم بأن هذا قد عبّدني الشرع بنجاسته، فالتعبد بسبب الأمارة موجودٌ جزماً وأشك هل أن التعبّد مستمرّ أو ليس بمستمرٍ - يعني بعد الغسل مرّةً واحدةً - فنستصحب بقاء التعبّد بالنجاسة وبذلك تثبت النجاسة الآن.
والخلاصة:- إنه يوجد جوابٌ يمكن أن نتمسك به في جميع موارد الأمارة وجوابٌ آخر نستفيد منه في بعض مواردها أما، والجواب العام النافع في جميع مواردها هو ما أشرنا إليه أوّلاً يعني أن نفسّر اليقين بالحجّة لأجل البيانين السابقين، وأما الجواب الذي ننتفع به في بعض موارد الأمارة فهو ما أشرنا إليه في الموردين المذكورين بالبيان المتقدّم . هذا كلّه فيما إذا قامت الأمارة على ثبوت شيء كالنجاسة مثلاً.
وبقي علينا أن نتحدّث عن حالة قيام الأصل فهناك هل يمكن جريان استصحاب الحالة السابقة كما تمكّنا من ذلك في موارد الأمارة أو لا ؟
الاستصحاب في موارد الأصول:-
وفي هذا المجال نقول:- إن الأصل على نحوين، فتارةً يفترض أنه يجري بلحاظ الحالة السابقة وبنفسه أيضاً يمكن الاستعانة به بلحاظ الحالة اللاحقة فهو واحدٌ نافعٌ في المرحلة الأولى والمرحلة الثانية - أي مرحلة الشك -، وتارةً يفترض أنه صالحٌ للحدوث فقط وأما البقاء فلا.
ونتكلم أوّلاً عن الحالة الأولى:- ومثالها ما لو فرض أنه كان لدينا شيءٌ نشك هل هو طاهر أو هو نجس فبأصل الطهارة نثبت أنه طاهرٌ الآن ولكن بعد يومٍ أو يومين شككنا هل زالت الطهارة السابقة أو لا ؟ ففي مثل هذه الحالة يمكن أن نتمسّك بنفس ذلك الأصل السابق الذي أثبتنا به الطهارة بالأمس لإثبات الطهارة الآن فهو أصل مباركٌ نستفيد منه في الحالة السابقة والآن.
ومثالٌ آخر لذلك الاستصحاب، فلو فرضنا أن الثوب كان طاهراً سابقاً جزماً وشككنا هل تنجّس أو لا فبالاستصحاب نثبت طهارته فصلينا فيه وبعد يومٍ أو يومين شككنا هل تنجّس أو لا - أي تنجساً ثانياً جديداً لأن ذاك التنجّس الأوّل نفيناه بالاستصحاب - ففي مثل ذلك يكون نفس ذلك الاستصحاب الذي أجريناه سابقاً يمكن جريانه، وهذا شيء واضح.
والسؤال:- إنه بعد أن ثبت الحكم سابقاً بأصل الطهارة أو بالاستصحاب فتلك الطهارة السابقة التي ثبتت أمس ببركة أصل الطهارة أو بالاستصحاب إذا شككنا في بقائها اليوم هل يمكن أن نستصحبها أو لا ؟ إن هذا استصحابٌ في مورد الأصل فإن الطهارة السابقة قد ثبتت ببركة أصل الطهارة أو استصحاب الطهارة، إنه في هذا اليوم هل يمكن أن نثبت بقاء الطهارة السابقة ونسحبها ببركة الاستصحاب ؟
والحواب:- إن استصحابها شيءٌ لغوٌ إذ المفروض أن نفس ذلك الأصل الأمسي هو بنفسه يثبت الطهارة الآن، فأنت تمسّكت بأصل الطهارة سابقاً واليوم هو بنفسه يجري بلا حاجةٍ إلى الاستصحاب . إذن إجراء الاستصحاب لغوٌ بعدما كان نفس الأصل السابق الذي أثبت الطهارة سابقاً يتكفّل البقاء فلا دور للاستصحاب . إذن يكون إجراء الاستصحاب في هذا المورد لغواً .
إن قال قائل:- هذا صحيحٌ ولكن اللغو ليس بحرامٍ وإنما هو قبيحٌ من العاقل فأنا أسلّم أنه لا حاجة إلى إجراء الاستصحاب بعدما كان الأصل السابق موجودٌ لكن غاية ما هناك هو أنه لغوٌ وأنا أريد أن أفعل اللغو فهل هذا ممكنٌ أو لا ؟ فاللغوية هنا هل تسلب الامكان أو لا تسلبه ؟
والجواب:- إنه لا يمكن ذلك، والوجه في ذلك هو أن الطهارة السابقة لو أثبتها بأصل الطهارة مثلاً وأردت في هذا اليوم حينما شككت في تنجّسه الجديد أن تستصحب تلك الطهارة نسأل هل تستصحب الطهارة الواقعيّة أو الطهارة الظاهرية ؟ فإن كنت تريد الأوّل فالمفروض أن الطهارة الواقعيّة لا يوجد يقينٌ بها بل ولا حجّة عليها ونحن سابقاً اكتفينا بمطلق الحجّة وفسّرنا اليقين بالحجّة ولكن الآن نقول إن الحجّة لست موجودة فإن أصل الطهارة هو حجّة على الطهارة الظاهريّة وليس حجّة على الطهارة الواقعيّة فكيف تستصحب الطهارة الواقعيّة بعدما كانت غير متيقّنة باليقين الوجداني وبعدما فرض أنه لا توجد حجّة عليها فإن أصل الطهارة حجّة على الطهارة الظاهريّة دون الطهارة الواقعيّة، فإذن من هذه الناحية لا يمكن استصحاب الطهارة الواقعيّة . وأما إذا كان المقصود استصحاب الطهارة الظاهريّة فنحن نقول لا مانع من ذلك لو كان عندك شكٌّ في بقائها الآن وثبوتها الآن ولكن نقول لا يوجد شكٌّ حتى يجري الاستصحاب فإن جريان الاستصحاب فرع الشك والشك لا يوجد عندك، ولماذا ؟ لأن أصل الطهارة موجودٌ دائماً ويثبت الطهارة الظاهريّة فشكٌ فيها ليس موجوداً حتى يجري استصحابها، وهذا شيءٌ ظريف فالتفت إليه.
إن قلت:- إنه يمكن أن نتصور ذلك بناءً على بعض المباني فنقول إنه بناءً إن أصل الطهارة من الأصول المحرزة - يعني بتعبير آخر يحرز لنا طهارة واقعيّة غاية الأمر أنه هل هو مصيبٌ أو غير مصيب فهذه قضيّة ثانية - أو التنزيلية  - أي تنزّل الطهارة الظاهريّة منزلة الطهارة الواقعية - إنه بناء على هذا المبنى قد يقول قائل إنّا نستصحب تلك الطهارة التي ثبتت بالإحراز أو بالتنزيل، وعلى هذا الأساس لا إشكال من هذه الناحية.
والجواب هو الجواب:- يعني نقول إن تلك الطهارة التنزيليّة أو المحرِزة هي مجعولةٌ حالة الشكّ والمفروض أنه الآن عندنا شكّ أيضاً كما كان هذا الشك موجوداً بالأمس فيوجد هذا الشك في هذا اليوم فنفس أصل الطهارة - الذي هو أصلٌ تنزيليٌّ أو محرِزٌ - الذي أحرز لنا الطهارة بالأمس يحرزها لنا في هذا اليوم أيضاً فأين الشك حتى يجري الاستصحاب ؟!
إذن لا يوجد شكٌّ حتى يجري الاستصحاب . هذا كلّه بالنسبة إلى الحالة الأولى.