الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه الخامس ( الاستصحاب في الموضوعات المركبة ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
الاشكال الثاني:- وهذا الاشكال لا يقول بأن استصاب في مورد توارد الحالتين لا يجري مطلقاً بل يقول هو لا يجري في مساحةٍ ضيقةٍ، يعني إذا كان تاريخهما مجهولاً معاً فهو قابلٌ للجريان فيهما وأما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ فلا يجري في المجهول ويجري في المعلوم . إذن هو يخصّص الاشكال في خصوص مجهول التاريخ مع فرض أن الآخر معلوم التاريخ فإنه في المجهول لا يجري، هنا محلّ إشكاله لا أنه يقول بعدم الجريان في جميع الحالات بل هو لا يجري في هذه الحالة فقط، ولماذا لا يجري في مجهول التاريخ ؟
يمكن توجيه ذلك:- بأن المورد يحتمل أن يكون من باب نقض اليقين باليقين وبالتالي يصير من التمسك بالعام - أي بعموم لا تنقض اليقين بالشك - في الشبهة المصداقيّة وهو لا يجوز.
أما كيف يلزم ذلك ؟
إنه يتضح من خلال المثال المذكور، فلو فرض أن المكلف كان يعرف تاريخ الوضوء وأنه وقع عند الظهر فتاريخ الوضوء معلومٌ بينما تاريخ الحدث مجهولٌ فيحتمل أنه أحدث قبل الظهر فهو الآن متطهّر ويحتمل أنه قد أحدث بعد الظهر فهو الآن محدِثٌ، وهنا لا يجري استصحاب بقاء الحدث لاحتمال أن الحدث قد تحقّق منه قبل الظهر ومع تحققه كذلك فهو يجزم بارتفاعه حيث توضأ عند الظهر فيصير المورد من نقض اليقين باليقين، بخلاف ما إذا كان قد أحدث بعد الزوال فإنه يمكن أن يحكم باستمرار حدثه إذ لا يعلم بانتقاضه . إذن على أحد التقديرين يكون المورد من نقض اليقين باليقين وعلى التقدير الثاني لا يكون كذلك . إذن استصحاب الحدث الذي هو مجهول التاريخ لا يجري لأجل احتمال كون المورد من نقض اليفين باليقين . هذا بالنسبة الى مجهول التاريخ.
ولا يأتي هذا الاشكال في معلوم التاريخ - أي بالنسبة الى الوضوء - فإن تاريخه معلوم - وهو عند الزوال - فإنه يحتمل بقاءه الى الآن - أي الى ما بعد الزوال بساعة أو بساعتين أو أكثر - ولا يوجد زمانٌ بعد الزوال يعلم فيه بالحدث حتى يكون نقض ذلك الوضوء السابق من باب نقض اليقين باليقين، كلّا بل المورد متمحّضٌ في كونه من نقض اليقين بالشك فيجري الاستصحاب بلا مانع . وهكذا الحال إذا كانا جهولي التاريخ معاً فإن الاستصحاب في كلٍّ منهما يكون صالحاً للجريان لولا المعارضة إذ لا يوجد زمانٌ يُعلم فيه تفصيلاً بالحدث - حسب ما هو المفروض - حتى لا يجري استصحاب الطهارة، كما أنه لا يوجد زمانٌ يُعلم فيه تفصيلاً بالطهارة حتى لا يجري استصحاب الحدث، فالمورد لا يمكن أن يكون من باب نقض اليقين باليقين بل هو من باب نقض اليقين بالشك.
إن قلت:- كيف اخترتم في باب الموضوعات المركبة مثل عدم الكريّة والملاقاة عدم جريان الاستصحاب - أي استصحاب عدم الكريّة الى زمن الملاقاة وهكذا استصحاب عدم الملاقاة الى زمن انتهاء القلّة وحدوث الكريّة - فكيف قلتم هناك بأن الاستصحاب لا يجري من هذا الطرف ولا من ذاك لاحتمال كون المورد من باب نقض اليقين باليقين والحال حينما وصلتم إلى توارد الحالتين قلتم هو يجري في مجهولي التاريخ ولا قصور في جريان الاستصحاب لولا المعارضة ؟ فما الفارق بين مجهولي التاريخ هناك ومجهولي التاريخ هنا ؟
قلت:- إن الفارق هو أنه في الموضوعات المركبّة افترضنا أنه في الساعة الثالثة يُعلم بتحقق الكرّية والملاقاة جزماً إذ فرضنا هنا وجود ثلاث ساعات الساعة الأولى وهي الظهر حيث كان يعلم بعدم الكريّة وعدم الملاقاة، وافترضنا الساعة الثانية والثالثة أنه كان يُعلم بأن الكريّة حدثت في إحدى الساعتين والملاقاة حدثت في إحدى الساعتين أيضاً ولكن لا يُعرف التاريخ بالدّقة، ولازم ذلك أنه في الساعة الثالثة يتيقّن المكلف بحدوث الكريّة فيها على كلا التقديرين، ومعه يكون استصحاب عدم الكريّة الى زمن الملاقاة الذي يحتمل أنه هو نفس لساعة الثالثة من باب نقض اليقين باليقين التفصيلي إذ في الساعة الثالثة يتيقن المكلف تفصيلاً بحدوث الكريّة . فالمورد إذن في باب الموضوعات المركّبة بالنسبة إلى مجهولي التاريخ هو لأجل هذه النكتة يحتمل أنه من باب نقض اليقين باليقين، وهذا بخلافه في مقامنا - أي في توارد الحالتين - فإنه لا يوجد زمانٌ من هذا القبيل - أي يعلم فيه تفصيلاً بالحدث أو الوضوء -.
وعلى أي حال قد يشكل بهذا الاشكال بالنسبة إلى مجهولي التاريخ فما هو جوابه ؟