الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/01/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وإن شئت قلت:- إن المولّد للاحتمالين - يعني احتمال أن جسم الحيوان يتنجس ويطهر بزوال عين النجاسة واحتمال أنه لا يتنجّس – هو أن السيرة جرت على أنه بعد زوال عين النجاسة من جسم الحيوان لا يغسلون ذلك الموضع من الدابّة ، وحينئذ نقول إن القدر المتيقن من هذه السيرة هو أن الحيوان لو كان باقياً على قيد الحياة وزالت النجاسة قبل أن تفارقه الحياة فهذا مسلّم وصحيح أما إذا فرض أن النجاسة كانت باقية ومستمرة إل أن ذُبح وبعد ذلك أزيلت أو زالت عنه النجاسة فهنا هل السيرة انعقدت على أن ذلك الموضع لا يغسل أيضاً ؟ فإذا فرض أنه لا يغسل فيتولّد الاحتمالان السابقان وتأتي الثمرة أما إذا فرض أنهم كانوا يغسلونه مادام الزوال قد صار بعد فراق حياته ففي مثل هذه الحالة ذانك الاحتمالان لا يأتيان بل نتمسك حينئذٍ بعموم دليل الانفعال آنذاك والمفروض أننّا بعد ذبح الحيوان لا نحرز أن الناس جرت سيرتهم على أنه بعد زوال النجاسة لا يغسلون الموضع إن هذا شيءٌ مشكوك ، نعم ذلك مسّلم في حال حياته أما إذا زالت بعد موته فهذا شيءٌ مشكوك ، ولا نريد أن ندّعي بهذا أن البدن سابقاً مثلاً لم يكن متنجّساً والآن سوف يتنجس - يعني عند موته - فإن النجاسة من الأوّل هي موجودة على الجسم ولكن الكاشف عن عدم تنجّس البدن هو أن الناس لا يغسلون الموضع ولكن متى لا يغسلونه ؟ إنهم لا يغسلونه إذا زالت النجاسة وهو حيّ أما إذا زالت وهو قد فارق الحياة فهل تجزم بأنهم لا يغسلونه ؟ إنّا لا نجزم بأنهم لا يغسلونه فنشكّ حينئذٍ أنهم يغسلون أو لا يغسلون فلا يأتي الاحتمالان رأساً لأن المولّد لهما كما قلت هو أنهم لا يغسلون الموضع بعد زوال عين النجاسة أما إذا لم يثبت أنهم لا يغسلون وصار شيئاً مشكوكاً لا يأتيان أصلاً فنتمسك بذلك العموم . هذا حصيلة تعليقنا على ما أفاده(قده).
وربما يخطر الى الذهن مناقشة أخرى:- وهي أنه(قده) ذكر أنه لو بُني على تنجّس بدن الحيوان ثم زالت أجزاء هذه النجاسة اليابسة بعد ذبحه قال(قده) إنه لا مقتضي للحكم بطهارة هذا الموضع آنذاك لأنه أوّلاً كان متنجساً والآن نشكّ هل طهر أم لم يطهر والمفروض أنه وإن زالت عين النجاسة لكن الآن هو ليس بحيوانٍ فنحكم بأن النجاسة باقية ، والذي يخطر إلى الذهن:- هو أنّا قلنا إن النجاسة بالتالي سوف نشكّ في بقائها - أي عند زوال الذرّات اليابسة نشك أنها زالت أو لم تزل - فسابقاً كان الجسم متنجّساً والآن نشك هل أن ذلك الجسم باقٍ على التنجّس أو أنه يطهر بزوال الذرات فنحتاج آنذاك إلى فكرة الاستصحاب - يعني استصحاب بقاء التنجّس - وهذا الاستصحاب هو استصحابٌ في شبهةٍ حكميّةٍ والمفروض أنه(قده) لا يبني على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة الكليّة للمعارضة بين استصحاب بقاء المجعول وأصالة عدم الجعل الزائد . أما أن الشبهة هنا حكميّة كليّة فواضحٌ لأننا لا نشكّ في بقاء النجاسة بلحاظ هذا الحيوان بخصوصه فإن هذا ليس له خصوصيّة وإنما نشكّ في كليّ الحيوان لو زالت عنه النجاسة بعد ذبحه وهذا مصداقٌ لذلك الكليّ وإلّا فلا خصوصية له فالشك إذن هو شكّ في ذلك الحكم الكليّ في الشبهة الكليّة فلا يجري الاستصحاب آنذاك ، هذا ما قد يخطر إلى الذهن ويسجّل كإشكالٍ عليه(قده).
ولكن يمكن الجواب عنه:- بأن بإمكانه(قده) أن يقول:- إني لا أحتاج إلى الاستصحاب بل يكفيني في مثل ذلك التمسك بعموم دليل الانفعال - يعني ذلك الدليل الذي دلّ على أن كل شيءٍ لاقته نجاسة هو يتنجّس إلى أن يُغسل – فيوجد هناك عمومٌ أو اطلاق من هذا القبيل وهذا يشمل بإطلاقه جميع الآنات ومنها آن ما بعد زوال النجاسة - أي بعد ذبحه - فنثبت آنذاك النجاسة ما بعد زوالها -بعد الذبح - بالعموم لا بالاستصحاب حتى يقال إن هذا الاستصحاب في شبهة حكميّة فلا يجري عندك . إذن هذه المناقشة لا تتوجه عليه(قده) لأجل النكتة التي أشرت إليها . بهذا ينتهي حديثنا عن هذه الثمرة الرابعة.