الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
الثمرة الثانية:- ما أشار إليه السيد اليزدي(قده) في العروة الوثقى في مسألة بواطن الانسان بمعنى أن الباطن لو أصابته نجاسة كداخل الفم – كما لو خرج دم من بين الاسنان - فحينئذٍ وقع الكلام في أن هذا الدم ينجّس الريق الموجود في الفم أو لا ينجسه ؟ فهناك احتمال أنه ينجسه ويطهر الريق بزوال عين النجاسة وهناك احتمال آخر وهو أن الريق لا يتنجس بل الدم نجس أما الريق فهو طاهر ، هذان احتمالان.
وواضح أنه يوجد احتمال آخر لا يهمنا الآن وهو(قده) لم يذكره وهو أن نقول إن الدم الموجود في الباطن وداخل الفم ليس بنجسٍ باعتبار أن الأدلة التي دلت على نجاسته وأنه لا يشرب الماء الذي أصابه دم أو لا يتوضأ به أو عليه غسله أو غير ذلك كلها ناظرة الى الدم في الخارج أما الدم الذي في الباطن فليس مشمولاً لها وإلغاء الخصوصية ليس بواضح ، نعم احتمال عدم الخصوصية موجود ولكن لا يوجد جزم بها فمقصوديهو أنه يوجد احتمال وهو أن نقول إن الدم الموجود في الباطن هو ليس بنجس ولكن الآن ليس لي شغل بهذا الاحتمال ولا السيد اليزدي(قده) بصدده ولكن لدفع اشكالٍ وتوهم فقد يقول شخص إذا كان هذا ليس بنجس فإذن يجوز أن نبلعه فنقول له كلاّ فصيح أن هذا طاهر ولكن بلعه لا يجوز باعتبار أنه يوجد عندنا دليل على تحريم الدم فإن الدم حرام وهذا مطلق فاطلاق دليل حرمة أكل الدم يشمل مثل هذا نعم دليل النجاسة قاصر أما دليل الحرمة فليس فيه قصور  ، وهذه نكتة جانبية.
عود الى صلب الموضوع:- قلت إن هناك احتمالان احتمال على أن الدم نجس وينجّس الريق غايته يطهر الريق بزوال عين النجاسة ولا يحتاج الى غسل الفم بالماء نعم إذا أصاب الشفاه فنعم لأنها من الظاهر ، والاحتمال الثاني أنه لا ينجس الريق أصلاً فما هي الثمرة بين هذين الاحتمالين ؟
قال(قده) إن تظهر الثمرة فيما لو أدخل أصبعه الى فمه وأصاب الريق دون الدم فإنه بناء على نجاسة الريق يتنجس الاصبع آنذاك ، وهذا بخلافه بناءً على عدم تنجس الريق فإن الاصبع لا يتنجس ، هكذا ذكر(قده) في هذه المسألة - أي في مسألة الريق الذي أصابه دم في الباطن -.
ولكن ربما تقول إن هذا لا ينفعنا فهذا الكلام بالنسبة الى البواطن ونحن كلامنا بالنسبة الى جسم الحيوان فهذا لا ينفعنا ولا ربط له به فكيف نستفيد منه ؟ حينئذٍ نحن نأتي ونستفيد من كلام السيد اليزدي(قده) هذه الثمرة ونحاول أن نسحبها الى مقامنا – أي جسم الحيوان - وذلك بأن نقول لو فرض أن النجاسة أصابت جسم الحيوان وهذه النجاسة كانت باقية على جسمه ولكن حصلت فجوة في وسط النجاسة مثلاً فحصلت بقعة في بدن الحيوان قد زالت عنها النجاسة ولكن مع بقاء النجاسة في أطراف تلك البقعة - يعني بقة دائرية قطرها 2 سنتيمتر مثلاً - ولكن النجاسة بعضها موجود على أطراف هذه الدائرة ولكن بطن هذه الدائرة من جسم الحيوان التي هي في وسط النجاسة طهر وحينئذٍ نقول أنا إذا أدخلت أصبعي على هذه البقعة التي ليس فيها نجاسة مع فرض أن النجاسة موجودة بعدُ على جسم الحيوان ومحيطة بالبقعة فبناءً على أن بدن الحيوان لا يتنجس فالإصبع أيضاً لا تتنجس وأما بناءً على أنه يتنجس مادامت النجاسة موجودة فهنا حيث إن النجاسة موجودة بعدُ على البدن - لأنا فرضنا أن النجاسة بعدُ محيطة بالبقعة - فيصير بدن الحيوان في هذه البقعة فإذا أصاب اصبعي تلك البقعة فسوف يتنجس وبذلك ظهرت الثمرة ولكن سحبناها من الريق إلى هنا ونص عبارة السيد اليزدي(قده) في باب المطهرات في المطهر العاشر قال:- ( العاشر من المطهرات زوال عيبن النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الانسان بأي وجه كان ..... وكذا زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الانسان ..... ) ثم ذكر أنه يوجد احتمالان في تنجس البواطن وعدم تنجسها وكذلك احتمالان في تنجس جسم الحسوان وعدم تنجسه ثم جاء بالثمرة التي ذكرها بلحاظ البواطن وقال ( ومما يترتب على الوجهين أنه لو كان في فمه شيء من الدم فريقه نجس ما دام الدم موجوداً على الوجه الأول فإذا لاقى شيئاً نجسه  بخلافه على الوجه الثاني فإن الريق طاهر والنجس هو الدم فقط فإن أدخل أصبعه مثلاً في فمه ولم يلاقي الدم لم ينجس وإن لاقى الدم ينجس .. ) . إذن الثمرة التي ذكرها السيد اليزدي(قده) هنا ذكرها بلحاظ الريق ولم يذكرها بلحاظ بدن الحيوان ولكن نسحبها الى جسم الحيوان بالشكل الذي أوضحناه.
وهي ثمرة جيدة إن تم ما ذكر فيها - وهو أن البقعة التي هي في وسط النجاسة هي بعدُ نجسة مادامت النجاسة بعدُ باقية - فإنه إن تم هذا وقلنا إن البقعة نجسة باعتبار أن النجاسة بعدُ على بدن الحيوان فتتم آنذاك هذه الثمرة ، وتقريب أن النجاسة باقية بعدُ رغم زوالها عن البقعة أن يقال إن مستند الطهارة في بدن الحيوان بعد زوال عين النجاسة هو السيرة فإنها قاضية على أن بدن الحيوان لا يحتاج الى التطهير بالماء وغيره بل إن زوال عين النجاسة كافٍ ثم نضيف ونقول إن القدر المتيقن من السيرة هو مالو فرض أن النجاسة زالت عن البدن بالكامل فحينئذ السيرة منعقدة على التعامل معه معاملة الطاهر أما إذا لم تزل بالكامل وإنما زالت عن بقعةٍ مع بقائها في الأطراف فهنا السيرة لم تنعقد على حصول الطهارة فيحكم ببقاء النجاسة بلحاظ تلك البقعة فإن السيرة دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن والمتيقن من الحكم بالطهارة هو ما لو زالت النجاسة عن بدن الحيوان بالكامل لا ما إذا زالت عن قسم وبقيت في أطراف ذلك القسم فهنا لا نجزم بانعقاد السيرة على الحكم بالطهارة فالنجاسة تكون باقية إذ هي أوّلاً كانت موجودة والآن لا مثبت لزوالها ، إنه إذا تمّ هذا فستكون هذه الثمرة تامّة ، وأما إذا قلنا أن السيرة نجزم بأنها منعقدة على الحكم بالطهارة بلحاظ كل بقعة يحصل فيها زوال لعين النجاسة ولا يلزم زوالها عن البدن بالكامل فكل بقعة زالت عنها النجاسة تكون حينئذٍ طاهرة فإنه بناءً على هذا لا تكون هذه الثمرة  صحيحة باعتبار أن هذه البقعة التي في الوسط سوف تكون طاهرة بمقتضى السيرة فلا تظهر آنذاك هذه الثمرة . إذن هذه الثمرة مبنائية تبتني على هذا المبنى كما هو واضح.
الثمرة الثالثة:- ما أشار إليه السيد اليزدي(قده) ، وهو أيضاً ذكر ذلك في غير جسم الحيوان ولكن نحن نسحبه الى جسم الحيوان وحاصل الثمرة هو أنه لو كان هناك شيء نشك في أنه ظاهر أو باطن وأصابته نجاسة ثم زالت عنه فإذا كان ذلك الشيء باطناً فالمناسب هو الطهارة وإذا كان ظاهراً فالمناسب حينئذٍ بقاء النجاسة فإذا أردنا أن نجري الاستصحاب فبناءً على تنجّس الباطن يمكن أن نجري الاستصحاب ونقول هذا حتماً قد تنجّس سواءً كان ظاهراً أو باطناً - بناءً على أن الباطن يتنجس - والآن أي بعد زوال النجاسة نشك في حصول الطهارة لأنه إن كان باطناً يطهر وإن كان ظاهرا فلا يطهر ، إذن الاستصحاب يجري بناءً على أن الباطن يتنجس بينما لا يجري بناءً على أن الباطن لا يتنجس إذ أنه لا يقين لنا بالنجاسة سابقاً حتى نستصحبها لاحتمال أنه باطن والباطن لا يتنجس ، ومثال ذلك مطبق الشفتين فالان هذه الشفتين فعندما نغلقهما تصيران باطنا وأما إذا كانتا مفتوحتين فتصير ظاهراً فهذه هل تحسب من الظواهر أو من البواطن أي شككنا أنها ظاهر أو باطن وأصابتها نجاسة ثم بعد ذلك زالت هذه النجاسة فالاستصحاب يجري أو لا  ؟ إنه بناءً على تنجّس البواطن فنعم يجري الاستصحاب لأن الشفة تنجست حتماً ونشك الآن في زوال النجاسة ، بينما بناءً على عدم التنجّس فالاستصحاب لا يجري.
وهكذا مثاله الأذن فإن المقدار الداخل منها لا اشكال في أنه من البواطن أما المقدار الظاهر منها فهذا هل نحسه من البواطن أو من الظواهر فاذا شككنا في أنه بعد زوال الدم مثلاً يطهر أو لا فالكلام والثمرة يأتي هنا.
وهذا ذكره(قده) فيما شكّ في أنه من الظاهر أو الباطن ولكن نحن نريد الثمرة في بدن الحيوان فيمكن سحب هذه الثمرة الى بدن الحيوان وذلك بأن نقول هكذا:- لو فرض أن الجو كان مظلماً وكان هناك جسم مردّد بين أن يكون حيواناً أو يكون غير حيوان والنجاسة أّصابت هذا الجسم المردد جزماً ثم فرض أن هذه النجاسة زالت جزماً أو نشك في زوال النجاسة ففي مثل هذه الحالة يمكن أن نستصحب بقاء نجاسة هذا الجسم المردّد بين كونه حيواناً أو شجرة مثلاً فبناءً على أن جسم الحيوان يتنجس فالاستصحاب حينئذٍ  يجري فإنه حتماً تنجّس سواءً كان جسم حيوان أو لا فحينئذٍ نقول بعد أن شككنا في زوال النجاسة فسوف نشك في بقاء نجاسة هذا الجسم المردّد لأنه إذا كان حيواناً فسوف تزول النجاسة عن جسم الحيوان وإذا كان شجراً فالنجاسة حينئذٍ باقية فنستصحب بقاء نجاسة هذا الجسم المردّد بناءً على أن جسم الحيوان يتنجس ، وأما بناءً على أن جسم الحيوان لا يتنجس فالاستصحاب حينئذٍ لا يجري بحدوث تنجّس سابقاً لاحتمال أن هذا ليس بشجرٍ وإنما هو حيوان والحيوان لا يتنجّس . إذن لا يقين بالتنجّس السابق حتى نجري الاستصحاب.