الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثاني:- وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
إن قلت:- إن الرجوع إلى العرف يصح في مقام تشخيص المفهوم دون تشخيص المصداق وهذه من القضايا المسلّمة.
أما أن نظر العرف حجّة في مقام تشخيص المفهوم فباعتبار أن الإمام عليه السلام حينما يتكلم - وهكذا كل إنسان عرفي - فإنه يقصد المفاهيم العرفيّة لأنه شخص عرفيّ فيوكل تشخيص المفهوم إلى العرف ويتكلم بما يفهمه العرف ويقصد ما يفهمه العرف من هذا اللفظ فيكون المرجع في تحديد المفهوم سعة وضيقاً إلى العرف لهذه النكتة التي ذكرناه ، هذه هي نكتة حجيّة فهم العرف في تشخيص المفاهيم.
وأما أن العرف ليس مرجعاً وليس حجّة في تشخيص المصداق فباعتبار أنه لا دليل على حجّية نظره في تشخيص المصداق فإن ذلك البيان الذي ذكرناه يختص بمفاهيم الألفاظ وتحديدها أما بالنسبة إلى المصداق فلا يوجد دليل يمكن التشبث به لحجّية النظر العرفي فيكفينا عدم الدليل فيكون المدار في تحديد المصداق على الواقع وليس على النظرة العرفية.
وإذا قبلنا بهذا المطلب - يعني أن العرف حجّة في تشخيص المفهوم دون تشخيص المصداق - فقد يقال إنه في مقامنا أي أن المقصود من النقض هو ما إذا فرض أن الموضوع كان هو النقض الذي يفترض فيه أن الموضوع واحد عرفاً ولا يكفي أن يكون واحداً بحسب لسان الدليل أو بحسب الدقّة إن هذا رجوع إلى العرف في تحديد المصداق وليس في تحديد المفهوم فإن مفهوم النقض واضح ولا يتوقف أحد في فهم المقصود من كلمة النقض فأصل النقض ذو مفهوم واضح والذي ليس بواضح هو تحديد المصداق ، وعلى هذا الأساس قولنا إن المدار في تحديد الموضوع على الوحدة العرفيّة دون الدقيّة أو دون ما كان بلسان الدليل هو معناه رجوعٌ إلى العرف في تحديد مصاديق النقض وليس في تحديد أصل مفهومه لأن مفهومه واضح بيّن لا إبهام فيه ، إن هذا إشكال قد يذكر في هذا المقام.
قلت:- يمكن أن نجيب بجوابين ولعله بالتأمل يمكن تحصيل اجوبة أخرى:-
الجواب الأول:- إن هذا ليس اختلافاً من حيث المصداق وإنما هو اختلاف من حيث المفهوم إذ أن أصل المراد من النقض يكون مبهماً فهل المراد هو النقض العرفي الذي يكفي فيه الوحدة العرفية للموضوع أو النقض الدقّي الذي يلزم فيه وحدة الموضوع دقّةً أو أن هذا اختلاف في أصل المفهوم وفي أصل المراد فيشك أن المراد هل هو وسيع - يعني أن النقض سواء كان بلحاظ النظرة العرفية أو بلحاظ النظرة الدقية أو بلحاظ النظرة الدليلية - أو هو أحد هذه دون الجميع فنفس المراد مردّد ومشكوك نظير ما لو قيل ( أكرم العام ) وشككنا أن المراد من العالم هل هو عالم الفقه أو عالم الأصول أو العالم في الفيزياء ؟ إن هذا شك في أصل المراد وليس في مصاديقه يعني لا معنى أن يقال إن مفهوم العالم واضح والشك في المصاديق كلا بل نفس مفهوم العالم هنا مردّد ولا يدرى هل يراد منه هذا أو يراد منه ذاك فهو مردّد بين السعة والضيق أو بين المتباينين . إذن المقام ليس من مقام المفهوم الواضح والشك في المصداق بل الشك في أصل المفهوم.
الجواب الثاني:- أن يقال سلّمنا أن الاختلاف هنا في المصداق وليس في المفهوم ولكن رغم هذا يكون المرجع في تشخيص المصداق هو العرف لنكتةٍ خاصةٍ بالمقام وهي أن المتكلم حينما يطرح هذا الكلام على العرف يفهم أن العرف ولو خطأ ويعلم علماً مسبقاً أنهم سوف يرجعون في تشخيص النقض إلى العرف وليس إلى النظرة الدقيّة ولا إلى لسان الدليل باعتبار أنهم عرفيّون فينجذبون ويتماشون مع النظرة العرفيّة فلو كان هذا النحو من السلوك غير مرضيٍّ للإمام عليه السلام والمفروض أنه يعلم به مسبقاً لكان عليه الردع والتنبيه من البداية فيقول لهم لا يحق لكم أن تنجرفوا وراء النظر العرفيّة إن سكوته مع علمه المسبق بذلك يكشف عن إمضاء هذا النحو من السلوك وهذا لعله نحو من الإطلاق المقامي ، فبالتالي سكوت الإمام عليه السلام وغضّ النظر من هذه الناحية يكشف عن الإمضاء.
بهذا ننهي كلامنا عن هذا التنبيه الثاني.