الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 
 الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثاني:- وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
 التنبيه الثاني:- وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة.
 إن من شرائط جريان الاستصحاب أو بالأحرى من أركانه وحدة القضيتين المشكوكة والمتيقنة - يعني من حيث الموضوع ومن حيث الحكم أو بالأحرى المحمول - والشيخ الأعظم(قده) في الرسائل(قده) قال ما نصّه:- ( ذكر بعضهم للعمل بالاستصحاب شروطاً كبقاء الموضوع ، وعدم المعارض ، ووجوب الفحص . والتحقيق رجوع الكل إلى شروط جريان الاستصحاب ) [1] ، إنه في هذه العبارة نقل عن بعض الأعلام شيئاً ويقصد به صاحب الوافية والفصول ثم هو(قده) ذكر تعليقاً ، أما الذي نقله عن بعض الأعلام فهو أن من شرائط العمل بالاستصحاب أموراً ثلاثة وهي بقاء الموضوع وعدم المعارض والفحص . وواضح أن هذا الذي ذكره هؤلاء الأعلام لابد أن يكون مقصودهم من ذكر هذه الثلاثة هو من باب المثالية ويؤكده الإتيان بالكاف حيث قالوا ( كبقاءِ الموضوع ) وإلا فالعمل بالاستصحاب يلزم فيه أمور أخرى من قبيل الشك في البقاء فإن هذا لم يذكر ، إذن هم ليسوا بصدد الحصر وإنما هم بصدد ذكر بعض الأمور الشاخصة والبارزة وهذا مطلب واضح.
 والشيخ(قده) في مقام التعليق قال:- إن جميع هذه الأمور الثلاثة هي شروط لجريان الاستصحاب.
 وما أفاده(قده) وجيهٌ بيد أنه نلفت النظر إلى عدّة قضايا
 القضيّة الأولى:- توجد فوارق بين هذه الشروط فبقاء الموضوع مثلاً هو ركنٌ في الاستصحاب ومن دونه لا يصدق الاستصحاب ونقض اليقين بالشك بينما عدم المعارض ليس ركناً لأصل الاستصحاب وإنما هو شرط لحجّيته وللعمل به وإلا فالاستصحاب صادقٌ حتى لو فرض وجود معارضٍ ، وهكذا بالنسبة إلى الفحص فإنه من دونه يصدق الاستصحاب غايته لا يكون حجّة . إذن هذه الشروط تختلف فيما بينها بالنحو الذي أشرنا إليه ففقدان الشرط الأول - أعني بقاء الموضوع - هو من قبيل فقدان الركن والمقتضي بينما فقدان الشرطين الأخيرين هو من قبيل وجود المانع من جريان الاستصحاب ، وهذه قضية غير مهمة.
 القضية الثانية [2] :- كيف نصوغ هذا الشرط ؟ فهل نصوغه بلسان ( يشترط في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع ) أو نصوغه بلسان ( يشترط في جريان الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ) فأي التعبيرين هو المناسب ؟
 والجواب:- لعل التعبير الثاني أنسب من الأول فإن الأول فيه اشارة إلى اعتبار الموضوع فقط ووحدته فقط وأما وحدة المحمول فمسكوت عنها ، بينما الصياغة الثانية هي شاملة للموضوع والمحمول لأنه عبِّر هكذا ( وحدة القضيتين المشكوكة والمتيقنة ) والوحدة لا تصدق إلا مع اتحاد الموضوع والمحمول ، وأيضا التعبير ببقاء الموضوع قد يوحي بأن القصود هو البقاء الخارجي في عالم الخارج بينما التعبير الثاني لا يوحي بذلك إذ عبِّر بوحدة القضيتين ولم يعبَّر بالبقاء حتى يحصل إيحاء بإرادة البقاء الخارجي الذي هو محلّ إشكال - أي اعتبار الوجود الخارجي هو محل اشكال - كما سوف نبين الآن فإن الوجود الخارجي ليس معتبر دائماً فانتظر . إذن التعبير الثاني لعله أنسب من العبير الأوّل ولكن ليس من البعيد والله العالم أن من عبَّر بالأوّل - يعني ببقاء الموضوع - يقصد الثاني فهو إن عبَّر بالتعبير الأوّل لفظاً ولكن روحاً ومضموناً يقصد الثاني كما صنع كذلك صاحب الكفاية فإنه قال ما نصّه:- ( لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضيّة المشكوكة مع المتيقنة موضوعاً كاتحادهما حكماً ضرورة أنه بدونه لا يكون الشك في البقاء بل في الحدوث ) [3] . إذن هو في البداية قال لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع ثم فسّر بقاء الموضوع بوحدة القضيتين ، والأمر سهل.
 القضية الثالثة:- ماذا يقصد من الموضوع ؟
 والجواب:- إن المقصود به معروض المستصحب فحينما نستصحب كرّية الماء فالمستصحب هو الكرّية ومعروضها الذي تعرض عليه الكرّية هو الماء فالماء هو الموضوع فالماء موضوع الكرّية والكرّية هي المستصحبة . إذن المقصود من الموضوع هو معروض المستصحب وحينما نستصحب عدالة زيد فالعدالة هي المستصحب وزيد هو الموضوع وهكذا في بقية الأمثلة ولكن هل اللازم هو بقاء الموضوع من حيث الوجود الخارجي أو المقصود بقاءه ووحدته بالنحو الأعم من الوجود الخارجي وغيره ؟ نقل الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل [4] عن بعضٍ - ويقصد بذلك استاذه شريف العلماء المازندراني(قده) - أنه فهم من بقاء الموضوع يعني البقاء الخارجي فحينما يقال لابد من إحراز بقاء الموضوع ووجود الموضوع يعني وجوده الخارجي فأشكل بأن لازم ذلك عدم جريان استصحاب وجود زيد فإذا شككنا أن زيداً بعدُ موجود أو لا فاستصحاب وجوده لا يجري لأن زيداً لا نحرز وجوده في الخارج إذ لو كنا نحرز وجوده في الخارج لما احتجنا إلى استصحاب وجوده فحينما نستصحب وجوده فذلك يعني أننا نشك في بقائه الخارجي فسوف يشكل الأمر في هذا المورد وما شاكله كاستصحاب وجود الماء واستصحاب وجود الأشياء الآخرى من الحمرة والبياض وما شاكله فيلزم أن لا يجري استصحابها.
 وجوابه كما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) واضح:- فإنه ليس المقصود من إحراز البقاء هو البقاء الخارجي بالخصوص بل إن بقاء كل موضوع بحسبه فبلحاظ بعض أنحاء الاستصحاب يكون الموضوع هو الوجود الخارجي كما إذا أردنا أن نستصحب وجوب إكرام زيد فإن الموضوع لوجوب الاكرام هو الوجود الخارجي لزيدٍ وإلا فوجوده في القبر لا يكفي لوجوب إكرامه بينما بعض أنحاء الاستصحاب الأخرى لا يعتبر وجودها الخارجي بل يعتبر وجودها الأعم من الخارجي كما في استصحاب وجود زيد فإن معروض الوجود - الذي هو المستصحب - ليس هو الوجود الخارجي إذ الوجود الخارجي لا يطرأ على الوجود الخارجي بل الموضوع للوجود هو التقرّر الماهوي أو الذهني - ما شئت فعبّر - فيكون الموضوع هو زيد بتقرّره الماهوي أو بتقرّره الذهني وهذا واحدٌ في حالة اليقين وفي حالة الشك . إذن ليس المقصود خصوص الوجود الخارجي حتى يرد إشكال شريف العلماء(قده).
 وإن شئت قلت:- إن الآثار تختلف فبلحاظ بعض الآثار يلزم إحراز الوجود الخارجي كما في استصحاب وجوب إكرام زيدٍ وكجواز الاقتداء خلفه وبلحاظ بعض الآثار الأخرى لا يعتبر الوجود الخارجي بل التقرّر الماهوي كاستصحاب عدالته لجواز البقاء على تقليده أو لتقليده ابتداء بناءً على جواز تقليد الميت ابتداء فنستصحب عدالته حتى يثبت بذلك جواز تقليده إما ابتداءً أو بقاءً . إذن ليس الأثر مترتباً على خصوص الوجود الخارجي . إذن هذا مطلب واضح أيضاً.
 وبهذا اتضح ما أشرنا إليه سابقاً حيث قلنا إنه بناءً على التعبير باشتراط بقاء الموضوع في مقام صياغة هذا الشرط قد يحصل إيحاء لإرادة البقاء الخارجي فيأتي هذا الكلام الذي ذكرنا - أي يأتي توهم شريف العلماء ويأتي الجواب عنه بما أشرنا - أما بناءً على التعبير صياغة وحدة القضيّة المتيقنة والمشكوكة إنه لا يأتي هذا التوهم من الأساس ولذلك قلنا أن الأرجح هي الصياغة الثانية.
 القضية الرابعة:- ما هو الدليل على اعتبار وحدة القضيّة المتيقنة والمشكوكة ؟
 قد يستدل على ذلك بالوجهين التاليين:-
 الوجه الأول:- إنه يعتبر في باب الاستصحاب الشك في البقاء وهذا لا يصدق إلا مع وحدة الموضوع إذ مع اختلاف الموضوع لا يكون الشك شكاً في البقاء بل يكون شكاً في حدوث شيئاً آخر.
 الوجه الثاني:- ما تمسك به الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل [5] - فإنه في الغالب لا يتمسك بالقضايا الفلسفية ولا يدخل الفلسفة في علم الأصول وإن كنا نتمكن أن نقول إن مدرسة الشيخ الأعظم هي مدرسة تجمع بين المدرسة الوجدانية وبين المدرسة الفلسفية الدقيّة - حيث قال ما حاصله:- إن الموضوع إذا لم يكن واحداً فهو بالتالي إما معدوم ولا يوجد بديل عنه أو يوجد عنه بديل ، يعني بدل كون الموضوع زيداً نفترضه عمرواً فإذا نستصحب قيام زيد أو عدالته فإما أن نفترض أن زيداً معدوم ولازم ذلك بقاء العرض بلا معروض وهو شيء غير ممكن فإن العرض متقوّم بموضوعه فوجوده في نفسه عين وجوده لموضوعة وإلا فليس له وجود في نفسه بقطع النظر عن وجوده في موضوعه فلا يمكن وجود العرض بلا موضوع ، وإذا افترضنا نه تبدّل - أي أن زيداً تبدل إلى عمرو يعني نستصحب قيام زيد إلى عمرو - فذاك لازمه قيام عرض شخص بشخص آخر وهذا أيضاً مستحيل فإن عرض كل موضوع متقوّم بذلك الموضوع ولا يمكن أن يحلّ في موضوع آخر بل إذا ثبت القيام لعمرو - أي لغير زيد - فذلك عرضٌ آخر غير قيام زيد.
 والخلاصة:- أنه إذا افترضنا أن الموضوع ليس بموجود فإما أن يكون زيد ليس موجوداً فعندما نستصحب قيام زيد فهذا لازمه بقاء العرض بلا معروض وهذا مستحيل وإذا فرضنا أن عمرواً كان في مكانه ونستصحب قيام زيد له فهذا معناه حلول العرض وتقوّمه بغير معروضه وهذا شيء مستحيل ايضاً ، فلذلك إذن يلزم أن يكون الموضوع موجوداً وواحداً.


[1] الرسائل تسلسل26، ص289.
[2] وهذه ايضاً قضية ليست مهمة.
[3] كفاية الاصول، ص427، آل البيت.
[4] الرسائل تسلسل26، ص290.
[5] الرسائل تسلسل26 ، ص290.