الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الأول:- الاستصحاب الاستقبالي والقهقرى ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
الدليل الثالث:- الأمر بالتمسك بالقرآن الكريم والسنَّة الشريفة ، بتقريب:- إن التمسك بهذين المصدرين الشريفين هو إما بالتمسك بظاهرهما أو بالتمسك بما هما نصٌّ فيه وعلى كلا التقديرين يثبت المطلوب إذ نحن نحدّد أن هذا نصٌّ أو أن هذا ظاهر في دلالته بلحاظ زماننا ففي زماننا نقول إن هذه الآية أو هذه الرواية نصٌّ صريحٌ في هذا المعنى أو هي ظاهرة في هذا المعنى والحال أن من المتحمل أن تكون في عصر الصدور ليست كذلك - أي ليست نصّاً أو ليست ظاهرة - . إذن لابد وأن نفترض أن احتمال التغيّر في الظهور أو في النصيّة ملغيٌّ إذ لو لم يكن ملغيّاً فليس بإمكاننا التمسك بالسنّة الشريفة أو بالقرآن الكريم.
أما كيف نثبت وجوب التمسك بالكتاب الكريم والسنّة الشريفة ؟
والجواب:- نثبت ذلك إما بحديث الثقلين الذي هو من الأمور الثابتة والمسلّمة أو بدليلٍ آخر من آياتٍ أو رواياتٍ تدلّ على المضمون المذكور أو لا نحتاج إلى حديث الثقلين ولا إلى دليل لفظيّ آخر من آيات أو روايات بل تكفينا الضرورة بين المسلمين فإن من القضايا الضروريّة الواضحة المسلّمة هو أن التمسّك بالكتاب الكريم أمرٌ واجبٌ إذ لو لم يكن واجباً فلا فائدة فيه وهكذا بالنسبة إلى السنّة الشريفة . إذن هذه الضرورة هي تغنينا عن التمسّك بحديث الثقلين أو بغيره وهذه الضرورة وسيلة ميسّرة وأسهل من غيرها . إذن نفس وجوب التمسك بالكتاب والسنّة الشريفين - الذي هو أمر ثابت بالضرورة - يلازم إلغاء احتمال التغيّر وإلا فلا يمكن التمسّك بالكتاب والسنّة إذ يكون تكليفاً بغير المقدور إذ أني لا أعرف آنذاك مضمون الكتاب والسنّة حتى أتمسّك بهما فإن الطريق لتحديد ذلك ليس إلا ما أشرنا إليه - يعني الدلالة في زماننا من ظهورٍ أو من نصيّة - فإذا فرضنا أن احتمال التغيّر كان موجوداً ولم يكن ملغياً فلا يمكن التمسك بهذين الأمرين الجليلين.
الدليل الرابع:- إننا مأمورون بالاجتهاد فيجب في كل زمانٍ تصدّي جماعة للاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية وهذا من الأمور المسلّمة ولا نحتاج إلى دليل لفظيّ من قبيل ( فلولا نفر ) وغير ذلك والوجه في ذلك هو أن وجوب الاجتهاد قضيّة ضروريّة إذ لو لم يتصدَّ جماعة للاجتهاد حتى يرجع اليهم بقية الناس فماذا يصنع الناس ؟ فإما أن يجتهد الجميع وهذا معناه أنّا سلمنا وجوب الاجتهاد ، أو نفترض أن الجميع يحتاط وهذا لا نحتمله فإن الشريعة لا يمكن بناؤها على الاحتياط في حق الجميع ، أو أن الوظيفة هي التقليد وهو فرع وجوب الاجتهاد ، فوجوب الاجتهاد في حقِّ جماعة قضيّة مسلّمة واضحة لا نحتاج فيها إلى دليلٍ لفظيٍّ ، وإذا سلمنا بذلك فحينئذ نقول:- إن المجتهد لا يمكنه استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلتها إلا إذا فرض حجيّة استصحاب القهقرى إذ لو لم يكن حجّة فغاية ما لديه آنذاك هو الظهور أو النصيّة الثابتة في زمان اجتهاده وتصديه للاستنباط ومن قال أن هذا الظهور أو هذه النصيّة كانت ثابتةً في الزمن السابق ويبقى هذا أمراً مشكوكاً - يعني لو لم يكن استصحاب القهقرى حجة - . إذن يتعيّن أن يكون استصحاب القهقرى في باب اللغة والظواهر أن يكون حجّة حتى يتمكن المجتهد من أن يجتهد.