الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
 احتمالات أخرى في المقصود من ( لا تنقض اليقين بالشك ):-
 ذكرنا فيما سبق أن الشيخ الأعظم(قده) ذكر أن قول الإمام عليه السلام:- ( قام فأضاف إليها ركعة بفاتحة الكتاب ولا ينقض اليقين بالشك ) إذا كان يقصد منه الاستصحاب فيلزم حمله على التقيّة.
 والآن نسأل ونقول:- إذا لم نحمل تعبير ( ولا ينقض اليقين بالشك ) على الاستصحاب فما هي الاحتمالات البديلة التي يمكن حمل هذه الفقرة عليها ؟
 وفي هاذا المجال نقول:- هناك احتمالات ثلاثة بديلة غير الاستصحاب:-
 الاحتمال الأول:- ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) نفسه وهو أن يكون المقصود من فقرة ( ولا تنقض اليقين بالشك ) الاشارة إلى قاعدة اليقين بالمعنى الجديد الذي قد يستفاد من بعض الروايات ( وهو أن تحصيل اليقين ببراءة الذمة يتحقق بالإتيان بما يحتمل نقصانه يؤتى به بعد الصلاة فيبني المكلف على الأكثر ويأتي بما يحتمله بعد الصلاة والإمام عليه السلام يقول إذا كان في الواقع أن الصلاة ناقصة فتتم بما أتي به بعدها وإذا لم تكن ناقصة فذلك يقع زائداً وخارجاً عن الصلاة ) وهذا ما قد يعبَّر عنه بقاعدة اليقين ، والشيخ الأعظم(قده) احتمل أن المقصود من هذه الفقرة الاشارة إلى هذه القاعدة بعد فرض أن إرادة الاستصحاب منها مخالفٌ للمذهب كما ذكرنا.
 ونحن في مقام التعليق نقول:- إذا فرض أن الأمر قد انحصر بحمل هذه الرواية على ما ذكر فلا بأس حينئذٍ من حملها عليه وإن كان مخالفاً للظاهر لأنه يتعيّن آنذاك بعد تعذر حملها على الاستصحاب فنصير إلى هذا الاحتمال وإن كان مخالفاً للظاهر.
 ولكن الذي نقوله هو أن هذا الاحتمال هو في حدّ نفسه مخالف للظاهر من ناحيتين:-
 الأولى:- إنه بناءً على هذا الاحتمال لا يكون اليقين بفراغ الذمة وبراءتها حاصلاً بل يلزم تحصيله والحال أن الإمام عليه السلام قال:- ( ولا تنقض اليقين بالشك ) يعني هو قد فرض أن اليقين حاصلٌ وفعليٌّ وثابتٌ لا أنه ينبغي تحصيله وبناءً على إرادة قاعدة اليقين لا يكون اليقين ببراءة الذمة حاصلاً بل يلزم تحصيله فكان من المناسب أن يعبّر عليه السلام بـ( وحصِّل اليقين ) يعني ببراءة الذمة ولا تكتفي بالشك لا أن يقول ( ولا تنقض اليقين ) يعني الذي هو حاصل . إذن التعبير بكلمة ( ولا تنقض اليقين ) يدل على أن اليقين حاصلٌ وثابتٌ ومفروغٌ عنه وعليه فيكون حمل الرواية على قاعدة اليقين مخالفاً للظاهر من هذه الناحية التي اشرنا إليها.
 وثانياً:- إنه بناءً على قاعدة اليقين لا معنى لنسبة النقض إلى اليقين ويقال ( لا تنقض اليقين ) بل المناسب أن يقال ( لا تنقض حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وتكتفي بالشك فيتحقق الامتثال ) إن النقض سوف يكون نقضاً لحكم العقل بقاعدة الاشتغال اليقيني وليس نقضاً لليقين والحال أن الرواية نسبت النقض إلى اليقين وقالت ( لا تنقض اليقين ) . إذن بناءً على إرادة قاعدة اليقين يكون من المناسب أن يعبّر الإمام عليه السلام ويقول ( ولا تنقض - أي لا ترفع اليد عن حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) فمن المناسب أن ينسب النقض إلى حكم العقل - أي لقاعدة الاشتغال اليقيني - لا أن ينسب إلى اليقين.
 إذن حمل هذه الفقرة على قاعدة اليقين مخالف للظاهر من ناحيتين ، ولكن كما قلنا لو انحصر الأمر بذلك فمن باب الاضطرار نحمل العبارة على قاعدة اليقين وإن كان مخالفاً للظاهر ، اللهم إلا إذا كانت المخالفة بدرجة لا يمكن حمل ألفاظ الرواية عليه فحينئذ نردّ علمها إلى أهلها وتصير مجملة غير مفهومة المقصود.
 الاحتمال الثاني:- ما ذكره الشيخ العراقي(قده) [1] وحاصله:- إن المراد من اليقين ليس هو اليقين بعدم الإتيان بالرابعة كما فهم ذلك الشيخ الأعظم(قده) ورتب عليه أن الرواية بناءً على هذا مخالفة للمذهب إذ لازم كون المقصود من اليقين ما ذكر هو أن المكلف يأتي بالركعة المشكوكة متصلة لا منفصلة وهو مخالف للمذهب ، والشيخ العراقي يقول كلا نحن لا نفسر اليقين هنا بهذا - أي باليقين بعدم الاتيان بالرابعة - حتى يأتي ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) بل نفسِّره باليقين باشتغال الذمة بالصلاة فإن الذمة قد اشتغلت بصلاة الظهر جزماً وبعد هذا اليقين لا يكفيك الشك في الامتثال بل لابد وأن تتيقن بالامتثال ، وعلى هذا الأساس يلزم على المكلف أن يحصِّل اليقين بالامتثال بعدما جزم باشتغال ذمته بالصلاة - وأنا أضيف وأقول ( اشتغلت الذمة بالصلاة ذات الركعات الأربع ) - فأنت عندك يقين بذلك فلا تنقض هذا اليقين بالشك في الامتثال وأنت إذا اقتصرت على هذه الركعات من دون إضافة ركعة جديدة فسوف تشك في الامتثال ولا تجزم به.
 ثم أضاف(قده) وقال:- إنه بناءً على هذا يمكن أن نستفيد من الرواية آنذاك الاستصحاب فإن الإمام عليه السلام يريد أن يقول ( نستصحب بقاء اشتغال الذمة ولا يكفيك الشك في الامتثال بعد جريان استصحاب اشتغال الذمة ) ، وبالتالي فالرواية دلت على الاستصحاب وأنه حجّة من دون أن نقع في الإشكال الذي وقع فيه الشيخ الأعظم(قده) فحمل العبارة لأجله على التقيّة لأنا لا نفسِّر اليقين باليقين بعدم الاتيان بالرابعة بل اليقين باشتغال الذمة بالصلاة ، وعلى هذا الأساس لا يأتي ذلك الإشكال وفي نفس الوقت نستفيد من ذلك حجيّة الاستصحاب.
 هذا توضيح ما أفاده(قده).
 وفيه:- إن الإمام عليه السلام حينما أجرى استصحاب الاشتغال ماذا كان يقصد منه ؟ هل يريد أن يقول ( إذن يلزمك أن تأتي بصلاة جديدة تتيقن بالامتثال من خلالها ) ؟ كلا إنه باطل جزماً فإن الإمام عليه السلام ذكر هذه العبارة كتعليلٍ إلى فقرة ( قام فأضاف إليها ركعة ) ، وعليه فيلزم أن يكون مقصوده بيان أنه يلزمه إضافة ركعة جديدة مراعاةً لذلك اليقين باشتغال الذمة ، وحينئذ نقول إن الذمة كانت مشغولة بالركعات المتصلة الأربع فيلزم على هذا الأساس الاتيان بركعةٍ ولكنّها متصلة لأن الذمة مشتغلة بالركعات المتصلة فيلزم إذا أردنا أن نحقّق الامتثال بنحو الجزم فيلزمنا أن نأتي بركعةٍ جديدةٍ متصلة وآنذاك يجيء نفس إشكال الشيخ الأعظم(قده) فعدنا من جديد إلى المحذور الذي فرَّ منه الشيخ الأعظم(قده) وهذا التبديل - يعني تبديل اليقين - من كونه يقين بعدم الاتيان بالرابعة إلى اليقين باشتغال الذمة لا يغيّر من النتيجة شيئاً.
 هذا مضافاً إلى أن قول الإمام عليه السلام:- ( لا تنقض اليقين بالشك ) كما يلتئم مع استصحاب الاشتغال السابق - وهذا ما أراده الشيخ العراقي(قده) حيث قال إنه بناءً على هذا التفسير لليقين نستفيد الاستصحاب - ونحن نقول له إنه كما أن هذا محتملٌ يحتمل أيضاً أن الإمام عليه السلام قال ( لا تنقض اليقين ) من باب أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، يعني كأنه يريد أن يقول هكذا ( يقينك السابق بالاشتغال - وهو ثابتٌ وعندك يقينٌ به - لا تنقضه - أي لا تكتفي بمجرد الشك في الامتثال - ) فكما يحتمل إرادة الاستصحاب يحتمل إرادة هذا المعنى فكيف تقول إنه بناءً على تفسير اليقين باليقين بالاشتغال سوف نستفيد حجية الاستصحاب ؟! كلا بل هذا كما يلتئم مع حجيّة الاستصحاب يلتئم مع ما أشرنا إليه من أنه لا يجوز رفع اليد عن اليقين السابق بالشك من باب حكم العقل وليس من باب حجيّة الاستصحاب فهي مجملة من هذه الناحية.


[1] نهاية الأفكار، العراقي، ج3، ص62.