الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وهناك أجوبة متعددة عن هذا الاشكال:-
الجواب الأول:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية
[1]
وحاصله هو أن الامام عليه السلام يريد أن يقول لزرارة ( إني أجري لك الاستصحاب من حين ظن الإصابة وحتى نهاية الصلاة - يعني قبل أن ترى النجاسة - ) فإذا جرى الاستصحاب كان المصلي محرزاً آنذاك للطهارة أثناء الصلاة وإذا صار محرزاً لها نضمّ مقدمةً ثانيةً وهي أن الشرط في صحة الصلاة هو أحد أمرين إما الطهارة الواقعية أو إحراز الطهارة وإن كانت غير موجودة واقعاً فالإحراز كافٍ في تحقق الشرط والإمام عليه السلام قد أجرى الاستصحاب كي يتحقق الشرط - أعني الاحراز - وقد حذف المقدمة الثانية فذكر إحدى المقدمتين وحذف الثانية وكأن الامام يريد أن يقول لزرارة بالعبارة الواضحة ( إن صلاتك صحيحة لأن شرط صحتها هو إحراز الطهارة وليس خصوص الطهارة الواقعية ) هذه مقدمة ثم يريد أن يقول له ( والإحراز متحقق وذلك بسبب جريان الاستصحاب من حين ظن الإصابة وحتى نهاية الصلاة قبل الرؤية فإنه في تمام الصلاة يجري الاستصحاب ) فيجري الاستصحاب فتقع الصلاة صحيحة . هكذا ذكر(قده) ، ونص عبارته هي
[2]
:-
( إن الشرط في الصلاة فعلاً حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بأصلٍ أو قاعدة لا نفسها فتكون قضيّة استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها ) . وقوله
( إن الشرط في الصلاة فعلاً حين الالتفات ) يعني حين الالتفات فبعدما سلّم من صلاته ثم التفت فحينئذ نقول إن الشرط هو الإحراز وهو ثابتٌ بالاستصحاب.
وهو جواب يخطر إلى الذهن فإن كل من يتوجه إلى هذا الإشكال يخطر إلى ذهنه هذا الجواب الذي ذكره الشيخ الآخوند(قده) وسياتي إنشاء الله تعالى التعليق عليه فانتظر.
الجواب الثاني:- ما نقله الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل
[3]
عن استاذه شريف العلماء المازندراني(قده) حيث أجاب بأن جواب الإمام عليه السلام مبنيٌّ على أن الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء وكأنه عليه السلام يريد أن يقول إن الاستصحاب إذا جرى في حقك من بداية الصلاة وحتى نهايتها - أي قبل الالتفات إلى النجاسة - فقد تولّد أمرٌ ظاهريٌّ وأنه أنت متطهرٌ ظاهراً ، وهناك مقدّمة أخرى محذوفة وهي أن الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء - يعني عند انكشاف الخلاف - فحينئذ يثبت بذلك الإجزاء والصحة.
وهذه الرواية يمكن أن نجعلها من الروايات الدالة على أن الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء فما ذكره الامام عليه السلام من جوابٍ مبنيٌّ على ضمّ هذه المقدمة.
ومن خلال هذا اتضح أن كلا هذين الجوابين يبتنيان على وجود مقدّمة محذوفة ولكن الشيخ الخراساني يقول إن المقدمة المحذوفة هي أن الشرط هو الإحراز وأما شريف العلماء فيقول هي أن الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء ، وأيضاً يقول الشيخ الخراساني إن الإمام عليه السلام أجرى الاستصحاب أثناء الصلاة - يعني من حين ظنّ الإصابة إلى نهاية الصلاة - حتى يثبت الإحراز الذي هو الشرط ، وشريف العلماء قال إن الإمام عليه السلام أجرى الاستصحاب حتى يثبت الأمر الظاهري.
وقبل أن نعلّق على هذين الجوابين نطرح تساؤلاً:- وهو أنه هل أن هذان جوابان حقاً أو أن الجواب الثاني يرجع إلى الأول روحاً وليس جواباً مستقلاً في مقابل الأول ؟
والجواب:- ذكر السيد الخوئي(قده) في مصباح الأصول
[4]
أن جواب شريف العلماء(قده) يبتني على الجواب الأول وإلا فهو لا يستحق أن يكون جواباً مستقلاً ، والوجه في ذلك هو أنه حينما ينكشف الخلاف - يعني انكشف أن الصلاة وقد قعت في النجس يعني انكشف أن الأمر الظاهري مخالف للواقع - فحينئذ كيف يجزي هذا عن الأمر امتثال الأمر الواقعي ؟! إن المفروض اتضاح بطلانه وبعد أن اتضح أنه باطل فكيف تقول بإجزائه ؟ ! فلابد وأن تقول إن الشرط في الحقيقة هو الإحراز وهو ثابتٌ حين الصلاة فيكون الشرط متحققاً . إذن إذا لم نُدخل في الحساب أن الشرط هو الإحراز كما صنع الخراساني(قده) فجواب شريف العلماء(قده) لا يسمن ولا يغني من جوع لأن المفروض أنه قد انكشف خلافه وبعد أن انكشف الخلاف كيف يجزي عن امتثال الأمر الواقعي ؟! إنه لا يجزي بعد انكشاف الخلاف إلا إذا افترضنا أن الشرط هو الإحراز فعاد إذن الجواب الأساسي هو ما أفاده الشيخ الخراساني(قده).
وفي مقام التعليق على ما أفاده السيد الخوئي نقول:- إن ما ذكره(قده) - من أن الأمر الظاهري إذا انكشف خلافه كيف يجزي عن الأمر الواقعي - هو رأيه ومختاره ولذلك هو يبني على أن الأمر الظاهري إذا انكشف خلافه لا يقتضي الإجزاء ولذلك لو قلّد المكلف مجتهداً ثانياً بعد موت الأوّل فعليه أن يعيد صلاته التي كان يأتي بها مع غسل الجمعة بلا وضوء وأن الثاني كان يقول بعدم إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي عند انكشاف الخلاف وهو(قده) يقول بذلك إلا في موارد خاصّة مثل الأجزاء الواجبة غير الأركان.
وعلى أي حال الذي أريد أن أقوله هو أن ما ذكره هو رأيه وكيف تحكّم رأيك على الرواية ؟! وحينئذ يمكن أن نقول بأن الأمر الظاهري حتى لو انكشف خلافه فهو يجزي عن الأمر الواقعي والشاهد على ذلك هو هذه الرواية لا أن أقول أنا أبني على أن الأمر الظاهري لا يقتضي الإجزاء لأنه زال فكيف يقتضي الإجزاء ؟! لا أنه أأتي وأحكّم رأيي على الرواية وأقول إن ما ذكره شريف العلماء(قده) باطل فلابد من إرجاعه إلى جواب الشيخ الخراساني(قده) كلا فلنقل بأن الأمر الظاهري حتى لو انكشف خلافه فهو رغم ذلك يقتضي الإجزاء ، أما كيف يقتضي الإجزاء ؟ هذا بحثٌ موجود في باب امتثال الأمر الظاهري ولنقُل إن الشارع تسهيلاً على عباده جعل ذلك ولو على خلاف القاعدة فالرواية قد دلت على ذلك . إذن هذان جوابان وليس جواباً واحداً.
والفارق بينهما من حيث الروح هو أن الجواب الأول يقول إن الشرط - وهو الإحراز - متوّفر واقعاً حتى لو انكشف الخلاف فإن انكشاف الخلاف لا يعني أن الإحراز ليس بموجودٍ حين الصلاة بل يزول من حين رؤية النجاسة فيزول الإحراز ويزول الشرط وإلا فهو موجود واقعاً ولا ينكشف خلافه ، بينما الجواب الثاني يقول إن الشرط ليس بموجودٍ لأنه هو الطهارة الواقعية وهي ليست بموجودة غايته هناك حكم ظاهري يقتضي وجود تلك الطهارة الواقعية وحيث إن الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء فيحكم بذلك لا من باب وجود الشرط واقعاً كما كان يقول صاحب الجواب الأول بل من باب أن ما أتي به كحكمٍ هو كحكمٍ ظاهريٍّ والحكم الظاهري يقتضي الإجزاء عن الواقعي ، فالفارق بين الجوابين واضح.
ولكن الإشكال على كلا الجوابين اثباتي وحاصله:- إن هذين الجوابين يتمّان فيما لو كانت تلك المقدمة المحذوفة والتي لم يذكرها الإمام عليه السلام واضحةٌ بِجَلاء فإن وضوح إحدى المقدمتين بجلاء يُغني عن ذكرها ويُقتصَر على ذكر المقدمة الأخرى أما إذا فرض أن تلك المقدمة الأخرى التي هي أساس المطلب كانت خفيّةً فيلزم أن تُسلط عليها الأضواء لا أن تحذف ويُستغنى عن ذكرها وما هي تلك المقدمة الأخرى ؟ على جواب الشيخ الخراساني هي:- ( إن الشرط لصحة الصلاة هو الإحراز دون الطهارة الواقعية ) وهذا شيءٌ خفي لابد وأن تسليط الأضواء عليه فلو كان هذا الجواب هو المقصود لكان من المناسب الإشارة إلى هذه المقدمة فإنها خفيَّة وليس من المناسب عرفاً حذف إحدى المقدمتين مادامت خفيَّة.
وتلك المقدمة الأخرى في جواب شريف العلماء(قده) هي:- ( إن امتثال الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء ) ، إنها مقدّمة خفيَّة تحتاج إلى توضيح وتسليط أضواء.
إذن هذان الجوابان هما وإن كانا وجيهين ثبوتاً ولكنّه لا يمكن الأخذ بهما إثباتاً.
[1]
كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص393، ط مؤسسة آل البيت عليم السلام.
[2]
كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص393، ط مؤسسة آل البيت عليم السلام.
[3]
تراث الشيخ الأنصاري تسلسلل26، ص60.
[4]
مصباح الأصول، السيد الخوئي(الواعظ الحسيني)، ج3، ص57.