الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
 وأما القضية الثانية [1] :- فيأتي نفس البيان الذي أشير إليه في الصحيحة السابقة بل جريانه هنا أوضح لأنه هنا سأل زرارة الامام عليه السلام وقال:- ولِمَ ذلك ؟ أي أنه سأل عن العلة والإمام عليه السلام صرّح بذكر التعليل حيث قال:- ( لأنك كنت على ... ) وهذا التصريح بالتعليل لم يكن موجوداً في تلك الرواية السابقة نعم كان هناك ظهور وأما الصراحة فلا ، وقلنا إن نفس التعليل حيث يراد به تقريب الفكرة الى الذهن حتى يقبلها فلابد وأن يكون بأمرٍ ارتكازيٍّ ..... إلى آخر ما ذكرنا . إذن هذه الرواية هي أوضح في التعليل وأيضاً هي أوضح في كون التعليل بأمرٍ ارتكازيٍّ فإنه هناك كنا نُثبِت ارتكازية العلة من خلال ما كنّا نقول من أن العلة تذكر عادة لأجل أن يقبل الطرف المقابل وإنما يقبل لو ذكرنا له قضية ارتكازية يتقبلها الذهن وهذه الارتكازية هنا أوضح ولا نحتاج في اثباتها إلى البيان المذكور بل إن نفس الصحيحة تصرّح بأن العلم علّة ارتكازية حيث قال عليه السلام ( ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين أبداً بالشك ) فإن التعبير بفقرة ( ولا ينبغي ) واضحٌ جداً في كون المطلب مطلباً ارتكازياً إذ لا يُعبّر بهذا التعبير إلا في الموارد التي يكون فيها المطلب ارتكازياً ، هذا مضافاً إلى التعبير بكلمة ( أبداً ).
 إذن هذه الصحيحة هي أوضح في العموم من الصحيحة السابقة لما أشرنا إليه.
 وأما القضية الثالثة [2] :- فهناك إشكال قد أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في رسائله [3] وهو في الأصل للسيد السيد صدر الدين الرضوي الصدر(قده) صاحب شرح الوافية وحاصله:- إنا سلمنا بأن الإمام عليه السلام طبّق الاستصحاب في مورد الرواية وهو ناظر إلى الاستصحاب دون قاعدة اليقين ولكن نسأل ونقول هل طبق الإمام الاستصحاب بلحاظ أي حالةٍ ؟ فهل طبقه على حالة ما بعد الصلاة - أي حين رؤية النجاسة - أو أنه طبقه قبل الصلاة - يعني عند ظن الاصابة - ؟ والأوّل ليس بممكن إذ بعدما رأى زرارة النجاسة يجزم بأن صلاته قد وقعت في الثوب النجس لا أنه يشك في ذلك حتى يجري الاستصحاب . إذن إجراء الاستصحاب بلحاظ ما بعد الصلاة لا يمكن لأنه يجزم بأن صلاته وقعت في النجس والاستصحاب فرع الشك بالبقاء أما مع الجزم بارتفاع الطهارة السابقة فلا يمكن جريان الاستصحاب . وأما أن نقول إن الإمام عليه السلام أجرى الاستصحاب قبل الصلاة - يعني عند ظن الاصابة - ومثل هذا الاستصحاب قابل للجريان دون أي إشكال ولا يرد عليه أنه هو متيقن بارتفاع الطهارة السابقة ، كلا إنه ظنَّ بالإصابة والإمام عليه السلام أجرى له الاستصحاب كي يدخل في الصلاة ويصحح صلاته مع هذا الثوب الذي هو مشكوك الطهارة وليس بمتيقن فصحح الإمام صلاته وأن صلاتك صحيحة بهذا الثوب لأنه يوجد عندك استصحاب ، ولكن الإمام يجري له الاستصحاب إلى قُبيل الرؤية وبمجرد أن يراه بعد الصلاة فحينئذ يقف الاستصحاب ، فإذا كان هذا هو المقصود فهو شيء وجيه ولا محذور فيه ولكن ظاهر الرواية هو أن السؤال كان سؤالاً بعد رؤية النجاسة وكأن زرارة يريد أن يقول للإمام:- أنا حينما رأيت النجاسة يقيناً في ثوبي بعد صلاتي كيف تحكم سيدي بصحة الصلاة ؟! والإمام عليه السلام أجرى له الاستصحاب.
 إذن هذا الاستصحاب قد أجراه الإمام بلحاظ حين السؤال وليس بلحاظ ظن الإصابة ، وعلى هذا الأساس هذا ممكن ولكنه خلاف الظاهر وذاك الذي هو يواقف الظاهر هو في حدّ نفسه ليس بممكن.


[1] أعني دلالة الرواية على حجية الاستصحاب في جميع الموارد وليس في خصوص موردها.
[2] يعني كيفية تطبيق الاستصحاب على مورد الرواية.
[3] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل20 ص60.