الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وفيه:-
أولاً:- إن القاعدة وإن اقتضت إجراء الاستصحاب في عدم النوم دون بقاء الوضوء ولكن لا ينبغي تحكيم قواعدنا الصناعية على الروايات ونطرح ظاهر الرواية لأجل الصناعة مادامت الصناعة صناعة يمكن رفع اليد عنها فإن الصناعة تارةً تكون بنحوٍ لا يمكن رفع اليد عنها من قبيل قانون استحالة اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما - إن صح التعبير عنه بأنه قاعدة صناعية - فإذا كانت القاعدة الصناعية لا يمكن رفع اليد عنها فتأويل النص أو رفع اليد عنه شيء وجيه ، وأما إذا لم يكن بهذه المثابة وإنما كان بمثابة الاستصحاب السببي والمسبّبي وأن السببي مقدم على المسبّبي فهذه صناعة أصوليّة حاكتها أيدي الأصوليين فإذا فرض أن النص كان مخالفاً لها فنرفع اليد عنها وينبغي أن يجعل ذلك منبّها على بطلانها لا أن تكون تلك الصناعة معصومة عن الخطأ وبسببها نرفع اليد عن ظاهر النص ، وهذه قضية مهمة يجدر الالتفات إليها فإنه يوجد في كلمات بعض القدماء ما يوحي بذلك فينبغي الالتفات إلى أن المناسب هو العكس فنأخذ بالنص ونرفع اليد عن القاعدة لا أن نُحكِّم القاعدة على النص . إذن المناسب في المقام هو أن نأخذ بظاهر النص وإن خالف الصناعة ونستكشف من النص أن صناعتنا باطلة إما مطلقاً أو في خصوص المورد ، أما ما هي نكتة البطلان ؟ ليس من المهم أن نعرفها.
وثانياً:- من قال إن الصناعة تقتضي تقديم الأصل السببي على المسبّبي حتى في حالة التوافق في النتيجة ؟ فإن هذا المطلب وجيه في حالة تخالف النتيجة فإنه بالتالي لابد وأن يؤخذ بأحدهما ولا يمكن الآخذ بكليهما - يعني لا يمكن أن يكونا معاً حجة للتهافت مادامت نتيجة الأصلين مختلفة بل لابد وأن يكون أحدهما حجّة - وأما إذا كانت النتيجة متفقة فلا مانع من جريانهما معاً وكل واحدٍ يكون في نفسه صالحاً للحجيّة بقطع النظر عن الآخر وموردنا من هذا القبيل فإن استصحاب عدم تحقق النوم نتيجته هي بقاء الوضوء كاستصحاب بقاء الوضوء.
إن قلت:- إنه بناءً على مسلك جعل العلميّة في باب الاستصحاب وأن المجعول هو العلميّة والطريقيّة فسوف يكون جريان الأصل السببي موجباً لارتفاع الشك المسبّبي ومع ارتفاعه كيف يجري آنذاك الأصل المسببي ؟
[1]
إذن بجريان الأصل السببي يرتفع الشك المسبّبي لأن هذا لازم جعل العلميّة في باب الاستصحاب - أو الإحراز في باب الاستصحاب - فلا يجري الأصل المسبّبي لارتفاع موضوعه.
قلت:- المفروض أن الشك الوجداني بَعدُ موجودٌ لا أنه مرتفع ومادام موجوداً فلا مانع من التعبّد آنذاك بجريان الأصل المسبّبي بعد فرض وجود الشك الوجداني.
إن قلت:- يلزم من ذلك محذور اللغوية فإن الأصل السببي إذا عبدنا الشارع به وصرنا عالمين بعدم النوم فهذا معناه أنا صرنا عالمين ببقاء الوضوء لأن بقاء الوضوء هو من الآثار الشرعية لعدم تحقق النوم فصرنا عالمين ببقاء الوضوء وعلى هذا الأساس يلزم من إجراء الاستصحاب المسبّبي اللغوية بعد أن عُبِّدنا من خلال الاستصحاب الأول بأنا عالمون بعدم النوم وبالتالي عُبِّدنا بأنا عالمون ببقاء الوضوء.
قلت:- إن هذا التعبّد بالعلميّة هو لغوٌ من الأساس في هذا المورد إذ بالتالي سواءً عبدنا الشارع بأنا عالمون ببقاء عدم النوم أو لم يعبدنا فإنه بالتالي يمكن إثبات بقاء الوضوء من ناحية استصحاب بقاء الوضوء ، فالوضوء إذن يمكن إثباته على جميع التقادير بلا حاجة إلى تعبّد بالعلميّة ، يعني جعل المكلف عالماً بعدم النوم لا ثمرة له في المقام وإنما له ثمرة إذا كان الأصل المسبّبي مخالفاً بحسب النتيجة إذ سوف تتغير النتيجة حينما نجعل عالمين بواسطة الاستصحاب السببي أما إذا فرض أن النتيجة كانت واحدة فسواء جُعلنا عالمين أو لم نجعل عالمين فالنتيجة تبقى ليست متغيرة فلا ثمرة في جعل العلميّة في مثل ذلك . إذن إن كانت هناك لغويّة فهي ثابتة من الأساس - يعني جعل العلميّة في موارد الأصلين المتوافقين هو لا ثمرة عمليّة له فأي فائدة في العبد بالعلمية ؟! - وإنما له ثمرة في الأصلين المتخالفين.
والخلاصة:- إنه لا مانع من جريان الأصلين السببي والمسبّبي ما داما متوافقين من حيث النتيجة ، وعليه فلا يمكن رفع اليد عن الصحيحة لأجل أننا ننكر كون الصناعة مقتضية لعدم جريان الأصل المسببي في حالة اتفاق النتيجة وإنما نسلّمه - لو سلمنا المطلب - في حالة التخالف في النتيجة.
هذا كله بالنسبة إلى الصحيحة المذكورة وقد اتضح أنها تامة الدلالة على الاستصحاب لا في خصوص المورد بل في عامة الموارد.
الصحيحة الثانية:- وهي لزرارة أيضاً وهي ما رواه في باب النجاسة الخبثية التي تصيب ثوب المصلي ، وهذه الرواية طويلة وتشتمل على ستة أسئلة والشاهد هو في جواب السؤال الثالث وجواب السؤال السادس ، ولكن من المناسب الاطلاع على كامل الرواية فإن ذلك قد يؤثر على فهمها ، ومن المؤسف أن صاحب الوسائل(قده) لم يذكرها بشكلٍ كامل في موردٍ من موارد الوسائل وإنما نقل منها مقاطع حسب مناسبة الباب وهذا من أحد سلبيات كتاب الوسائل
[2]
، وعليه فلابد من مراجعة المصدر الأصلي وهو التهذيب أو الاستبصار أو كتاب العلل للشيخ الصدوق فإن هذين العلمين قد روياها ، وهي مضمرة أيضاً كالصحيحة السابقة . نعم ما يهوّن الخطب هنا هو أن الشيخ الصدوق(قده) رواها في العلل مسندةً إلى أبي جعفر عليه السلام . إذن لا مشكلة فيها من هذه الناحية فمن شكك في البيان العام الذي ذكرناه لإثبات حجيّة المضمرات فبإمكانه الرجوع إلى السند المذكور في العلل.
وعلى أي حال جاء في التهذيب:-
( الحسين بن سعيد
[3]
عن حمد عن حريز عن زرارة قال:- قلت:- أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيٍّ فعلّمت أثره إلى أن أصيب له من الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثم أني ذكرت بعد ذلك ، قال:- تعيد الصلاة وتغسله ، قلت:- فإني لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته ، قال:- تغسله وتعيد ، قلت:- فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثم صليت فرأيت
[4]
فيه ، قال:- تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت:- لم ذلك ؟ قال:- لنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ، قلت:- فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدرِ أين هو فأغسله ؟ قال:- تغسل من ثوبك الناحية بتي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ، قلت:- فهل عليّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال:- لا ولكنك إنما تريد أن تُذهِب الشك الذي وقع في نفسك ، قلت:- إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال:- تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته . وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقِع عليك فليس لك أن تنقض اليقين بالشك )
[5]
.
[1]
وكان من المناسب ذكر هذه المناقشة من ( ان قلت ، قلت ) في باب مبحث الأصل السببي والمسببي ولكن لا بأس بالإشارة إلى ذلك هنا.
[2]
وعلى أي حال ذكر بعضا منها في باب 7 من أبواب النجاسات ح2 و في الباب37 من أبوب النجاسات ح1 وفي الباب34 من أبواب النجاسات ح1 وفي الباب42 من ابوا النجاسات ح2 وفي الباب44 من النجاسات ح1.. وهكذا.
[3]
وواضح أن سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح كما في المشيخة والفهرست.
[4]
هكذا في التهذيب ولكن في العلل ( فرأيته ).
[5]
التهذيب، ج1 ص421.