الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
 وينبغي أن يكون واضحاً إن هذه الصحيحة هي دالّة على حجيّة الاستصحاب بلحاظ موردها - أعني باب الوضوء لمن شك في بقاء وضوئه نتيجة أنه حرّك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم به هنا حتماً هي قد على حجيّة الاستصحاب - فإن الإمام عليه السلام قد صرّح بذلك وقال:- ( لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء منذ لك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين أبداً بالشك ) . إذن هي في موردها لا إشكال في أنها دالة على حجيّة الاستصحاب ، وإنما الكلام هو في أنه هل يمكن أن نستفيد منها حجيّة الاستصحاب بلحاظ الأعم من ذلك - يعني في جميع الموارد لا في خصوص باب الوضوء - فإن المهم للأصولي أو للفقيه هو هذا حتى يصير قاعدة أصولية بيد الفقيه يستفيد منها في باب التطبيق.
 وقد يقول قائل:- إن الامام عليه السلام أعطى قاعدة كلية حيث قال:- ( ولا تنقض اليقين أبداً بالشك ) وهذه قاعدة كليّة وعمومها لغير باب الوضوء أمر واضح . إذن لا موجب للتوقف من هذه الناحية أيضاً.
 وجوابه:- إنه لو فرض أن الامام عليه السلام ذكر هذا المطلب والكلام ابتداءً ووحده بأن فرض أنه قال هكذا:- ( أيها المؤمنون لا تنقضوا اليقين أبداً بالشك ) فلا إشكال بأن نستفيد منها العموم في كل الموارد ، ولكن توجد عبارة قد توجب التشكيك في هذا العموم وهي قوله عليه السلام قبل هذه القاعدة ( وإلا فهو على يقين من وضوئه ) ثم قال بعد ذلك ( ولا تنقض اليقين أبداً بالشك ) فيحتمل أن تكون الألف واللام في كلمة ( اليقين ) إشارة إلى اليقين المعهود في الجملة السابقة - يعني ( ولا تنقض اليقين بالوضوء أبداً بالشك ) - إنه يحتمل هذا فلابد إذن من صبً الجهود لإثبات أن هذه اللام في كلمة ( اليقين ) هي جنسيّة وليست عهدية ، ومن الطبيعي احتمال أن تكون عهدية يكفي في سقوط الرواية عن صلاحية الاستدلال بها ولابد من استظهار أنها جنسيّة أما إذا لم نستظهر ذلك واحتملنا أنها عهديّة بطل الاستدلال آنذاك.
 إذن النقطة المهمّة هي أنه لابد من بذل الجهود لإثبات أن هذه اللام جنسية وأن هذه القاعدة قاعدة عامة لا تختص بباب الوضوء لأن اللام جنسيّة ، ولكن كيف إثبات ذللك ؟
 ذكر الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل وقريب من ذلك ذكر الشيخ الخراساني(قده) ولعله نفسه ولكن مع بعض الاضافات ولكن الروح واحدة فإنه(قده) ذكر أن قوله عليه السلام ( وإلا ) هو مركب من ( إن ) الشرطية و ( لا ) - يعني ( وإن لا ) - وأداة الشرط كما نعرف أنها تحتاج إلى فعل الشرط وجواب الشرط وفعل الشرط واضح وهو ( وإن لم يستيقن أنه قد نام ) فـ( يستقين ) هو فعل الشرط وحذف لوضوحه اعتماداً على الجملة السابقة حيث جاء فيها ( قال:- لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين وإلا ) يعني إن لم يستيقن أنه قد نام أو لم يستيقن من الأمر البيّن.
 وهذا لا يؤثر ففعل الشرط معلوم بلا إشكال وإنما المهم هو أنه أين جواب الشرط وما هو ؟ هناك ثلاثة احتمالات:-
 الاحتمال الأول:- أن نقول إن جواب الشرط محذوف وأقيمت علّته مقامه فالتقدير هكذا ( وإن لم يستيقن من الأمر البيّن أو أنه قد نام فلا يجب عليه الوضوء ) . إذن جملة لا يجب عليه الوضوء تصير هي الجواب المحذوف وإنما حذفه عليه السلام لدلالة الكلام السابق عليه إذ ذكر فيما سبق هكذا ( قلت:- فإن حُرِّك على جنبه شيء ولم يعلم به ؟ قال:- لا ) وما المقصود من ( لا ) ؟ المقصود هو ( لا يجب عليه الوضوء ) فالإمام عليه السلام قال ( إنه لا يجب عليه الوضوء ) فلأجل أنه ذكره سابقاً حذفه بعد ذلك اعتماداً على وضوحه مما سبق ولمّا حذف الجواب أقيمت العلّة مقامه ، والعلة لعدم وجوب الوضوء ما هي ؟ هي صغرى وكبرى وهما ( فإنه على يقين من وضوئه ) وهذه هي الصغرى ، والكبرى هي ( ولا تنقض اليقين أبداً بالشك ) . إذن جواب ( إن ) الشرطية محذوف وعلّة ذلك الجواب المحذوف هو صغرى وكبرى . وبناءً على هذا الاحتمال سوف نستفيد ببركة الصغرى والكبرى العموم فإن التعليل بهما يستفاد منه العموم وبالتالي يثبت المطلوب.
 الاحتمال الثاني:- هو أن يكون الجزاء المقدّر هو جملة ( فإنه على يقين من وضوئه ) والتقدير هكذا ( وإن لم يستيقن أنه قد نام فإنه على يقينٍ من وضوئه ) فيكون هذا جواباً ، وواضح أن هذا يحتاج إلى - وإن لم يقل هو ذلك ولكن نحن نقول - نحوّله من جملة خبريّة إلى جملة إنشائية وإلا فلا يصلح أن يكون جواباً والمعنى يكون هكذا:- ( وإن لم يستيقن أنه قد نام فيبقى على يقينه الوضوئي ) فنؤوّل جملة ( فإنه على يقين من وضوئه ) الخبريّة بجملةٍ انشائية وهي ( إنه باقٍ على وضوئه ) . ولا إشكال أن هذا الاحتمال مخالف للظاهر لأنه يحتاج إلى تحويله من جملة خبريّة إلى جملة إنشائية كما أوضحنا.
 الاحتمال الثالث:- أن يكون الجواب المحذوف هو جملة ( ولا تنقض اليقين أبداً بالشك ) والجملة السابقة - أعني جملة ( فإنه على يقين من وضوئه ) - ذكرت تمهيداً للجواب وقد نُقِلت الفاء التي من المناسب أن تدخل على الجواب إلى التمهيد وهو ( إنه على يقين من وضوئه ) . وهذا الاحتمال كما ترى مخالفٌ للظاهر فالمتعين هو الاحتمال الأوّل وبذلك يثبت العموم لأنه تعليلٌ بصغرى وكبرى ، مضافاً إلى ما سنبيّنه فيما بعد.