الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
 الاستدلال بالأخبار:-
 إن أهم ما يمكن أن يستدل به على حجيّة الاستصحاب هو الأخبار حث ذكرنا أن المستندين السابقين قابلان للمناقشة ، والتمسك بالأخبار قضية حدثت في زمنٍ متأخر وإلا فلا توجد إشارة إليها كلمات المتقدمين بل كانوا يستدلون بأدلة أخرى كما ذكرنا بعضها سابقاً ولعل أوّل من التفت إلى إمكان التمسك بالأخبار والد الشيخ البهائي(قده).
 وعلى أي حال لزرارة في هذا المجال صحاح ثلاث والطابع العام عليها كما سوف نلاحظ هو الضبط والدقة وحسن السؤال والالتفات إلى النكات على خلاف ما نجده في روايات بعض الرواة الآخرين فإنه قد لا نلمس ذلك بينما في هذه الروايات نلمس ذلك بوضوحٍ ن وهذه قضية جانبية لا بأس بالالتفات إليها والصحاح هي:-
 الصحيحة الأولى:- ( قلت له:- الرجل ينام وهو على وضوءٍ أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء ؟ فقال:- يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء ، قلت:- فإن حُرِّك على جنبه شيء ولم يعلم به ، قال:- لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلا فإنه على يقينٍ من وضوئه ولا تنقض [1] اليقين أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر ) [2] .
 والكلام في هذه الرواية يقع تارة من حيث السند وأخرى من حيث الدلالة:-
 أما من حيث السند فتوجد مشكلتان:-
 المشكلة الأولى:- إن صاحب الوسائل(قده) نقل الرواية هكذا:- ( محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة قال:- قلت له ..... ) ولو كان الأمر بهذا الشكل فلا إشكال في السند فإن الحسين بن سعيد وحمّاد وحريز وزرارة هم بأجمعهم من أجلّة أصحابنا وطريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح على ما هو موجود في المشيخة والفهرست فلا مشكلة إذن ، ولكن إذا رجعنا إلى التهذيب [3] وجدناه يقول هكذا:- ( وبهذا الاسناد عن الحسين بن سعيد ... ) فإنه يظهر من خلال هذا العبير أن طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد هو ما أشار إليه بقوله ( وبهذا الإسناد ) - يعني الذي أشرنا إليه في الروايات السابقة - وإذا رجعنا إلى الروايات السابقة وجدناه يقول:- ( أخبرني الشيخ أيده الله [4] عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى وعن الحسين بن الحسن بن أبان جميعاً عن الحسين بن سعيد ) فإنه بمقتضى هذا الإسناد يكون طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في صحيحة زرارة هذه هو هذا الطريق ، وهذا الطريق توجد فيه مشكلة على بعض المباني فإن أحمد بن محمد بن الحسن هو ابن الوليد القمّي وقد ذكرنا أكثر من مرَّة أن هناك أحمدان هما من مشايخ الاجازة وقد وردت بعض الأصول الأربعمائة من طريقهما ولكن لا يوجد في حقهما توثيق [5] وهما أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد القمّي فإنه لم يذكر بتوثيق وإن كان والده من أعاظم وثقات أصحابنا والآخر هو أحمد بن محمد بن يحيى الأشعري العطار فأنه لم يذكر بتوثيقٍ أيضاً وإن كان والده من ثقات وأجلة أصحابنا ، فعلى مبنى السيد الخوئي(قده) الذي يرى أن شيخوخة الإجازة لا تكفي في إثبات الوثاقة وهكذا مبنى السيد الشهيد تحصل مشكلة في هذا الطريق . وأما الحسين بن الحسن بن أبان فهو لا يضرّ حتى بناءً على عدم وثاقته باعتبار أنه طريق آخر - يعني بتعبير آخر هو طريق آخر لأن الصفار يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وعن الحسين بن الحسن بن أبان وكلاهما يرويان عن الحسين بن سعيد فيكفينا وثاقة ابن عيسى فلا مشكل من هذه الناحية - وإنما المشكلة هي من ناحية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد فكيف التغلب عليها بناء على عدم كفاية شيخوخة الإجازة في إثبات الوثاقة ؟
 إن الوسيلة للتغلب على ذلك هو أن يقال:- إن الشيخ(قده) قد بدأ السند في تهذيبه بالحسين بن سعيد وقال ( بالإسناد السابق أروي عن الحسين بن سعيد ) وهذا معناه أن الرواية قد أخذها من كتاب الحسين بن سعيد حيث ابتدأ به السند وحينئذٍ تشملها تلك الطرق التي ذكرها في الفهرست والمشيخة فإنه في ترجمة الحسين بن سعيد ذكر ( إني أروي جميع كتبه بطرقٍ متعددة ) وقد ذكر في بعضها طرقاً صحيحة لا إشكال فيها ومن جملة تلك الطرق هو هذا الطريق الذي أشار إليه بقوله ( وبهذا الإسناد ) ومعه نقول نضمّ إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أن ظاهر تعبير الشيخ بـ( أروي كتب وروايات الحسين بن سعيد بهذا الطريق وبهذا الطريق وبهذا .... ) ظاهره أن كل رواية وصلت إليه ببعض الطرق هي قد وصلت إليه بالطرق الأخرى فهذه الطرق هي طرق إلى كل رواية رواية لا أن بعضها طرقاً إلى مجموعةٍ من الروايات والبعض الآخر طرقاً إلى مجموعة ثانيةٍ ... وهكذا ، كلا بل ظاهر تعبيره هذا هو أن كل رواية وصلت بطريقٍ هي قد وصلت بالطريق الآخر أيضاً وحيث أن بعض هذه الطرق صحيحة فيمكن التعويض بها عن ذلك الطريق الضعيف وهذا موردٌ ومصداقٌ لنظرية التعويض وهو تطبيقٌ مقبولٌ فأن لنظرية التعويض - كما قلنا - مصاديق متعددة أحدها هذا وهو تطبيقٌ مقبولٌ.
 إن قلت:- هذا وجيه إذا لم يذكر الشيخ الطوسي طريقاً بعينه عندما نقل الرواية كما لو فرض أنه قال مبتدئاً السند بقوله ( الحسين بن سعيد ) من دون أن يقيّده بقوله ( بالإسناد السابق ) أما بعد أن قيّد بالإسناد السابق فيأتي احتمال أن السند السابق له خصوصية هنا - يعني أن هذه الرواية بخصوصها قد نقلها بهذا السند - فكيف نطبّق نظرية التعويض في هذا المورد بعد فرض أنه ذكر السند وكان ضعيفاً ؟
 قلت:- هذا الاحتمال وجيه إذا فرض أن هذا السند الذي ذكره هنا لم يكن هو أحد الطرق المذكورة في المشيخة والفهرست أما بعدما فرض أن هذا السند بخصوصه هو من أحد الطرق المذكورة في ترجمة الحسين بن سعيد وقد أشار إليه الشيخ الطوسي هناك فحينئذ نلغي احتمال خصوصيته فإن ظاهر عبارته هو أن كل ما وصله بتلك الطرق فقد وصله بالطرق الأخرى وبالتالي يكون ذكر الشيخ لذلك الطريق بخصوصه هو من باب المثال لا من باب الخصوصية له ، نعم يأتي احتمال الخصوصية - كما ذكرنا - فيما إذا لم يكن هذا السند وهذا الطريق قد ذكر كواحدٍ من الطرق في المشيخة والفهرست في ترجمة الحسين بن سعيد أما بعد ذكره كواحدٍ من الطرق فاحتمال الخصوصية يزول ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 وعليه فمن هذه الناحية لا يوجد إشكال في السند وقد ذكرنا أن هذا الكلام يأتي بناءً على أن شيخوخة الإجازة لا تكفي أما بناءً على كفايتها خصوصاً المعروفين منهم فالمشكلة زائلة من الأساس دون الحاجة إلى هذا البيان.
 المشكلة الثانية:- مشكلة الإضمار ، باعتبار أن زرارة قال:- ( قلت له ) أي أنه ذكر ضميراً ولم يذكر مرجعه ومن قال إن المسؤول هو الإمام عليه السلام إذ لعله شخصٌ آخر ليس هو الإمام عليه السلام كمحمد بن مسلم أو من شاكله من أعاظم الرواة ؟ وهذه مشكلة سيّالة ولا تختص بهذه الرواية.
 وقد أجيب عن ذلك بأجوبة متعددة أحدها الجواب المعروف:- وهو أن زرارة من أجلة الأصحاب ولا يليق به أن يروي عن غير الإمام عليه السلام.
 وهذا الجواب لو تمّ فينبغي أن نفصِّل على أساسه بين المضمرات فالتي يكون الراوي فيها من أجلّة الأصحاب فيأتي فيه هذا البيات أما إذا لم يكن من أجلة الأصحاب فتكون ساقطة عن الاعتبار . وعلى أي حال إن جلالة المُضمِر تكون مثبتة لكون المسؤول هو الإمام عليه السلام ، وواضح أن هنالك مقدمة مطويّة حذفت لوضوحها والمقصود أنه يحصل الاطمئنان آنذاك بكون المسؤول هو الإمام عليه السلام فجلالة المُضمِر تورث الاطمئنان المذكور فالنهاية التي لابد وأن نستعين بها هي الاطمئنان إذ من دون إدخال الاطمئنان في الحساب لا تكفي مجرّد جلالة الراوي لإثبات كون المسؤول هو الامام عليه السلام.
 وفيه ما أشرنا إليه غير مرَّة:- من أن هذا يتمّ فيما لو فرض أن زرارة كان قد روى هذه الراية في أواخر عمره - أي حينما بلغ من الجلالة والعظمة قدراً كبيراً - ولكن من قال أنه رواها في أخريات حياته فلعله رواها في أوليات حياته حيث كان يناسبه أن يروي عن مثل محمد بن مسلم مثلاً ؟ وهذه حالة طبيعية ووجدانية فأنا وأنت قبل أن نصبح بعنوان ( سماحة الشيخ ) قد نروي وندرس عند فلان وفلان وأما بعد أن أصبحنا بهذه الألقاب العالية فلا نحضر درس فلان وفلان ولا نروي عن فلان وفلان فلعل زرارة كان من هذا القبيل في أوائل حياته فكيف نثبت أنه الامام حتماً ويحصل الاطمئنان بأن المسؤول هو الإمام عليه السلام ، وهذه نكتة يجدر التفات إليها.


[1] وفي نسخة ( ولا ينقض ).
[2] وسائل الشيعة، ج1، ص245، ب1 من ابوب نواقض الوضوء، ح1، ط آل‌البيت.
[3] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص8.
[4] أي الشيخ المفيد.
[5] أما لماذا ؟ فهذا لا شغل لنا به الآن بل هذا هو الواقع.