الموضوع:- التمسك بالسيرة / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
قضيتان جانيتان لا بأس بالالتفات اليهما:-
القضية الأولى:- إنه لو قبلنا السيرة على الأخذ بالحالة السابقة كما قبلها الشيخ النائيني والسيد الشهيد فيلزم على ذلك عدم إمكان التمسك بإطلاق روايات الاستصحاب في مورد الشك ، فمثلاً لو شككنا في أن روايات ( لا تنقض ) هل تشمل مورد الشك في الرافع فقط عند الجزم بتماميَّة المقتضي أو تعمّ حالة الشك في المقتضي أيضاً ؟ فإن الشيخ الأنصاري فصَّل وقال إنه في موارد الشك في المقتضي إذا كنّا نشك في اقتضاء الشيء السابق في حدِّ نفسه للبقاء كخيار الغبن الذي نشك في قابليته للبقاء بعد اطلاع المغبون على كونه مغبوناً وعدم المسارعة إلى إعمال الخيار فهما نشك في ثبوت الخيار وهذا الشك شك في المقتضي وليس في حدوث الرافع فهو لم يتصرف في الثمن أو في المثمن ولم يقل ( فسخت ) إنه لا يوجد رافع ولكن نشك في البقاء للشك في المقتضي ففي هذا المورد قال الشيخ الأنصاري(قده) إنه لا يجري الاستصحاب وإنما يختص بموارد تماميّة المقتضي والشك في الرافع.
فإنه في مقام ردّه يتمسك بالإطلاق فيقال:- إن الروايات مطلقة .
ولكن بناءً على تسليم السيرة يلزم عدم إمكان التمسك بالإطلاق لأجل أن الإطلاق في مورد السيرة لا ينعقد أكثر مما عليه السيرة فالإطلاق آنذاك يكون إمضاءً لما عليه السيرة ويتحدّد بحدودها فيلزم عدم إمكان التمسك به في مورد الشك ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها فالذي يسلّم بالسيرة لا يمكنه آنذاك التمسك بالإطلاق في مورد الشك ، نعم من ينكر السيرة من حقة آنذاك التمسك بالإطلاق.
وبالجملة:- يصير هناك تهافت بين التسليم بالسيرة وبين التمسك بالإطلاق في مورد الشك فلو كان الشيخ النائيني(قده) مثلاً - الذي هو من المسلمين بالسيرة - يتمسك بالإطلاق في مورد الشك يلزم التهافت آنذاك بين المبنيين وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها .
القضية الثانية:- إننا ذكرنا أن انعقاد السيرة عندنا مورد تردد ، وقد يقول قائل آنذاك:- كيف ذكرت فيما سبق أن الاستصحاب هو وليد التزاحم بين الملاكين وترجيح احتمال البقاء من باب أن التفاعل النفسي أو تفاعل العقلاء مع الحالة السابقة وأنهم يميلون إلى ذلك أوليس هذا تنافياً بين تسليم هذا - أي تفاعل العقلاء مع الحالة السابقة - وبين التردّد في انعقاد السيرة ؟
والجواب:- إن التفاعل النفسي أو الارتكاز الذهني العقلائي له مرتبتان فتارةً يكون بمرتبة قويَّة وشديدة يستدعي السير الخارجي على طبقه وأخرى يكون ذلك الارتكاز بمرتبة ضعيفة لا تكون على طبقه سيرة خارجية بالفعل ، فمثلاً وجوب إكرام العالم قضيّة ارتكازية في الذهن العقلائي فلو سألنا العقلاء وقلنا لهم ( هل إكرام العالم واجب ؟ ) فيقولون ( نعم فإنه عالم ) ولكن هل هناك سيرة خارجية على اكرامه ؟ إنه قد لا تكون هناك سيرة خارجية على ذلك ولكن عدم انعقاد هذه السيرة الخارجية لا يتنافى مع وجود ذلك الارتكاز المودع في ذهن العقلاء ونحن فيما سبق حينما ادعينا أن هناك تفاعلاً عقلائياً أو ميلاً نفسياً للأخذ بالحالة السابقة كنا نقصد هذا الارتكاز بمرتبته الضعيفة وهذا لا يتنافى مع تردّدنا بانعقاد السيرة الخارجية فإن النزاع بين الأعلام هو في هذه السيرة الخارجية على الأخذ بالحالة السابقة التي يكون السكوت وعدم الردع عنها دالّاً على الإمضاء وأما ذلك الارتكاز الضعيف فسكوت الشارع عنه لا يدلّ على الإمضاء لأنه ارتكاز ليس بشديدٍ حتى يجرّ إلى المخالفة فيحتاج الشارع إلى الردع عنه لو لم يكن موافقاً له ، كلا إنه ضعيف لا يتخوّف منه ، وعلى هذا فلا يوجد تنافٍ بين المطلبين.