الموضوع:- النسبة بين الاستصحاب ومعارضه / الاستصحـاب / الأصول العملية.
والمناسب رفض جميع ما ذكره الأعلام الثلاثة:- والوجه في ذلك هو أنه في باب أخذ النسبة لابد وأن تُلحظ النسبة بين الكلامين الصادرين من المتكلم الواحد فالإمام عليه السلام حينما قال هذا الكلام وقال ذلك الكلام فالمناسب ملاحظة النسبة بين كلاميه أما ملاحظة النسبة بين شيءٍ آخر ليس من كلامه فلا معنى له وهذا من الأمور الواضحة ، وإذا قبلنا بهذا فنقول آنذاك إنه في باب خبر الثقة إن الصادر من الإمام أو من الشرع هو نفس خبر الثقة فخبر الثقة هو المضمون الصادر والكلام الصادر من الإمام عليه السلام فمن الوجيه آنذاك أن تُلحظ النسبة بين خبر الثقة نفسه وبين ذلك المعارض فإن خبر الثقة هو نفس ما صدر من الإمام والنسبة تلحظ بين الصادرين من المتكلم الواحد ، وهذا بخلافه في الاستصحاب فإن الاستصحاب في هذا المورد الخاص لم يصدر من الإمام عليه السلام فلا معنى لملاحظة النسبة بينه وبين المعارض سواء قلنا بكونه أمارة أو أصلاً بل نلاحظ ما صدر منه عليه السلام والذي صدر منه هو صحيحة زرارة فالنسبة لابد وأن تلحظ بين صحيحة زرارة - التي هي مستند حجيّة الاستصحاب - وبين المعارض ، ومن هنا ترى أنه لو كانت لدينا بيّنتان ووقع التعارض بينهما فهذه شهدت بشيءٍ وتلك شهدت بشيءٍ آخر فهل نجمع بين نفس البينتين -وواضح أن البيّنتان كانتا في شبهة موضوعية -؟ كلا ثم كلا رغم أن البيّنة هي أمارة فإنه رغم كونها أمارة لا نعتني لها في مقام الجمع وإنما نلحظ دليل حجيّتها أما نفس هذه البيّنة مع نفس تلك البيّنة فلا نجمع بينهما بل يتساقطان عند المعارضة لا أنه نجمع أو نرجّح بينهما ببعض الوجوه وما ذاك إلا لأجل النكتة التي أشرنا إليها وهي أن الجمع والقرينية إنما تكون بين الكلامين الصادرين من متكلم واحد ونفس هذه البيّنة ليس فيها الكلام الصادر من الإمام ونفس تلك البيّنة ليست هي نفس الكلام الصادر من الإمام ولا أنهما صادران من متكلم واحد فلا معنى للجمع بينهما بل يتساقطان عند التعارض من دون إعمال المرجّحات أو وجوه الجمع . إذن المدار هو على ملاحظة ما صدر من المتكلم في هذا الجانب و ما صدر منه في ذلك الجانب ونلحظ النسبة بينهما ، وبذلك يكون ما أفاده السيد بحر العلوم(قده) مرفوضاً - فإنه قال نحن نلحظ النسبة بين نفس الاستصحاب والمعارض - لما ذكرنا من أن نفس الاستصحاب ليس هو الصادر من الإمام ، وهكذا ما أفاده الشيخ الأعظم يكون مرفوضاً باعتبار أنه في مقام مناقشة السيد بحر العلوم قال ( إن الاستصحاب ليس بنفسه دليلاً على الحكم وإنما هو نفس الحكم ) إن هذا التعليل عليلٌ فإن الاستصحاب سواء كان هو الحكم أو هو دليل على الحكم فإنه بالتالي ليس هو الصادر من الإمام عليه السلام والمناسب تسليط الأضواء على ما هو الصادر منه عليه السلام ، وأيضاً يرفض التفصيل الذي أفاده السيد الخميني(قده) فإنه سواء قلنا بأن الاستصحاب أمارة أو أصل لا معنى لأخذ النسبة بينه وبين المعارض إذ ليس هو الكلام الصادر من الإمام.
والخلاصة:- إنه حيث في باب النسبة لابد من ملاحظة الصادرين من المتكلم الواحد فحينئذ لا معنى لأخذ النسبة بين نفس الاستصحاب وبين المعارض فإن الاستصحاب في المورد الخاص سواء قلنا هو أصل أو هو أمارة ليس هو الصادر من الإمام حتى تلحظ النسبة ينه وبين المعارض.
وبهذا ننهي كلامنا عن هذه القضايا الجانبية التي ذكرناها كمقدمة.
حجيّة الاستصحاب
استدل القدماء ببعض الأدلة التي أشار إليها صاحب المعالم(قده) ونقلنا بعضها فيما سبق كما وأشار إليها الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل وتلك الأدلة - التي هي أربعة أو أكثر - لا تستحق أن تذكر ، من قبيل ما ذكرناه سابقاً من أن المقتضي لثبوت الشيء متحقق والحالة الطارئة لا تصلح أن تكون مانعاً من تأثير المقتضي فيلزم الحكم بتحقق المقتضى ، إن هذا وما شاكله لا يستحق أن يذكر والمهم هو دليلان السيرة والأخبار ، وربما يضاف إليهما التمسك بفكرة الظن بالبقاء ولعله يوجد في بعض كلمات القدماء ما يلمِّح إلى استنادهم إلى هذا الدليل الثالث ، وعليه فالأدلة ثلاثة وإن كان المهم منها اثنين:-
الدليل الأول:- الأخذ بالظن ، ببيان أن الحالة السابقة إذا كانت ثابتة بنحو الجزم واليقين ففي الزمان اللاحق سوف نظن ببقائها فيحكم ببقائها لأجل الظن المذكور.
وجوابه واضح:- فإن الصغرى مرفوضة والكبرى كذلك.
أما الصغرى:- وهي أن الشيء إذا كان ثابتاً سابقاً فهو يظن ببقائه لاحقاً - فليست مسلّمة بنحو القضيّة الكليّة وإنما ذلك يختلف باختلاف الموارد سواء أريد من الظن هو الظن الشخصي أم أريد به الظن النوعي ولا فرق بينهما من هذه الناحية ، أما الظن الشخصي فواضحٌ لأنه في بعض الموارد نحن نشعر بالوجدان أنه يحصل لنا ظنّ بالبقاء ولكن في بعض الموارد الأخرى لا يحصل لنا ظنّ بالبقاء فالموارد تختلف والأشخاص يختلفون فلا يمكن أن نجعل أمراً كلياً وهو أنه دائماً يحصل ظناً شخصياً بالبقاء بل أحياناً يحصل واحياناً لا يحصل.
وإذا أريد الظن النوعي - بمعنى أن الطابع العام للناس هو حصول الظن بالبقاء وإن كان يتخلّف عن ذلك شخص أو شخصين - فنجيب بذلك أيضاً فنقول إن هذا يختلف باختلاف الموارد أيضاً فالبناء القوي الثابت سابقاً يُظَن ببقائه لاحقاً بالظن النوعي وأما غير القوي فلا يُظَن ببقائه فالشاب القوي يُظن ببقائه وأما الشيخ الكبير فلا يُظن ببقائه على مستوى الظن النوعي . إذن لا يمكن إعطاء قاعدة كليّة - وهو أنه في جميع الموارد يوجد ظنّ بالبقاء على مستوى الظنّ الشخصي أو على مستوى الظن النوعي - وهذا مطلب واضح.
وأما من حيث الكبرى:- فلو سلّمنا الصغرى وأنه يحصل ظنّ بالبقاء فمن قال إن هذا الظن حجّة ؟ نعم لو كنّا نبني على الانسداد فنحكم بحجيّته ولكن فكرة الانسداد باطلة . إذن لا معنى للحكم بحجيّة هذا . نعم قد تدّعي التمسك بالسيرة العقلائية لإثبات الحجيّة فتقول إن هذا الظن بالبقاء هو حجّة لخصوصيّة فيه وهي انعقاد السيرة على العمل على طبق الحالة السابقة ، وهذا شيء له وجاهة ولكن هذا يعني التمسك بالدليل الثاني الذي سوف يأتي - أعني السيرة العقلائية - ونحن في هذا الدليل قد فرضنا قطع النظر عن الدليل الثاني وإذا قبلنا السيرة فسوف نتمسك بها من البداية بلا حاجة إلى التمسك بالظن وإنما نقول إن السيرة العقلائية قد جرت على الأخذ بالحالة السابقة بلا حاجة إلى هذا التطويل.
إذن هذا الدليل مناقش صغرىً وكبرى ، وقد أشار صاحب الكفاية إلى هذا الدليل مع جوابه حيث قال:- ( الوجه الثاني:- أن الثبوت في السابق موجب للظن في اللاحق . وفيه منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلاً ولا نوعاً فإنه لا وجه له أصلاً إلا كون الغالب فيما ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم ، وهو غير معلوم
[1]
. ولو سُلّم فلا دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجّة على عدم اعتباره بالعموم
[2]
) . إذن هذا الدليل واضح الوهن ولا يستحق الذكر والمهم هو الدليلان الثاني والثالث وهما السيرة والأخبار.
[1]
ومقصوده من ( غير معلوم ) يعني أنه الغالب فيما ثبت أن يدون من أين اتيت بها بل يختلف باختلاف الأشياء .
[2]
يقصد بالعموم الآيات وغيرها الناهية عن الظن