الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه التاسع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 فقرة ( لا ضرار )
 إن كل ما تقدم كان حديثاً عن فقرة ( لا ضرر ) وتجلّى من خلال ذلك بعض النكات والمطالب المرتبطة بفقرة ( لا ضرار ) ونحاول هنا جمع تلك المطالب وترتيبها لا أكثر:-
 فالأمر الأول:- ذكرنا أن الفرق بين الضرر والضرار هو أن الضرر أسم مصدر وليس بمصدر يعني أن الضرر هو نفس النقص في البدن أو المال أو العرض وحيثية الصدور من الفاعل ليست ملحوظة فيه وهذا ما يعبّر عن بـ( اسم المصدر ) وهذا بخلاف الضرار فإنه مصدر - أي لوحظت فيه حيثية الصدور من شخصٍ - فالضرار هو صدور الضرر من شخصٍ - وواضح أن المقصود هو صدوره من شخص في حق شخص آخر وإلا صدور من شخص من دون أن يكون في حق شخص آخر لا معنى له كما هو واضح - ويترتب على هذا أن الفقرة الأولى حينما نفت الضرر - أي نفت نفس النقص - وقالت لا نقص ولا ضرر أي في الشريعة فلابد وأن كون المقصود هو نفي الضرر الآتي من قبل أحكام الشريعة فلذلك كانت النتيجة هي نفي كل حكمٍ ضرريٍّ كما فهمه الشيخ الأعظم(قده) ، وأما فقرة ( لا ضرار ) فهي تنفي - ولا تنهى الضرار أيضاً ولازم هذا النفي - أي نفي الصدور - الأول هو النهي فلابد وأن يفترض أن الشرع يكون ناهياً عن إضرار شخصٍ لشخصٍ آخر وإلا فلا معنى لنفي الضرار إذا لم يكن الشارع قد نهى عن إدخال الضرر عليه.
 والأمر الثاني الذي نستفيده:- هو أن جميع الوسائل المؤدية إلى إضرار شخصٍ لآخر هي منتفية إذ لو كانت باقية فنفي الضرار لا يكون له معنىً بعد ثبوت تلك الوسائل المؤدّية إلى الإضرار ومن هنا يمكن أن نقول إن حق الزوجية إذا أدّى إلى الضرار كما لو فرض أن الزوج لم يقصد من إمساك زوجته إلا الإضرار بها فهو لا يؤدي حقوقها وفي نفس الوقت لا يطلقها فهذا قد استفاد من حقِّ الزوجية للإضرار بها فهنا يلزم أن نقول إن هذا الحق ينتفي وإلا فإذا كان هذا الحق باقياً فهذا معناه أن الوسيلة للإضرار مستمرة وثابتة وبالتالي لا معنى لنفي الضرار بعد بقاء وإمضاء الوسيلة المؤدية إليه.
 والأمر الثالث الذي نستفيده من هذه الفقرة:- هو أن الحاكم الشرعي تثبت له الولاية في موارد الضرار ، يعني في مثال الزوجية إذا ثبت للحاكم الشرعي أن الزوج من هذا القبيل فحينئذ لابد وأن تثبت له الولاية على إزالة الزوجية ، فلو كان الفقيه مبسوط اليد أرسل حينئذٍ خلف الزوج وأمره بالطلاق فإن امتنع فيطلقها الحاكم الشرعي بالولاية فنستفيد الولاية من نفي الضرار وإلا فنفي الضرار مع عدم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي لا يمكن الانتفاع بنفي الضرار في مثل ذلك.
 وذكرنا أيضاً في أبحاث سابقة أنه لا نحتاج إلى التطويل بهذا الشكل بل يمكن أن نثبت الولاية للحاكم الشرعي بطريق أسهل وأخصر وذلك بأن نقول:- إن النبي صلى الله عليه وآله أمر الأنصاري بقلع العذق وهذا إعمال للولاية وعلّل بقول ( لا ضرر ولا ضرار ) وهذا معناه أن الولاية ثابتة للحاكم الشرعي بهذا الحديث أما كيف نستفيده ؟ فهذا شيء ليس بمهم بل بفعل النبي نستفيد أن هذا الحديث يثبت الولاية للحاكم الشرعي . إذن نستفيد من هذه الفقرة المباركة هذه المطالب المهمة ، هذا شيء ذكرناه فيما سبق.
 وذكرنا سابقاً أيضاً أن الضرار وإن كان عبارة عن صدور ضرر من شخص في حق شخص آخر لكن ذكرنا أنه لا يبعد أخذ عنصر القصد في معنى الضرار وإذا لم يكن عنصر القصد قد أخذ فلا أقل من أن لا يكون الهدف دفع الشخص الضرر عن نفسه كما في مثال مالك الدار الذي يريد أن يحفر البالوعة فإنه بحفره قد لا يقصد إيقاع الضرر بالجار ولكنه يريد أن يدفع الضرر عن نفسه فهنا قلنا نشك في صدق عنوان الضرار ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها أيضاً.
 وبينّا فيما سبق أيضاً أنه ببركة هذه الفقرة ينحلّ الإشكال الذي ذكر في قصّة سَمُرة فإن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقلع العِذق وتمسك بحديث لا ضرر والاشكال هو أن النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يدفع الضرر عن الأنصاري وإذا به يدخل الضرر على سَمُرة بقلعه للعذق وتمسك بفقرة لا ضرر إن هذا لا معنى له بعد فرض تضرر كلا الطرفين . واجبنا عن هذا إشكال بأنه يمكن أن نقول:- إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقلع العذق لا لأجل فقرة لا ضرر وإنما لأجل فقرة لا ضرار . إذن لأن ثبوت الحق لسَمُرة في بقاء العذق يولّد إضراراً من قبله ولا يندفع هذا الإضرار إلا بزوال هذا الحق فلذلك أمر صلى الله عليه وآله بالقلع.