الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الاشكال الثالث:- يمكن أن يقال إن حديث السلطنة هو ناظر إلى إثبات جواز تصرف المالك من حيثية أنه مالك فمن حيثية أنه مالك يجوز له التصرف من دون منع أما إذا فرض وجود حيثية ثانية تمنع من التصرف فالحديث ساكت عن ذلك ولا يقول بجواز التصرف وتلك الحيثية هي الإضرار بالآخرين وهذا نظير ما إذا قيل ( يستحب أكل الجبن أول الشهر ) ولكن لو فرض أن شخصاً كان يضره أكل الجبن ففي مثل ذلك هل يمكن أن نقول إن الإطلاق يشمل حتى حالة الاضرار ؟ كلا فإن دليل الحكم في مقام البيان من زاوية كونه أكلاً للجبن في أوّل الشهر لا أكثر أما من الزوايا الأخرى - أي من زاوية أنه كان مضراً أو كان مسروقاً أو نجساً - فليس مشمولاً للإطلاق إذ ليس له معنى ، ونفس القضية بالنسبة إلى استحباب أكل الملح فإن من كان لدية ضغط الدم فإن أكله يضرّه فإذا كانت هناك حيثية مانعة فهذه ليست منظوراً إليها فلا يوجد عندنا إطلاق وسيع يشمل ذلك ، وفي مقانا كذلك إذ يمكن إن يقال إن حديث السلطنة ناظر إلى إثبات السلطنة للمالك من زاوية أنه مالك يريد التصرف أما من زاوية أنه يوجب الإضرار بالآخرين فذلك شيءٌ ليس الحديث بصدد البيان من ناحيته وبالتالي لا يجوز التمسك بالإطلاق.
هذه ثلاث إشكالات ظريفة على التمسك بحديث السلطنة.
هذا وقد أشكل الشيخ العراقي(قده) إشكالاً آخر
[1]
وحاصله:- إن حديث السلطنة لا يمكن تطبيقه على المالك من باب أنه معارض بتطبيقه على الجار فالمالك له سلطنة على التصرف في ملكه بحفر البالوعة والجار له سلطنة على ملكه بالمحافظة عليه وبالدفاع عنه فتحصل آنذاك معارضة في موردنا فإذا أراد أن يحفر البالوعة بحجّة أنه مسلط على التصرف في ماله فيمكن للجار أن يمنعه بحجّة أنه يحافظ على ملكه من الخراب.
والجواب:- إن الحديث يشتمل على كلمة ( على ) حيث قال:- ( الناس مسلطون على أموالهم ) وحينما تستعمل كلمة ( على ) يفهم منها أن المقصود هو أن المالك مسلط على إتلاف ماله أو بيعه أو إهداءه أو الوصية به ولا يفهم منه أنه مسلط على المحافظة عليه فإن كلمة ( على ) لا تستعمل بلحاظ المحافظة فلا معنى لأن يقال الإنسان مسلط على المحافظة على أمواله ، ولا أقل إن كلمة ( على ) توجب الانصراف عن مثل المحافظة وتوجب انتقال الذهن إلى التصرفات الأخرى من بيع وشراء وغير ذلك دون المحافظة عليه ، وعليه فالمهم هو الاشكالات الثلاثة الأولى.
ولكن يمكن أن نرفع اليد عن تلك الإشكالات أيضاً بكاملها ونردها كما رددنا الشيخ العراقي(قده) وذلك بأن يقال:- إن مدرك قاعدة السلطنة هو كما ذكر ليس دليلاً لفظياً وإنما هو السيرة العقلائية ولكن نحن قلنا إن القدر المتيقن من السيرة هو حالة عدم الإضرار والآن نريد أن نتراجع ونقول إن واقع السيرة ليس كذلك فإنها جرت على أن الشخص يتصرف في ملكه حتى وإن أوجب التصرف إضراراً بالجار فإن السيرة منعقدة على ذلك فهل ترى عاقلاً توقف في جواز هدم داره إذا كانت قديمة وأرد بناءها بحجة أن الهدم سوف يوجب خلخلةً في جدران بيت الجار ؟ كلا . نعم لو حصل تصدّعاً في دار الجار لزم الضمان لا أن أصل التصرف لا يكون جائزاً ، فالسيرة إذن سيرة وسيعة من هذه الناحية - أي أن واقعها وسيع - لا أنها ضيقة بحالة عدم الإضرار بالجار ، وإذا قبلنا بهذا المطلب فحينئذ ترتفع الاشكالات الثلاثة ، فالإشكال الأول يرتفع كما هو واضح ، والاشكال الثاني - الذي هو أن حديث السلطنة ناظر إلى التصرف المشروع فقط - فنقول إن مثل هذا التصرف مشروع للسيرة ، وهكذا يرتفع الإشكال الثالث - الذي هو أن الحديث ناظر إلى التصرف في حدّ نفسه بقطع النظر عن الإضرار بالجار - فهو يندفع مادامت السيرة وسيعة.
إذن اتضح من خلال هذا أن حديث السلطنة يمكن التمسك به في المقام رغم أنه يتولد من التصرف الإضرار بالجار.
[1]
مقالات الاصول، ج2، ص316 ط حديثة.