الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وأما نكتة تقدم الحاكم:- فهي أن الحاكم يبيّن أن فرد الموضوع هل تحقق أو لم يتحقق ؟ فهو يقول إنه لم يتحقق في مثال ( لا ربا بين الوالد وولده ) حيث ينفي الموضوع وهذا شيء لا ينكره الدليل المحكوم فإن الدليل المحكوم يقول ( الربا حرام ) أما متى يتحقق الربا ؟ وهل يوجد ربا بين الوالد والولد أو لا ؟ إنه ساكت عنه وليس من شأنه ذلك فإذا جاء الدليل الحاكم وقال ( لا ربا بين الوالد والولد ) فحينئذ لا تحصل منافاة بينهما بل هو يقول ما لا يرفضه الدليل المحكوم.
وبكلمة أخرى:- إن الدليل المحكوم يبيّن ثبوت الحكم بنحو القضية الحقيقية دون الخارجية ، يعني أن دليل ( الربا حرام ) يقول ( متى ما صدق عنوان الربا فهو حرام ) أما هل يصدق هنا أو لا يصدق ؟ فهذا ليس من وظيفته ، ولذلك صحّ لنا أن نقول ( إن الحكم العام لا يثبت موضوع نفسه بل يقول متى ما ثبت موضوعي فالحكم ثابت أما متى يثبت موضوعي ؟ إن هذه قضية لا ترتبط بي ) فإذا جاء الحاكم وقال ( لا ربا بين الوالد وولده ) أي أنه نفى الموضوع فهذا مطلبٌ لا يرفضه المحكوم بل المحكوم يقول هذه قضية لا ترتبط بي ومن حقك أيها الحاكم أن تحكم بأنه لا ربا بين الوالد والولد فإني أنا المحكوم أقول ( إذا صدق الربا فهو حرام ) أما هل يصدق الربا بين الوالد والولد ؟ فهذه قضية أنا أجنبي عنها . هذا ما يريد أن يقوله الشيخ النائيني(قده) في وجه تقدم الحاكم على المحكوم ونصّ عبارته هكذا:- ( إن الدليل المحكوم يثبت حكماً على تقديرٍ يكون دليل الحاكم رافعاً لذلك التقدير )
[1]
، وفي فوائد الأصول قال في نكتة تقدم الحاكم :- ( لأن دليل المحكوم إنما يثبت الحكم على فرض وجود موضوعه ..... ودليل الحاكم ينفي وجود الموضوع أو يثبته )
[2]
، وقريب من ذلك ذكر في رسالة لا ضرر حيث قال:- ( لأن المحكوم إنما هو حكم على تقديرٍ والحاكم هادم لذلك التقدير )
[3]
.
وممن ذهب إلى ذلك أيضاً الشيخ الأصفهاني(قده) فإنه ذكر في وجه النكتة بل وفي تفسير الحكومة عين ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ونصُّ عبارته:- ( بل إذا كان لسان الحاكم إثبات الموضوع أو نفيه كفى في التقديم وذلك لأن المحكوم غير متكفلٍ إلا لإثبات الحكم لموضوعه لا أنه متكفل لإثبات موضوعه فلا ينافي بوجهٍ ما دلَّ على نفي الموضوع أو اثباته )
[4]
.
وقد ذكرنا سابقاً أن الشيخ النائيني(قده) يظهر من كلامه أنه يفسِّر الحكومة بنفس النكتة الموجبة لتقدّم الحاكم ولم يجعل مغايرةً بينهما فإنه وإن لم يصرح بذلك ولكن يظهر منه ذلك فإن الحكومة قد فسرَّها بكون الحاكم متصرفاً بالتضييق أو بالتوسعة - أي متصرفا بموضوع المحكوم بالتضييق أو بالتوسعة - ونفس هذا المعنى أخذه في نكتة التقدّم فقال إن الحاكم يتقدم لأنه يتصرَّف في موضوع المحكوم وهو تصرُّفٌ لا يأباه المحكوم ، فيمكن أن نقول إن الشيخ النائيني(قده) فسَّر الحكومة بنفس النكتة الموجبة لتقدُّم الحاكم على المحكوم ، وهذا شيء غير مهم الآن.
والمهم هو التعليق على ما ذكره في وجه تقدم الحاكم إذ يرد عليه:-
أولاً:- إنه قال إن الحاكم يقول شيئاً لا يأباه المحكوم فإن المحكوم يقول ( الربا حرام ) أما متى يصدق أنه ربا ؟ فهذا أنا أجنبي عنه ، والحاكم يقول ( هذا ليس من مصاديق الربا ) إذن لا منافاة بينهما ، هكذا ذكر(قده).
ونحن نقول:- بل هناك منافاة لأن المحكوم حينما قال ( الربا حرام ) فهو يقصد أيّ ربا ؟ إنه يقصد الربا الواقعي - يعني كل ما صدق عليه ربا واقعاً فهو حرام - وبالتالي إذا جاء دليل ونفى الحرمة عن الربا الواقعي ولم يرتضه ومعلومٌ أن الحاكم يصنع ذلك فإنه بالتالي ينفي الحرمة عن بعض أفراد الربا الواقعي فإن ما يجري بين الوالد والولد هو ربا في الواقع والدليل الحاكم يقول ( رغم أنه هو في الواقع ولكن أنا أريد أن أعدَّه ليس بربا وبالتالي أريد أن أنفي الحرمة عن فردٍ من أفراد الربا الواقعي ) إن هذا شيء يتنافى مع ما يقوله الدليل المحكوم ، فالمنافاة ثابتة إذن.
وثانياً:- إن هذا يفسِّر نكتة تقدُّم الحاكم إذا كانت الحكومة على الموضوع دون ما إذا كانت على المحمول ، وأقصد من المحمول يعني الحكم فإن الحاكم تارةً يتصرف في موضوع الحكم مثل ( لا ربا بين الوالد وولده ) فإنه ينفي الربا الذي هو موضوع في الدليل المحكوم ، وأخرى يتصرف الحاكم بلحاظ الحكم في الدليل المحكوم من قبيل ( لا ضرر ) فإنه حاكم على الأدلة الأولية - يعني دليل وجوب الوضوء مثلاً - وهو يتصرف في الحكم يقول ( لا حكم في حالة الضرر ، وأن الحكم مرفوع في حالة الضرر ) فهو ناظر إلى الحكم ويتصرف فيه لا في الموضوع ، فالنكتة التي ذكرتها(قده) تختص بخصوص الحكومة في باب الموضوعات ولا تشمل الحكومة في باب المحمولات.
وثالثاً:- إن ما ذكره يشمل بعض مصاديق الورود ، يعني سوف تدخل بعض مصاديق الورود في باب الحكومة ، فمثلاً لو دلَّ الدليل على أن الإجارة صحيحة وممضية شريطة أن لا يكون متعلقها محرَّماً ، إذن أخذ في موضوع صحة الإجارة وصحة الإجارة هي حكم شرعي غايته وضعي وليس بالتكليفي عدم حرمة متعلق الإجارة ولذلك يقال إن الإجارة في باب المحرمات هي محرمة كما لو ذهب الشخص إلى الحلّاق كي يحلق لحيته بالموسى ، إذن قد أخذ في موضوع صحة الإجارة عدم حرمة متعلقها ، وعندنا دليلٌ ثانٍ يقول ( دخول الجنب في المسجد للكنس مثلاً أو لغيره محرَّم ) إنه في مثل هذه الحالة يوجد عندنا دليلان من هذا القبيل ونسأله هل توجد منافاة بين هذين الدليلين ؟ كلا بل الدليل الثاني مقدَّم على الدليل الأول ، وما هو وجه تقدُّمه ؟ إنه الورود ، يعني أن الدليل الثاني ينفي موضوع الصحة نفياً حقيقياً لا تعبديّاً حتى يصير المورد من الحكومة ، يعني بسبب الدليل الدال على حرمة دخول المسجد للكنس يزول موضوع صحة الإجارة حقيقةً فالمورد مورد الورود والحال أنه على رأي الشيخ النائيني(قده) سوف يدخل هذا المورد في باب الحكومة لأن الدليل الوارد قد تصرَّف في موضوع الدليل المورود وهو قال ( كل دليلٍ يتصرف في موضوع غيره بتوسعة أو بتضييق - أي بإثباتٍ أو بنفيٍ هو عبارة أخرى عن الحكومة ) فيلزم صيرورة هذا المورد الذي هو من موارد الورود أن يصير مصداقاً للحكومة ، فتحديده أو النكتة التي ذكرها سوف تصير غير مانعةٍ من دخول الأغيار.
[1]
اجود التقريرات ج2 507 ط قديمة.
[2]
فوائد الاصول ج4 ص715.
[3]
رسالة لا ضرر ص409.
[4]
نهاية الدراية ج5 ص279 ط جديدة مؤسسة آل البيت.