الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وقد يشكل على هذا البيان بالإشكالين التاليين:-
الاشكال الأول:- إنه عند حصول العلم الاجمالي بكذب بعض اطلاقات الأدلة الأولية لماذا لا نقول بترجيح بعضها على بعضٍ فما كانت دلالته بالعموم يقدّم ويحافظ عليه دون ما كانت دلالته بلحاظ مادة الاجتماع بالإطلاق ؟ ونتيجة هذا أن العلم الاجمالي سوف لا يكون موجباً لسقوط جميع الأدلة الأولية عن الحجّية بلحاظ مادة الاجتماع وإنما يسقط عن الحجيّة ما كانت دلالته بالإطلاق فقط دون ما كانت دلالته بالعموم ، وعليه فلا يبقى الميدان خالياً بلا مزاحم لحديث لا ضرر.
وفيه:- إننا نسلم أن العموم أرجح من الاطلاق ولكن بلحاظ مادة الاجتماع ففي مادة الاجتماع - يعني الوضوء الضرري مثلاً فإنه مادة الاجتماع - يحكم حديث لا ضرر بنفي الوجوب بمقتضى اطلاقه ودليل وجوب الوضوء يحكم بوجوب الوضوء فهنا يقدّم الدليل الأوّلي لو كانت دلالته بالعموم على حديث لا ضرر باعتبار أن دلالته بالإطلاق ، إنه هنا يقدم ما كان دلالته بالعموم على ما كانت دلالته بالإطلاق ، أما لو حصلت المعارضة بين العموم والاطلاق لا بلحاظ مادة الاجتماع وإنما بسبب العلم الاجمالي بكذب البعض كما هو الحال في المقام فإننا نعلم بأن ظهور بعض الأدلة الأولية ساقط عن الاعتبار ولكن لا ندري هذا البعض - يعني العمومات - أو ذاك البعض - يعني الاطلاقات - فهنا من قال إن من كانت دلالته بالعموم يكون أرجح مما كانت دلالته بالإطلاق ؟ كلا بل الجميع يكون ساقطاً عن الاعتبار لأنه تعارض لا بلحاظ مادة الاجتماع بل بلحاظ العلم بكذب البعض وكل واحد يقول أنت الكاذب وأنا الصادق وهنا لم يثبت أن الدلالة بالعموم مقدّمة على الدلالة بالإطلاق . إذن هذا الاشكال لا مجال له في المقام.
الاشكال الثاني:- لماذا لا تصير المعارضة ثلاثية وحصرناها في الثنائية فقلنا إن المعارضة تصير بين نفس الأدلة الأولية - أي بين عموماتها من جانب وبين اطلاقاتها من جانب آخر - ويبقى اطلاق حديث لا ضرر ؟ فلماذا لا يدخل حديث لا ضرر في المعارضة مع العمومات والاطلاقات الأولية فتصير المعارضة ثلاثية ؟
وبكلمة أخرى:- إن العموم الأوّلي مثلاً كما يعارض الاطلاق الأوّلي من ناحية العلم الاجمالي يعارض في نفس الوقت اطلاق لا ضرر فهو يعارضهما آنٍ واحد وبالتالي يسقط الجميع عن الاعتبار لا خصوص الأدلة الأولية بعموماتها واطلاقاتها.
وفيه:- إنه وجيه إذا لم يلزم محذور لغوية التشريع والمفروض في المقام أن المعارضة لو صارت ثلاثية وبالتالي سقطت العمومات والاطلاقات وحديث لا ضرر فسوف يلزم عدم بقاء موردٍ لحديث لا ضرر - يعني يلزم لغوية تشريعه - فعاد المحذور الذي ذكرناه سابقاً ، وهذا بخلاف ما لو سقطت العمومات والاطلاقات عن الحجيّة فهذا لا يلزم منه لغوية تشريع الحديث فصحيح نسلّم أن المعارضة ثلاثية ولكنه في هذه المعارضة الثلاثية يلزم أن نرجِّح حديث لا ضرر لقاعدة عرفيّة من المناسب ذكرها في باب التعارض ومحصلها ( كلما تعارض دليلان وكان يلزم من تقديم أحدهما لغوية تشريع الآخر رأساً بخلاف تقديم الآخر فإنه لا يلزم منه لغوية تشريع صاحبه رأساً فالذي يسقط عن الاعتبار هو ما لا يلزم من سقوطه في مادة الاجتماع لغوية تشريعه رأساً ) ومقامنا من هذا القبيل فالمعارضة وإن كانت ثلاثية ولكن نرجّح الأدلة الأولية بإطلاقاتها وعموماتها للسقوط ولا يسقط معها حديث لا ضرر وإلا يلزم لغوية التشريع.
وبهذا ننتهي إلى أن هذا البيان تامّ وجيد غايته ترد عليه قضية فنيّة وهي أن الأخذ به فرع تعذر فكرة الحكومة أما إذا قلنا إن حديث لا ضرر ناظر وحاكم على الأدلة الأولية فلا تصل النوبة إلى هذا البيان وإنما تصل النوبة إليه بعد رفض فكرة الحكومة وحيث أن فكرة الحكومة مقبولة ووجيهة ويقبلها الشيخ النائيني مثلاً فلا معنى للمصير إلى هذا البيان إلا أن يجمع بينهما بهذا الشكل فيقال ( إن قبلنا فكرة الحكومة فحديث لا ضرر يُقدَّم بذلك وإن رفضناها قُدِّم حديث لا ضرر أيضاً من باب أنه لو لم يُقدَّم لزم لغوية تشريعه ).