الموضوع / التنبيه السادس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
هذا وقد يخطر إلى الذهن ورود إشكال آخر على الشيخ النائيني(قده) وذلك بأن يقال:- إنه إذا أدخلنا فكرة الشرط الضمني في الحساب كفتنا لإثبات خيار الغبن بلا حاجة إلى التمسك بحديث لا ضرر فالجمع بينهما أشبه بضم الحجر إلى جنب الإنسان.
وإن شئت قلت:- لا معنى لجعل تطبيق حديث لا ضرر في طول الشرط الضمني المذكور بل تطبيق الحديث في طول عدم تطبيق فكرة الشرط الضمني وليس في طول تطبيق فكرة الشرط الضمني إذ مع وجود الاشتراط الضمني يكفي وحده لإثبات الخيار بلا حاجة إلى حديث لا ضرر.
وفي مقام تحقيق الحال نقول:- إن ثبوت خيار الغبن بحديث لا ضرر أو بفكرة الشرط الضمني له وجوه متعددة يجد الالتفات إليها:-
الوجه الأول:- تطبيق فكرة الشرط الضمني بالنحو الآتي:- إن المتعاقدين يشترطان ضمناً وارتكازاً التساوي بين المالين كما ويشترطان أيضاً ثبوت الخيار على تقدير عدم التساوي ، إذن هما لم يشترطا التساوي بين المالين فقط بل اشترطا شيئاً أزيد منه وهو ثبوت الخيار على تقدير عدم التساوي ، وبناءً على هذا الوجه يتم ما ذكر سابقاً ، يعني أنه لا حاجة إلى تطبيق حديث لا ضرر بعد اشتراطهما الضمني لثبوت الخيار عند عدم التساوي وبالتالي يكون الإشكال وارداً على الشيخ النائيني(قده) لو كان يقصد من الشرط الضمني هذا المعنى.
الوجه الثاني:- أن يتمسك بحديث لا ضرر من دون ضمّ فكرة الشرط الضمني إليه . وهذا هو الذي يخطر إلى أذهاننا ، وأشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في باب خيار الغبن فإنه طبق حديث لا ضرر من دون استعانة بفكرة الشرط الضمني.
الوجه الثالث:- أن نستعين بفكرة الشرط الضمني على التساوي ولكن من دون اشتراط الخيار على تقدير عدم التساوي بل هما فقط وفقط يشترطان التساوي ولا يشترطان إلى جنب ذلك الخيار على تقدير عدم التساوي ، إنه هنا يكون تطبيق حديث لا ضرر وجيهاً فيقال إن الثابت لهما هو التساوي حسب شرطهما فإذا لم يثبت التساوي يكون إلزامهما بالمعاملة ضرراً ، ولعل هذا هو مقصود الشيخ النائيني(قده) فهو يفترض اشتراط التساوي فقط ولا يفترض أنهما اشترطا الخيار على تقدير عدم التساوي . نعم يرد عليه اشكالنا المتقدم - وهو أن حديث لا ضرر يكفي وحده لإثبات الخيار بلا حاجة إلى ضم فكرة الشرط الضمني على تساوي المالين - ولكن لا يرد عليه أن فكرة الشرط الضمني وحدها كافية لإثبات الخيار لأنه لم يفترض في هذا الوجه اشتراط الخيار على تقدير عدم التساوي ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
وبالجملة:- لا يبعد أن يكون مقصود الشيخ النائيني(قده) هذا الوجه ، ونصّ عبارته:- ( ثم إن منشأ ثبوت الخيار للمغبون هو تخلف الشرط الضمني الذي هو عبارة عن اشتراط تساوي المالين في المالية إلا بمقدار يسير يتسامح به فإذا كانت المعاملة غبنية صحّ الاستدلال على عدم لزومها بأدلة نفي الضرر لأن فقد الشرط الذي اشترط ضمناً ضرر على من له الشرط ..... ) . وكما ترى إن هذه العبارة لم يذكر فيها إلا أنهما اشترطا التساوي في الماليّة ولم يذكر أنهما اشترطا الخيار على تقدير عدم التساوي.
الوجه الرابع:- أن يشترطا التساوي بالمالية ثم نفترض أن العقلاء يجعلون الخيار للمغبون فجعل الخيار يكون من العقلاء بعد اشتراطهما التساوي وليس منهما ، وفي هذه الحالة هل نحتاج إلى تطبيق حديث لا ضرر ؟ إنه ذكرنا فيما سبق أنه إذا جعلا الخيار على تقدير عدم التساوي لا نحتاج إلى حديث لا ضرر لأنهما جعلا الخيار وإنما نحتاج إلى أدلة ( المؤمنون عند شروطهم ) ، وأما إذا فرض أنهما لم يجعلا الخيار وإنما العقلاء هو الذين جعلوا الخيار على تقدير فقدان التساوي فهنا لا معنى لتطبيق حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) بل لأجل امضاء هذا الجعل العقلائي نحتاج إلى حديث لا ضرر فيقال هكذا:- ( إن العقلاء ومن جملتهم المعصوم عليه السلام يجعلون الخيار على تقدير عدم التساوي فحينئذ لو لم يثبت هذا الحق يلزم من ذلك الضرر فنتمسك بإطلاق حديث لا ضرر حتى يثبت الامضاء ).
الوجه الخامس:- أن يفترض أن العقلاء يجعلون الخيار ابتداءً للمغبون من دون توسيط فكرة الشرط الضمني ولكن هذا الجعل العقلائي وحده لا يكفي بل يحتاج إلى إمضاء فنستكشف آنذاك الامضاء من جهة حديث لا ضرر وإلا فالجعل العقلائي وحده من دون ثبوت امضاء شرعي لا يكون نافعاً ولا يكون حجّةً.
إذن نحتاج إلى حديث لا ضرر بناءً على هذا الوجه الأخير وبناءً على الوجه الرابع والثالث الذي هو ظاهر كلمات الشيخ النائيني(قده) وهكذا على الوجه الثاني ، وإنما لا نحتاج إليه على الوجه الأول فهنا يكون التمسك بحديث لا ضرر لغواً وأما على بقية الوجوه الأربعة الأخرى فلا يكون التمسك به لغواً ومنها الوجه الثالث الذي هو ظاهر كلمات الشيخ النائيني(قده) . إذن على هذا الوجه نحتاج إلى حديث لا ضرر ، ولكن الإشكال الذي يرد عليه هو ما أشرنا إليه وهو أنه بعد تطبيق حديث لا ضرر فهو وحده يكفينا بلا حاجة إلى ضمّ فكرة الشرط الضمني يعني التساوي بين المالين بأن نقول هكذا:- ( إن حكم الشارع بلزوم المعاملة عند عدم التساوي هو ضرر على المغبون فيكون منفياً بحديث لا ضرر ) . بهذا أنهينا كلامنا عن الجواب الثاني من الأجوبة التي قلنا بأنها تذكر في تبيان الفرق بين مسألة الغبن ومسألة الغسل.