الموضوع / التنبيه السادس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وأما بلحاظ الكبرى:- حيث ذكر(قده) أن الحكم باللزوم عليه حتى في حالة اقدامه على الضرر هو ضرري إذ قد يندم في يوم ويريد الفسخ فيمكن أن يعلق عليه بتعليقين:-
التعليق الأول:- ذكرنا فيما سبق أن حديث نفي الضرر ينفي الضرر المسبَّب والمرتبط بالشارع وأما الضرر الآتي من قبل نفس المكلف وبسببه فلا ينفيه والمفروض في مقامنا بعد ما كان اللزوم قضية ينشئها المتعاقدان فالضرر سوف يكون ناشئاً من نفس المغبون لأنه هو أنشأ اللزوم وهو قد أوقع نفسه في الضرر فلا يشمله الحديث آنذاك.
إن قلت:- لماذا تقيّد الضرر المنفي بالضرر المنتسب إلى الشرع ولا تأخذه على إطلاقه.
قلت:- ذلك من جهة أن الحديث قد صدر من الشارع والذي ينفي الضرر هو الشارع - يعني يتكلم بما هو شارع - فالمناسب أن يكون نافياً للضرر من ناحيته ، وأما إذا كان نافياً للضرر من ناحية غيره فسوف يكون مخبِراً لا منشئاً والشارع ليست وظيفته الأخبار عما هو موجود فإن ذلك قصّة وحكاية والشارع ليس قاصّاً وحاكياً للتاريخ والوقائع ، بل يلزم الكذب بناءً على هذه التوسعة إذ ما أكثر الضرر الثابت خارجاً فهذا يقتل وذاك يضرب وهذا يعثر فتنكسر رجله ..... وهكذا . إذن من المتعين أن يكون الضرر المنفي بالحديث هو الضرر المرتبط بالشارع ، ومعلوم أن الضرر في مقامنا يكون ناشئاً منه - أي من نفس المشتري - لأنه هو الذي أنشأ اللزوم وليس من الشارع حتى ينتفي.
التعليق الثاني:- إنه ذكر أن الامتنان لا مانع من شموله للشخص المذكور إذ قد يندم ، ونحن نقول:- لو كان المدار في الامتنان الذي نستفيده من الحديث هو الامتنان بلحاظ المصالح والملاكات الواقعية فالحق معه إذ من زاويتها نسلّم أن الامتنان وسيع ويشمل مثل هذا الإنسان إذ المصلحة تقتضي اعطاءه الخيار إذ لعله يندم ، ولكن نقول إن الامتنان المستفاد من الحديث هو الامتنان العرفي والعقلائي ومعلوم أن العرف والعقلاء يرون أن الامتنان يتحقق بتلبية وتنفيذ ما أراده الشخص أما إذا عُكِسَ ولم ينفَّذ ما أراده فهذا لا يرونه امتناناً والمفروض في المقام أن المغبون هو قد أنشأ للزوم وأراده وحينئذ إذا لبّينا ما أراده فهذا هو الامتنان العرفي أما أن نحكم بعدم اللزوم - الذي هو عكس التلبية لما أراده - فهذا ليس امتناناً وإنما هو امتنان من زاوية المصالح والملاكات الواقعية - أو بالأحرى هو امتنان بالنظرة الدقية والفلسفية وليس امتناناً بالنظرة العرفية العقلائية - وهذا مطلب ظريف يجدر الالتفات إليه.
والنتيجة النهائية التي اتضحت من خلال كل ما ذكرنا:- هي أن من أقدم على المعاملة الغبنية وهو عالم بالغبن فقد أقدم على الضرر وهو اللزوم الذي أنشاه - هذا من حيث الصغرى -فالصغرى تامة لا كما قال الميرزا الايرواني ، وأيضاً من أقدم على الضرر فالمناسب أن لا يشمله الحديث لأن الامتنان يكون بتلبية ما أراده الشخص لا بالتلبية المعاكسة خلافاً لما أفاده الشيخ الايرواني(قده) من أن الامتنان يشمل حتى حالة من يقدم على الضرر ، فالحق مع المشهور ومع الشيخ الأعظم لا معه.
وأما المثال الثاني فيمكن أن يقال:- إن المريض إذا أقدم على الجنابة يبقى الحديث شاملاً له فيبقى التيمم هو الثابت في حقه دون الغسل والوجه في ذلك أمران:-
الأمر الأول:- إن الشخص المذكور لم يقدم على الضرر وإنما أقدم على الجنابة وأما الغسل فهو لم يقدم عليه بل يكرهه ويبغضه وإنما هو شيء فرضه عليه الشرع وعليه فهو ليس بمقدم على الضرر حتى لا يكون الحديث شاملاً له - بدعوى أن الحديث ناظر إلى الضرر المنتسب إلى الشارع دون الضرر الذي حصل من قبل المكلف - إن هذا الكلام لا يأتي باعتبار أن هذا الضرر من الشارع إذ المكلف لم يقدم عليه إذ هو قد أقدم على الجنابة والشرع قد ضيّق عليه الخناق بالغسل.
والأمر الثاني:- يمكن أن نقول إن المقام ليس من موارد لا ضرر بقطع النظر عن مسألة الاقدام وعدمه ، يعني حتى إذا لم يكن لدينا حديث لا ضرر وكان سالبة بانتفاء الموضوع فرغم ذلك يجب التيمم في حق الشخص المذكور ، والوجه في ذلك هو آية الوضوء والتيمم والغسل فإنها هي التي دلت على أن من يخاف الضرر فوظيفته التيمم دون الوضوء ودون الغسل والمكلف المذكور حيث أنه يخاف الضرر ولو بسبب جنابته العمديّة فإنه بالتالي يخاف الضرر فتحكم عليه الآية الكريمة بلزوم التيمم بقطع النظر عن مسألة لا ضرر ، يعني أن إدخال مسألة لا ضرر في الحساب لا نحتاج إليه بل بقطع النظر عنها تكون وظيفته هي التيمم والوجه في ذلك هو أن الآية تقول هكذا
( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .... وإن كنتم جنباً فاطّهّروا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ما فتيمموا صعيداً طيباً )
[1]
فإنها دلت على ما أشرنا إليه وذلك بعد الالتفات إلى مقدمتين:-
المقدمة الأولى:- إن الآية الكريمة قالت في ثناياها ( وأن كنتم مرضى ) وما هو المقصود من المريض ؟ ليس المقصود - بحسب مناسبات الحكم والموضوع - هو خصوص المريض بعنوان ( مريض ) بل كل من يخاف الضرر ، فهو ملحوظ بنحو المرآتية إلى من يخاف الضرر . إذن من يخاف الضرر عليه أن يتيمم.
المقدمة الثانية:- إن التفصيل قاطع للشركة ، يعني أن الآية الكريمة فصَّلت وقالت إن بعض الناس وظيفتهم هو الغسل أو الوضوء - وهو الواجد للماء - والبعض الآخر وظيفته التيمم - وهو من يخاف الضرر - إذ المريض قد فسَّرناه بمن يخاف الضرر ، ولازم هذا أن من يخاف الضرر لا يكون وجوب الغسل أو الوضوء ثابتاً في حقّه فإن التفصيل يمنع من ثبوت كلا الحكمين في حق شخصٍ واحد فالذي يخاف الضرر لا يحتمل أن وظيفته هي وجوب الغسل أو الوضوء بل يتعين أن تكون هي التيمم ، وعليه فتكون النتيجة هي أن الآية الكريمة - بقطع النظر عن حديث لا ضرر - نستفيد منها أن الخائف من الضرر يلزمه التيمم دون الوضوء والغسل ، وهذا المكلف حيث أنه خائف من الضرر فتكون وظيفته هي التيمم ، وبالتالي يكون ما حكم به المشهور من أن الوظيفة هي التيمم في المثال المذكور دون الغسل في محله ولا يرد عليهم الإشكال بأن هذا قد أقدم على الضرر والمُقدِم على الضرر لا يشمله حديث لا ضرر فإن هذا الكلام لا يأتي لأن المدرك في وجوب التيمم في حق الشخص المذكور ليس حديث لا ضرر بل حتى لو لم يكن لدينا الحديث نحكم بأن وظيفته هي التيمم بالبيان المذكور.
[1]
المائدة 6 .