الموضوع / التنبيه السادس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وبعد اتضاح هذه المطالب الثلاثة نعود إلى المثالين ونتحدث أوّلاً عن المثال الأول ثم عن المثال الثاني:-
توضيح الحال في المثال الأول:-
أما بالنسبة إلى المثال الأول - أعني العالم بالغبن - فقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) أن الشخص المغبون هو قد أقدم على الغبن ومع الإقدام لا يشمله الحديث لأنه امتناني . إذن الشيخ الأعظم(قده) ذكر صغرى وكبرى أما الصغرى فهي أن المشتري العالم بالغبن قد أقدم بنفسه على الضرر والكبرى هي أن من أقدم على الضرر لا يشمله الحديث لأنه امتناني والذي أقدم على الضرر لا يكون الرفع في حقه امتنانياً.
وقد أشكل الشيخ ميرزا علي الايرواني(قده)
[1]
على الصغرى والكبرى معا:-
أما المناقشة في الصغرى فقال:- إن العالم بالغبن لم يقدم على الضرر فإن الضرر ينشأ من لزوم المعاملة لا من ذات المعاملة إذ لو كان هناك خيار فلا ضرر في حق المشتري المقدم على المعاملة وإنما يتضرر فيما لو كانت المعاملة لازمة ومن المعلوم هو قد أقدم على أصل المعاملة يعني على دفع ثمن كثير في مقابل شيء يسير وهذا ليس فيه ضرر مادام يوجد خيار فالمفروض أنه أقدم على أصل المعاملة - أي تبديل هذا الثمن بذلك الشيء - ولم يقدم على اللزوم فبالتالي هو لم يقدم على الضرر ، قال(قده):- ( بل قد تقدم أن الاقدام على جنس المعاملة الشامل للازم والجائز ليس إقداماً على الضرر بل الاقدام على الضرر إن كان فهو في الاقدام على المعاملة اللازمة ).
وأما المناقشة في الكبرى:- فباعتبار أنه لو تنزلنا عن مناقشتنا الصغروية وسلمنا أن الضرر يحصل بنفس المعاملة لا بلزومها ولكن نقول:- إن الشخص الذي أقدم على المعاملة الذكورة التي هي ضررية لو حكمنا في حقه باللزوم لتضرر بالتالي وضيّقنا عليه الخناق بسبب الحكم باللزوم ، ولماذا نضيق عليه الخناق ؟! إذ لعله يندم ويريد الرجوع فيكون ثبوت الخيار في حقّه مناسباً للامتنان .
إذن الميرزا الايرواني يدعي شيئين:-
الأول:- أن هذا المكلف وإن كان هو قد أقدم على الضرر - بناءً على تسليم أن نفس المعاملة ضررية - لكن الحكم باللزوم في حقه ضرري عليه وتضييق للخناق في حقه.
والثاني:- لو قلنا بشمول الحديث له فذاك يلتئم مع الامتنان إذ لعله يتراجع فيستفيد حينئذٍ من الخيار فيكون ثبوت الحديث في حقه مناسباً للامتنان ، ونصّ عبارته ( إن تمّ دليل نفي الضرر مدركاً للمقام عمَّ صورة العلم
[2]
.... فإن لزوم العقد حكم ضرري وإن كان العلم بالغبن حاصلاً عند المعاملة فإن المنَّة مقتضية لحفظ العباد عن المضارِّ وإن هم أقدموا عليه فربما يندمون ويريدون الفسخ فيكون لهم مخلصاً منه ) .
ونتيجة ما أفاده(قده):- هو أن حديث لا ضرر صالح لشمول العالم بالغبن خلافاً للشيخ الأعظم الذي ذهب إلى أنه لا يشمله.
ولكن ناقش الشيخ الأصفهاني(قده) ما أفاده الشيخ الايرواني(قده):- ولا أدري أنه كان ناظراً في كلامه إلى مناقشة الشيخ الايرواني أم أن القضية جاءت عفوية فإنه ذكر
[3]
أن الضرر هو في الحقيقة في نفس تبديل الناقص بالزائد فأنت تدفع ثمناً كبيراً في مقابل شيء لا يسوى ذلك بل يسوى نصف هذا الثمن مثلاً فهذا بنفسه هو ضرر ولا ينشأ الضرر من اللزوم ، نعم اللزوم يبقي الضرر لا أنه به يحدث الضرر ، وبناءً على هذا تكون مناقشة الشيخ الايرواني في الصغرى ليست تامّة ويصير الحق مع الشيخ الأنصاري لا معه ، ونصّ عبارته ( تبين مما ذكرنا أن الصّحّة واللزوم كلاهما ضرري فما الموجب للتفكيك بينهما بالقبول بصحة المعاملة الغبنية وعدم لزومها ؟ ) - يعني كما أفاده الشيخ الايرواني الذي يقول بحصة المعاملة دون اللزوم -.
وإذا أردنا أن ندخل كحكم بين الطرفين:- فالأنسب أن يكون الحق مع الشيخ الايرواني دون الأصفهاني وذلك باعتبار أن الإقدام على معاملة بين الثمن الزائد الفاحش وبين المثمن القليل لا يعد ضرراً في نظر العرف والعقلاء بل وبنحو الدقَّة أيضاً مادام يمكن إزالة المعاملة بسرعة ، فلا يكون الضرر ثابتاً بنفس المعاملة مادام يمكن إزالتها بسرعة من ناحية الخيار وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً ، ولكن كيف ذكر الشيخ الأصفهاني خلافه ؟!
إذن هذه المناقشة من قبل الشيخ الأصفهاني قابلة للتأمل والحق مع الشيخ الايرواني.
والأولى أن يناقش ويردّ ما أفاده الميرزا الايرواني(قده) بلحاظ المناقشة الصغروية هكذا:- إن المشتري إنما لا يكون مقدماً على الضرر لو كان قد أقدم على المعاملة فقط دون لزومها ، بمعنى أنه أنشأ المعاملة فقط دون لزومها ، أما إذا قلنا هو قد أنشأ شيئين في آن واحد فإنه أنشأ المعاملة يعني النقل والانتقال وأنشأ إلى جنبه لزوم هذا النقل والانتقال ، فهو قد أنشأ ذلك لا أن الشارع حكم ذلك ، ولو سلمنا بهذا فعلى هذا الأساس يكون هو مقدماً على الضرر إذ هو قد أنشأ اللزوم وقد سلّم الايرواني أن اللزوم ضرري دون المعاملة فإذا كان المشتري نفسه قد أنشأ اللزوم فقد أقدم بنفسه على الضرر لكن لا من حيث أصل المعاملة بل من حيث أنه أنشأ اللزوم ، أما كيف نثبت أن المشتري أنشأ اللزوم أيضا؟ ذلك ببيان أنه حينما أنشأ المعاملة والنقل والانتقال لم ينشئ ذلك مقيداً بفترة وحالة ... وغير ذلك بعد فرض أنه عالم بالغبن بل أنشأ ذلك إنشاءً مطلقاً إلى الأبد ولازم هذا أن يكون الذي أنشأه لازماً . نعم لو فرض أنه كان جاهلاً بالغبن فيمكن أن يقال إن إنشاءه مقيّد بحالة ما قبل اطلاعه على الغبن أما بعد فرض أنه عالم بالغبن من البداية فإنشاؤه لا يكون مقيّداً بل يكون إلى الأبد ولازم هذا أنه هو قد أنشأ اللزوم وبالتالي يكون - بعد فرض علمه بالغبن - مقدماً على الضرر.
وبهذا اتضح بأن مناقشته الصغروية ليست بتامّة وبالتالي نحن نوافق الشيخ الأعظم(قده) من أن هذا مقدم على الضرر وليس كما قال الميرزا الايرواني . هذا من حيث مناقشته الصغروية.
[1]
في حاشيته المعروفة على المكاسب 3 130 ط جديدة.
[2]
أي صورة علم المشتري بأنه مغبون.
[3]
في حاشيته على المكاسب 4 243 ط جديدة.