الموضوع / التنبيه السادس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
لا إشكال في أن كل عنوان يؤخذ في لسان الدليل فظاهره أن المدار على واقع ذلك العنوان ، فحينما يقال ( اجتنب عن الخمر ) أو ( الخمر نجس ) أو ( أكرم العالم ) فالمدار على الواقع - يعني من كان عالماً واقعاً أو ما إذا كان السائل خمراً واقعاً - ولا مدخلية لحيثية العلم ، نعم العلم له تأثير في جانب التنجّز واستحقاق العقوبة وأما الآثار الأخرى فلا ، ونكتة هذا الظهور هو أن الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية لا للمعاني بقيد أن تكون معلومة ، فأنت حينما تسمّي ولدك باسم ( علي ) فأنت تضعه له سواء عُلِمَت أن هذه الذات هي ( علي ) أم لم يُعْلَم ، فالعلم وعدم العلم لا مدخلية له وإنما وضع الواضع لكلمة كتاب أو دفتر أي لتلك المسميات - لم يضعها بقيد العلم فما كان دفتراً واقعاً وضع له كلمة ( دفتر ) سواء عُلِمَ أنه دفتر أو لا . إذن ظاهر كل عنوان يؤخذ في لسان الدليل ظاهره أن المدار على العنوان بوجوده الواقعي لا بوجوده المعلوم ، والأمر كذلك في الضرر فإنه ما دام قد أخذ في لسان الدليل ونفي الضرر من جهة الشارع فظاهره أن الضرر بوجوده الواقعي يكون منفياً سواء علم أن لم يعلم وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً بيد.
أن الفقهاء بلحاظ بعض الأحكام جعلوا المدار على الضرر المجهول وفي بعضها الآخر جعلوا المدار على الضرر المعلوم وفي بعضٍ ثالثٍ جعلوا المدار على الضرر الواقعي ، والسؤال هو:- لماذا هذه التفرقة فإن المدار إذا كان على الواقع فينبغي أن يكون كذلك بلحاظ جميع الموارد من دون تفرقة فمثلاً في باب الوضوء ذكر غير واحد من الفقهاء ومنهم السيد اليزدي(قده)
[1]
وهكذا نسب ذلك إلى الشيخ الأعظم في طهارته ذكر أنه لو كان الماء مضراً للشخص كما إذا توضأ في حالة البرد وهو لا يدري أنه مضرّ فتوضأ وانتهى ثم علم أنه مضرّ له فماذا يحكم على وضوئه ؟ حكم(قده) بالصحة وهذا معناه أن المرفوع بحديث لا ضرر هو الضرر المعلوم لا الواقعي إذ لو كان المدار على الواقعي للزم البطلان ، ولو فرض أن الشخص دخل في معاملة وكان مغبوناً وكان يعلم أنه مغبون وأن الثمن الذي فرضه البائع هو يشتمل على الغبن ومع ذلك أقدم فهل يثبت خيار الغبن آنذاك تمسكاً بقاعدة لا ضرر ؟ قال الشيخ الأعظم(قده) في باب الخيارات لا يثبت ونصّ عبارته ( يشترط في هذا الخيار أمران الأول عدم علم المغبون بالقيمة فلو علم بالقيمة فلا خيار بل لا غبن كما عرفت بلا خلاف ولا إشكال لأنه أقدم على الضرر )
[2]
، إن لازم الحكم المذكور هو أن الضرر المنفي هو خصوص الضرر المجهول وإلا ففي المعلوم لا يثبت الخيار ولا تشمله قاعدة لا ضرر.
ولكن نجد في أمثلة أخرى أنهم جعلوا المدار على الضرر الواقعي كما لو فرض أن شخصاً أراد أن يحفر بالوعة في داره وكان ذلك مضراً بالجار بيد أن الجار لا يعلم بأن حفر البالوعة سوف يولّد ضرراً لعليه فإنه في مثل هذه الحالة قالوا إنه رغم أن الجار لا يعلم بالضرر فيشمله حديث لا ضرر وبالتالي لا يجوز لمالك الدار أن يحفر البالوعة في داره لأنها توجب الإضرار بالجار - أعني توجب الاضرار الواقعي - وإن لم يكن ذلك معلوماً للجار الذي يطبق عليه الحديث وهذا معناه أن المدار على الضرر والواقعي.
وهكذا الحال بالنسبة إلى قصة سمرة فإنه لا يجوز لسمرة الدخول مادام الأنصاري يتضرر سواء علم الأنصاري بالتضرر أم لم يعلم كما إذا كان غافلاً فانه لا يجوز لسمرة الدخول لأجل حديث لا ضرر رغم أن الضرر ليس معلوماً للأنصاري وهذا معناه أن حديث لا ضرر يشمل الأنصاري رغم عدم علمه بالضرر يعني أن المدار على الضرر الواقعي دون الضرر المعلوم.
إذن هذا تساؤل يتوجه إلى الاعلام وأنه كيف فرّقتم بين هذه الموارد ؟
وفي هذا المجال قد يدفع هذا الاشكال ويرد ببيان:- أن المدار هو على الضرر الواقعي ولكن في تينك المسألتين - أي مسألة الغبن والوضوء - توجد نكات خاصة اقتضت أخذ العلم أو أخذ الجهل ، فمثلاً في مسألة الغبن يقال بأن حديث لا ضرر هو قد ورد مورد الامتنان - على ما فهمه الأصحاب وإن نحن قلنا هذا مطلب ليس بواضح بيد أنه عندهم من الواضحات فإذا سلمنا بذلك - فيقال إن الامتنان إنما يليق فيما إذا كان الشخص لم يُقدِم بنفسه على المعاملة الغبنية أما إذا أقدم باختياره فهذا لا يليق بالامتنان ، إذن لأجل هذه النكتة - وهي نكتة الامتنان - قالوا بأن الحديث لا يشمل العالم بالغبن وإلا فلولاها لكان المناسب هو الشمول ، هكذا قد يدفع الإشكال.
ولكن في المقابل يقال:- إنه إذا تمكنتم من دفع الإشكال في مسألة الغبن فيبقى في مسألة الجنابة فإنهم قالوا إذا فرض أن الشخص كان يضره الماء وأراد أن يجنب نفسه عمداً واختياراً فلو فعل ذلك فماذا يلزمه ؟ هل يلزمه التيمم أو الغسل ؟ قالوا لا يلزمه الغسل بل يلزمه التيمم لأنه بالتالي هو متضرر الآن وما دام متضرراً فيشمله خطاب التيمم ولا يشمله خطاب الغسل والحال أنه قد أقدم بنفسه على هذا الضرر فلو فرض أن حديث لا ضرر امتناني وهو لا يشمل من أقدم على الضرر لأنه لا يليق بالامتنان فيلزم أن يحكموا في هذه المسألة بوجوب الغسل دون التيمم لأنه لا يليق هذا الشخص بالامتنان ولا يقال لأنه لأجل أن الماء يضرّك فالوظيفة تنتقل إلى التيمم ، كلا إنه أقدم بنفسه على الضرر والحال أنهم قالوا عليه التيمم ولا يلزمه الضوء ، فالإشكال حينئذ يكون باقياً بلحاظ مسألة الجنابة.
[1]
العروة الوثقى مسألة 19 من بداية بحث التيمم.
[2]
المكاسب 18 166 ط جديدة.