الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/02/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / تتمة التنبيه الخامس ، التنبيه السادس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 تلخيص التنبيه الخامس:-
 وقع الكلام في أن حديث لا ضرر يشمل الأحكام العدمية أو لا ؟ ولذلك عدو أمثلة نذكر منها ثلاثة:-
 المثال الأول:- ما لو أمسك شخص غيره فهربت دابته فإن عدم حكم الشارع بالضمان ضرري على الشخص الذي هربت دابته.
 والمثال الثاني:- الزوجة التي لا ينفق عليها زوجها فإن عدم ثبوت الولاية للحاكم أو لها على الطلاق يستلزم الضرر عليها.
 والمثال الثالث:- عدم حرمة الإضرار بالآخرين فإنه يوجب الضرر بالآخرين فإذا قلنا إن الحديث يشمل الأحكام العدمية فسوف نستفيد في هذه الأمثلة الثلاثة ثبوت الحكم بالضمان في المثال الأول وثبوت الولاية على الطلاق في المثال الثاني وثبوت حرمة الاضرار بالآخرين في المثال الثالث ، والمسألة محلّ خلاف على أقوال ثلاثة:-
 القول الأول:- ما اختاره الشيخ النائيني(قده) من عدم شموله لها أي للأحكام العدمية.
 القول الثاني:- ما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) وهو الشمول غايته لا يوجد مثال للحكم العدمي الذي يستلزم الضرر.
 القول الثالث:- إمكان الشمول للأحكام العدميَّة بل هو واقع لا أنه مجرد إمكان.
 أما القول الأول:- فذكرنا له وجوهاً ستة أهمها وجهان للشيخ النائيني(قده) وهما:-
 الوجه الأول:- إن الحديث ناظر إلى مجعولات الشارع وهي تختص بالأحكام الوجودية فإن العدميَّة هي عدمُ جعلٍ لا مجعولات.
 الوجه الثاني:- إنه يلزم تأسيس فقه جديد.
 واقشنا بأن الحديث لم يقل ( لا حكم ضرري أو يستلزم الضرر ) حتى يقال إن ظاهره هو الاختصاص بالأحكام المجعولة وإنما قال ( لا ضرر ) أي لا ضرر خارجاً ينشأ من الشرع وهذا كما يصلح أن شمل الأحكام الوجودية المجعولة يصلح أن يشمل عدم الحكم أيضاً فإن الشارع في بعض الموارد إذا لم يحكم والمفروض أن بيده زمام الشريعة فينتسب الضرر إليه.
 وأما بالنسبة إلى لزوم تأسيس فقه جديد فقد ذكر(قده) إنه يلزم من شمول الحديث للأحكام العدمية أن من تلف ماله بآفة سماوية بأن نزل المطر فتهدّم البيت يلزم ضمان بيت المال لذلك إذ عدم الضمان يصير مستلزما للضرر على هذا الشخص ، هذا مثالاً ذكره لتأسيس الفقه الجديد ، وأجبنا عنه بأن هذا الضرر لم ينشأ من الشارع بما هو شارع ، نعم له ربط بالله عز وجل بما هو خالق وموجد والحديث ينفي الضرر من جانب الشرع والشريعة.
 والمورد الثاني الذي ذكره وهو لزوم تأسيس فقه جديد:- هو أنه بالنسبة إلى الزوجة التي لا ينفق عليها زوجها يلزم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي أو لها مثلاً ، وقلنا في هذا المجال إن الكلام يقع تارةً بلحاظ مقتضى القاعدة بقطع النظر عن حديث لا ضرر والروايات الخاصة وأخرى بلحاظه وثالثة بلحاظ الروايات الخاصة:-
 أما بلحاظ القاعدة فقد يقال:- إن هناك شرطاً ضمنيّاً تشترطه المرأة أثناء العقد ولا يُصرَّح به لوضوحه وهو أن ينفق الزوج عليها ومعه فيجوز لها أن تفسخ العقد باعتبار تخلّف الشرط الضمني . وأجبنا عن ذلك بأن وصول الانفاق إلى حدِّ الاشتراط الضمني أمر غير واضح ولو فرض أنه وصل إلى ذلك فلنا جواب آخر وهو أن عقد النكاح يختلف عن سائر العقود باعتبار أنه لا يقبل الفسخ بالإجماع وهذا من الأشياء المجمع عليها والمسلمة ، نعم ثبت الخيار في موارد العيوب الستة المعروفة.
 وأما بلحاظ حديث لا ضرر فقلنا أنه لا مانع من التمسك بالحديث لإثبات الولاية للحاكم الشرعي كما صنع السيد اليزدي(قده) ، ثم قلنا شيئا آخر وهو أنه في مثال الزوجية يمكن أن يقال إن المورد من موارد الحكم الوجودي لا الحكم العدمي باعتبار أن حكم الشارع بلزوم الزوجية في حالة عدم الانفاق ضرري فالضرر ينشأ من حكم وجودي لا من عدم الولاية بل من حكم وجودي وهو حكم الشرع بلزوم عقد النكاح بنحو لا يمكن إزالته إلّا من جهة الزوج وهذا حكم وجودي ضرري.
 وأما بلحاظ المقام الثالث - أعني الروايات - فذكرنا أنه توجد روايتان إحداهما صحيحة ربعي والثانية صحيحة أبي بصير وقد دلتا على أن الزوج مع عدم انفاقه يجوز للإمام أو الوالي أن يفرِّق بينهما ، وذكرنا أن الشيخ النائيني(قده) ذكر أنهما معارضان بالنبوي والعلوي مضافاً إلى عدم عمل الأصحاب بهما ، وأجبنا عن عدم عمل الأصحاب بأن ذلك شيء غير ثابت وأما بالنسبة إلى المعارضة بالنبوي والعلوي فأجبنا بأنهما لو تمّا سنداً فموردهما إما المفقود أو الذي أعرض عن النكاح دون من لم ينفق عناداً فمورد هذين الحديثين يغاير مورد ذينك الحديثين الأولين . ثم قلنا نعم هناك طائفتان من الروايات قد يتوهم أنهما معارضان لصحيحتي ربعي وأبي بصير أحداهما ما دلّ على أن الطلاق بيد من أخذ بالساق ، وأجبنا عن ذلك بأنه مطلق يقبل التقييد بحالة عدم الانفاق فتكون النتيجة هي أن الطلاق بيد من أخذ بالساق إذا كان ينفق وأما إذا لم يكن ينفق فيقيّد هذا الاطلاق ويقال بثبوت الولاية للحاكم بمقتضى صحيحتي ربعي وأبي بصير ، والطائفة الثانية المعارضة هي ما ورد بالنسبة إلى المفقود وأنه يتربّص به أربع سنين ... ، وذكرنا أن هذه الروايات واردة في خصوص المفقود فلا تعارض تينك الروايتين الواردة في من لم ينفق فلا معارضة بينهما وبالتالي نفتي على طبقهما كما أفتى الفقهاء كذلك . هذا كله بالنسبة إلى ما ذكره الشيخ النائيني - أعني بالنسبة إلى القول الأول من الأقوال السابقة.
 وأما القول الثاني الذي ذكره السيد الخوئي(قده):- حيث قال هو يشمل باعتبار أن عدم جعل الحكم هو جعلٌ للحكم ، فعلقنا عليه بأن هذه الفاظ لا نجزم بصحة مضمونها.
 أما بالنسبة إلى القول الأخير " الذي هو المناسب " :- أعني أن الحديث يمكن أن شمل الأحكام العدمية بل هو واقع ، أما أنه يمكن أن يشمل فباعتبار أنه لا محذور في الشمول تمسكاً بالإطلاق فإن الحديث قال ( لا ضرر ) يعني خارجاً من ناحية الموقف الشرعي وهذا بإطلاقه كما يشمل الأحكام الشرعية المجعولة يشمل الأحكام العدمية أيضاً ، وأما أنه واقع فباعتبار أن أحاديث لا ضرر طبقت الحديث في موارد كان الحكم فيها عدمياً لا وجودياً ، إنه بناءً على هذا سوف يكون نفس حديث لا ضرر دالّاً على الوقوع بسبب التطبيق الذي ذكره نفس الحديث فيثبت الامكان بمقتضى الاطلاق بل الوقوع بمقتضى التطبيق ، وكيف طبق الحديث نفي الضرر في موارد الحكم العدمي ؟ ذلك باعتبار أن أحد موارد حديث لا ضرر هو دخول سمرة مارّاً ببيت الأنصاري فإن النبي صلى الله عليه وآله طبّق حديث لا ضرر وبالتالي أمر بقلع العذق تطبيقاً للحديث فيقال هكذا:- إن عدم ثبوت الولاية للأنصاري على قلع العذق يكون موجباً للضرر فطبق النبي صلى الله عليه وآله الحديث لإثبات ثبوت الولاية فعدم الولاية لمّا كان مستلزما للضرر فطبّق النبي الحديث ونتيجة تطبيقه له على الحكم العدمي هو ثبوت الحكم الوجودي أعني ثبوت الولاية من جهة أن عدم ثبوتها على القلع يستلزم الضرر على الأنصاري . إذن مورد الحديث هو الحكم العدمي.
 والمورد الآخر أيضاً حديث الشفعة فإن حديث لا ضرر طبّق لإثبات الشفعة وأحد موارده هو الشفعة فإنه لا وجه لتطبيقه إلا أن يقال إن عدم ثبوت حق الشفعة يستلزم الضرر فيثبت . إذن حق الشفعة بالتالي طبّق في مورد الحكم العدمي فاستنتج منه حكم وجودي وهو ثبوت الشفعة. ومن موارده أيضاً المنع من فضل الماء فإنه صلى الله عليه وآله لم يجوز المنع من فضل ماء البئر ولا وجه لتطبيقه إلّا أن يقال إن عدم حرمة المنع يستلزم الضرر على الرعاة فطبّق الحديث فصارت نتيجته الحكم الوجودي - أعني حرمة المنع - وإلّا فلا وجه للتطبيق إلّا ذلك.
 فالخلاصة إذن يمكن أن يقال إن الحديث لا أنه يمكن أن يشمل الأحكام العدمية فقط بل هناك شواهد على الوقوع وأنه يشمل بالفعل الأحكام العدمية.
 التنبيه السادس:- هل الحديث ناظر إلى الضرر الواقعي بقطع النظر عن كونه معلوماً أو مجهولاً أو أنه ناظر إلى خصوص الضرر المعلوم فلا يعمّ الضرر الواقعي إذا لم يكن معلوماً ؟