الموضوع / التنبيه الخامس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وفيه:- إن هذه الرواية وإن دلت على أن الطلاق بيد الزوج والسّنّة تقتضي ذلك ولا يكون بيد غيره ولكنها مطلقة من حيث كون الزوج ينفق أو لا ومقتضى اطلاقها أن الطلاق بيد الزوج حتى إذا لم ينفق فحينئذ تكون مطلقة بينما صحيحة ربعي وصحيحة أبي بصير هما مختصتان بالذي لا ينفق فجعلت خصوصية لحالة عدم الانفاق وأنه مادام الزوج لا ينفق فتثبت الولاية للحاكم فيصير مقيداً لإطلاق معتبرة محمد بن قيس.
بل قد تصعّد اللهجة ويقال:- معتبرة محمد بن قيس لا تدل على الحصر الحقيقي - أي أن الطلاق بيد الزوج لا غير يعني بما في ذلك الحاكم - وإنما الحصر فيها أضافي ، أي يقال للزوجة التي اشترطت أن الطلاق بيدها أنت ليس بيدك الطلاق وإنما هو بيد الزوج ، فالحصر بالإضافة إليها وليس حصراً حقيقياً حتى يكون مقتضاها عدم ثبوت الولاية على الطلاق للحاكم الشرعي ، كلا بل هي ساكتة وليست في مقام البيان من هذه الناحية وعدم المنافاة يصير أوضح بلا حاجة إلى إدخال فكرة المطلق والمقيد فقبل الوصول إلى ذلك لا توجد منافاة في البين أصلاً ، وهو شيء ظريف.
الطائفة الثانية التي قد يتمسك بها للمعارضة:- ما دل على أن المفقود يبحث عنه أربع سنين وبعدها إذا فرض أنه يوجد من ينفق على الزوجة فلابد وأن تصبر وإذا لم يوجد منفق - والمفروض أنها تطلب الطلاق - فحينئذ يطلقها الحاكم الشرعي بعد الأربع سنين ، إنه قد يقال إن هذه الطائفة تدل على أن الحاكم لا حق له ولا ولاية له على الطلاق إذا لم ينفق الزوج على زوجته بل لابد وأن تنتهي أربع سنين فلاحظ صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
( سئل عن المفقود فقال:- المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي
[1]
وليه أن ينفق عليها فما أنفق عليها فهي امرأته ، قلت:- فإنها تقول إني أريد ما تريد النساء ؟ قال:- ليس ذلك لها ولا كرامة فإن لم ينفق عليها وليّه أو كيله أمر أن يطلقها فكان ذلك عليها طلاقا واجباً
[2]
)
[3]
، وقريب من ذلك ورد في رواية الكناني وجاء في آخرها
( قلت:- أرأيت إن قالت أنا أريد مثل ما تريد النساء ولا أصبر أقعد كما أنا ؟! ولا أقعد ولا أصبر ولا أقعد كما أنا ، قال :- ليس لها ذلك ولا كرامة إذا انفق عليها )
[4]
. إذن هاتان الروايتان قد تجعلان معارضتين لصحيحتي ربعي وصحيحة أبي بصير.
ولكن يمكن أن يقال:- إنهما مختلفتان من حيث المورد فصحيحتي ربعي وأبي بصير ناظرتان إلى حالة وجود الزوج ولكنه لا ينفق عناداً مثلاً فأثبتتا لأجل العناد الولاية للحاكم الشرعي على الطلاق إن لم يطلق الزوج بينما هاتان الروايتان هما ناظرتان إلى المفقود لا أنه لا ينفق عناداً وهناك تخفيف في حقّ المفقود إذ لا عناد له حتى يضيّق عليه الشرع بإثبات الولاية للحاكم الشرعي . إذن هما من حيث المورد مختلفان ولا معارضة بينهما.
والنتيجة بناءً على هذا تكون هي التفصيل بين من إذا كان الزوج حاضرا ولا ينفق وبين ما إذا كان غائباً مفقوداً ، فإن كان حاضراً ولا ينفق أمره الحاكم بالإنفاق أو بالطلاق فإن لم يفعل طلق الحاكم بالولاية ، وأما إذا كان مفقوداً فالحاكم لا يطلق بل لابد من انتهاء أربع سنين وبعد ذلك يأمر الحاكم وليّ الزوج بالإنفاق فإن لم يفعل فيأمره بالطلاق وإلا طلق هو ، وعلى هذا جاء ت فتوى الفقهاء ومنشأ هذه الفتوى هو ما أشرنا إليه.
وألفت النظر إلى قضية جانبية:- وهي أن الزوج إذا كان مفقوداً ورفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعي وقالت مضت أربع سنين ولا خبر منه فهنا هل يضرب الحاكم لها أربع سنين جديدة ويفحص أو يأمرها بالفحص أو يكتفي بمضي الأربع سنين السابقة بعد أن يثبت الحاكم صحة مضي الأربع سنين التي تدعيها - ؟
لعل المعروف في بعض الكلمات أنه يحتاج إلى أربع سنين جديد يفحص فيها.
ولكن ربما يقال:- إذا لاحظنا صحيحة الحلبي فيمكن أن يقال إنه لا يلزم الفحص في الأربع سنين فإن الرواية قالت إذا مضت أربع سنين فآنذاك يرسل الحاكم أو يكتب إلى المكان الذي غاب فيه يستعلم أخباره لا أنه يفحص أربع سنين فلاحظ أنه عليه السلام قال ( سئل عن المفقود فقال:- المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي أن ينفق .... ) ، إذن لا يلزم في السنين الأربع الفحص وإنما يرسل بعدها الحاكم إلى تلك الجهة ، وهذه قضية مهمة ينبغي الالتفات إليها وهي تخفف الأمر كثيراً.
وقبل أن أختم حديثي عن هذه المسألة لابأس من باب الكلام يجر الكلام لا بأس بالالتفات إلى هذه القضية:- وهي أنه ينبغي التفريق بين مسألتين والحذر من الخلط بينهما:-
المسألة الأولى:- إن الزوجة إذا غاب زوجها ماذا تصنع ؟ وقد اتضح أنه تنتظر أربع سنين وبعدها إذا لم ينفق عليها والولي ولم يطلّق طلقها الحاكم الشرعي ، وهذه الفتوى موجودة في فتوى الفقهاء أيضاً.
والمسألة الثانية:- لو غاب شخص فهل تبقى أمواله على حالها من دون تصرف إلى سنة أو سنتين ... أو إلى متى ؟ فالقضية ليست قضية زوجة ولنفترض أنه غير متزوج أو أنه متزوج ولكن المشكلة هي من ناحية الأموال ؟
إنه في هذا المجال ورد أنه لابد من مضي أربع سنين مع الفحص فيها بخلاف مسألة الزوجة فإن تمّ الفحص في الأربع سنين وانتهت تقسم أمواله ، وجاء في رواية أخرى إذا مضت عشر سنين قسمت أمواله حتى إذا لم يفحص ودلت على ذلك بعض الروايات ، فبالنسبة إلى الأربع سنين التي يلزم الفحص فيها وردت روايتان أحدهما موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام
( المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة )
[5]
، وعلى منوالها موثقة اسحاق بن عمار
( قال لي أبو الحسن عليه السلام :- المفقود يتربص بماله أربع سنين ثم يقسم )
[6]
وهذه لم تشترط الفحص في أربع سنين بل هي مطلقة من هذه الناحية ولكن حيث أن السابقة اعتبرت ذلك فتقيّد هذه بتلك وتصير النتيجة هي لزوم الفحص في أربع سنين ، وأما بالنسبة إلى العشر سنين فدلت عليه صحيحة علي بن مهزيار
( سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة فادعت ابنتها أن أمها كانت صيرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها وبقيت في الدار قطعة إلى جانب دار رجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن وما يتقو أن لا يحل شراؤها وليس يعرف للابن خبر ؟ فقال لي:- ومنذ كم غاب ؟ قلت:- منذ سنين كثيرة ، قال:- ينتظر به غيبة عشر سنين ثم يشترى ، فقلت:- إذا انتظر به غيبة عشر سنين يحل شراؤها ؟ فقال:- نعم )
[7]
. إذن مقتضى صحيحة ابن مهزيار أنه إذا مضت عشر سنين تقسم الأموال بلا فحص ، ولكنه إذا كان أربع سنين يلزم الفحص ، وقد عمل بهذه الرواية بعض الفقهاء كما ذكر صاحب الجواهر الجواهر(قده)
[8]
حيث نسب إلى الاسكافي العمل بمقتضى هذه الروايات وبهذا التفصيل ، والتزم بعض فقهاءنا المتأخرون بذلك أيضاً . ولكن هذه المسألة إذا أردت تلاحظها فأين تجدها ؟ إنها في آخر كتاب الإرث تحت عنوان ميراث الغائب والمفقود ، وأما مسألة الزوجة فتذكر في باب الطلاق ، فإذن فرق بين المسألتين فالتفت إلى هذه النكتة.
[1]
الوالي بمعنى والي المسلمين الذي مصداقه الحقيق هو الحاكم الشرعي.
[2]
أي طلاقا بائناً.
[3]
الوسائل 22 158 23 من أبواب اقسام الطلاق ح4.
[4]
المصدر السابق ح5.
[5]
الوسائل 26 300 6 من ابواب ميراث الخنثى وما اشبهه ح9.
[6]
المصدر السابق ح5.
[7]
المصدر السابق ح7.
[8]
الجواهر 39 64.