الموضوع / التنبيه الخامس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الوجه الثاني:- إنه في المثال السابق - أعني ثبوت الولاية للحاكم الشرعي في لإطلاق - ذكرنا أنه إذا لم تثبت الولاية للحاكم على الطلاق فسوف يلزم الضرر المنتسب إلى الشارع وقد ذكرنا أن حديث لا ضرر ينفي الضرر المنتسب إلى الشارع وانتساب الضرر إليه مرّة يكون من خلال الحكم الوجودي ومرّة من خلال الحكم العدمي ، هكذا ذكرنا في رد السيد الروحاني.
ولكن قد يقول قائل:- إن الضرر إنما ينتسب إلى الشارع لو صدر منه شيء بأن نفى الولاية عن الحاكم الشرعي وقال ( لا تثبت له الولاية ) فهنا نقول هذا الضرر قد جاء من قبل الشارع ، أما إذا فرض أن الشرع لم يصدر منه شيء وكان ساكتاً في هذا المجال بل غاية الأمر هو لم يشرِّع الولاية للحاكم الشرعي لا أنه شرَّع عدم الولاية فهنا كيف ننسب إليه الضرر من سكوته وعدم كلامه ؟! ونحن بوجداننا العرفي نلمس هذا المطلب بوضوح فإن الشخص قد يتحدث بكلامٍ فيصير حديثه سبباً للضرر إنه شيء مقبول أما أن يسكت ولا يقول شيئاً لا بنفي ولا بإيجاب ولا بإشارة ولا بملامح وجهٍ فهنا كيف ننسب إليه الضرر ونقول له إن سكوتك ولّد الضرر ؟!
والخلاصة:- إن انتساب الضرر إلى الشارع إنما يصح ويكون لو جعل الشارع حكماً ، أما إذا سكت ولم يجعل شيئاً فكيف ننسب إليه الضرر ؟! إذن الحديث لا شمل الأحكام العدمية لهذا البيان.
وفيه:- إن الشخص الذي يسكت ولا يتكلم بشيء تارة يكون شخصاً ليست له مسؤولية على حفظ المجتمع فليس هو برئيس العشيرة وإنما هو فرد عادي فهنا نسلّم أنه لا يصحح نسبة الضرر إليه عند سكوته لأنه لم يصنع شيئاً ، أما إذا فرض أن الساكت كان بيده زمام الأمور وبيده المسؤولية كرئيس العشيرة مثلاً فإذا سكت فنفس سكوته يكون مصحّحاً لنسبة الضرر إليه ، والشارع من هذا القبيل فإن سكوته ليس كسكوت إنسان عادي بل الشارع مسؤول عن الحفاظ على العباد وأن لا يقعوا في الضرر فلو سكت في هذا المورد ولم يثبت الولاية إلى الحاكم الشرعي حتى تتمكن هذه الزوجة من فك الزوجية من خلال الحاكم الشرعي فهنا يصح نسبة الضرر إليه.
والخلاصة:- ينبغي التفصيل بين نحوين من السكوت فنسلم أن سكوت الشخص الذي ليس صاحباً للمسؤولية لا يصحح نسبة الضرر إليه وأما إذا كان صاحب مسؤولية فيصحح نسبته إليه.
الوجه الثالث:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)
[1]
وحاصله:- إن حديث لا ضرر ناظر إلى مجعولات الشارع ، فما جعله الشارع كوجوب الوضوء ووجوب الصوم وما شاكل ذلك هي لو كانت ضررية فيرفعها في هذه الحالة ، أما إذا فرض أن الحكم كان عدمياً فهذا معناه أنه ليس هناك مجعول شرعي والحديث مختص بالنظر إلى المجعولات الشرعية فهو يقول ( هذا المجعول الشرعي منّي إذا كان يوجب الضرر فهو مرفوع ، وذاك الحكم كذلك ) أما إذا لم يكن منه جعل فالحديث لا معنى لأن يشمل المورد بعد اختصاصه بالمجعولات الشرعية.
وفيه:- إن هذا تضييق بلا مبرر فلماذا تقيّد الحديث من البداية وتقول بأنه ناظر إلى خصوص ما جعله الشارع فلا يشمل الأحكام العدمية ، كلا فإن الحديث لم يقل ( ما جعلته من أحكام فهو مرفوع حالة الضرر ) حتى يختص بخصوص المجعولات الشرعية بل قال ( لا ضرر ) وهذا معناه أنه لا ضرر من ناحيتي ومن الواضح أنه إذا لم يجعل الولاية للحاكم الشرعي في المثال المتقدم فسوف يكون الضرر من ناحيته . أجل على تفسيره هو(قده) قد يصح ما ذكره فإنه فسّر الضرر بنفس الحكم لقضيةٍ ذكرها وهي أنه في باب الاسباب والمسببات التوليدية قد يصدق لفظ المسبب على السبب حقيقةً كأن تقول ( اقتله ) وأنت تقصد من ذلك ( أطلق عليه الرصاصة ) إنه استعمال حقيقي وبناءً على هذا يكون الضرر بمعنى نفس الحكم في حالة الضرر فقد يقال حينئذ هو يختص بخصوص الحكم الوجودي وإلّا فعدم الحكم ليس حكماً بل هو عدمٌ للحكم فيكون ما أفاده(قده) وجيهاً آنذاك . ولكن كما قلنا إن كل هذا تضييق على النفس بلا مبرر ولا حاجة إليه.
[1]
رسالة لا ضرر 418.