الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الشاهد الثاني:- إذا كان الشخص جاهلاً بالضرر وتوضأ وبعد ذلك انكشف له أنه يضرّه قال المشهور هنا إن الوضوء صحيح وحكمهم بالصحة يدل على أن مستندهم ليس هو حديث لا ضرر لأنه لوكان هو المستند فالمناسب الحكم بالبطلان لأنهم ذكروا في حالة العلم حيث أنه يرتفع الأمر فيكون الوضوء باطلاً ، ونحن نقول لهم أي الشيخ العراقي يلزم ذلك أيضاً في حالة الجهل حيث أن الأمر بالوضوء مرتفع ، فيلزم أن يحكموا بالبطلان كما هو الحال في حالة العلم ، وحيث أنهم لم يحكموا بالبطلان فيظهر أن مستندهم شيئاً آخر وهو دخول المسألة في اجتماع الأمر والنهي مع تقديم النهي فانه مع تقديم النهي لا يلزم بطلان الوضوء باعتبار أنه جاهل بالضرر فيجهل بالنهي عن الوضوء فيمكنه التقرب آنذاك فيقع الوضوء صحيحاً.
 وفيه:-
 أولاً:- يمكن أن نقول:- إن مستندهم هو حديث لا ضرر ، والوجه في التفرقة بين حالة العلم وحالة الجهل هو أنه في حالة العلم يرفع الحديث الأمر وإذا رفعه فلا يعود هناك ما يصحح الوضوء إذ المصحح هو إما الأمر وقد فرض سقوطه أو الملاك والمفروض أنه لا كاشف عنه إلا الأمر ، وأما في صورة الجهل فالأمر لا يسقط بل هو باقٍ في حق الجاهل والوجه في لك هو أن حديث لا ضرر امتناني عندهم والامتنان يعني التخفيف على المكلف فإذا فرض أن المكلف كان جاهلاً بالضرر فهو سوف يأتي بالوضوء وحينئذ لو كان الأمر بالوضوء ساقطاً وكان الواجب عليه التيمم لزمه الاعادة وهذا خلف التخفيف والمنّة ومن هنا قالوا بأن الأمر في حالة الجهل لا يسقط في حق الجاهل بالضرر إذ لو سقط يلزم من ذلك خلف الامتنان . إذن يمكن أن نفرق بين حالة العلم وبين حالة الجهل رغم أن المستند واحد وهو قاعدة لا ضرر لا كما قال هو(قده) . إذن لابد وأن نقول إن قرينة الامتنان تمنع من سقوط الأمر بالوضوء في حالة الجهل.
 وثانياً:- إنه ذكر أنه إذا كان المستند هو قاعدة اجتماع الأمر والنهي مع تقديم النهي فالمناسب الحكم الصحة في حالة الجهل لأنه لا يوجد ما يمنع من التقرب . ونحن نقول:- إذا كان النهي مقدَّماً فلازمه سقوط الأمر واقعاً فإنه عند تقديم النهي واقعاً يلزم سقوط الأمر واقعاً ومع سقوطه واقعاً كيف نصحح الصلاة ؟! ودعوى أنه يمكنه القربة حيث أنه يجهل بالنهي مدفوعة بأن إمكان القربة وتحققها لا يكفي وحده للحكم بالصحة إلا إذا فرض وجود أمر أو ملاك والمفروض أن الأمر قد سقط واقعاً والملاك لا كاشف عنه بعد سقوط الأمر واقعاً فالمناسب هو الحكم بالفساد على كلا التقديرين مع تقديم النهي واقعاً - أي حتى في صورة الجهل -.
 الشاهد الثالث:- لو فرض أن المكلف كان عالماً بالضرر ولكنه كان جاهلاً بوجوب الوضوء في شريعة الإسلام كما إذا فرض أن شخصاً أسلم جديداً وكان الوضوء مضراً في حقه ولكنه توضأ اتفاقاً رغم جهله بالوجوب ولو من باب الرجاء كأن سمع من شخص أنه يوجد وضوء في الإسلام ففي هذه الحالة حكم المشهور بأن الوضوء فاسد والحال أن المستند إذا كان هو حديث لا ضرر فالمناسب الحكم بالصحة فإن الأمر بالوضوء ليس ساقطاً في حقه وما دام ليس بساقط فينبغي الحكم بالصحة ، أما كيف هو ثابت في حقه وليس بساقط رغم أنه مضر وهو يعلم بالضرر ؟ الوجه في ذلك هو أن حديث لا ضرر ينفي الأمر من باب التخفيف والمنَّة على المكلف وإنما يتصور التخفيف والمنَّة فيما لو كان الإنسان يعلم بأن الوضوء في الإسلام واجب فيخفف آنذاك عنه برفع وجوبه في حالة الضرر ، أما إذا كان جاهلاً بوجوب الوضوء فنفس الجهل يوجب أن لا يمتثل ولا يأتي بالوضوء فالتخفيف يكون حاصلاً بشكلٍ قهري وتكويني لأن الشخص ما دام جاهلاً بالأمر فهو سوف لا يمتثل ولا يكون في حقه تنجيز للحكم والعقل يحكم بكونه معذوراً ما دام قاصراً فهو مخفَّف عنه بقطع النظر عن حديث لا ضرر ، وعليه فلا معنى لأن يأتي حديث لا ضرر ويرفع عنه وجوب الوضوء لأجل التخفيف بعد فرض أن التخفيف حاصل في مرتبة سابقة ومتقدمة.
 إذن لو كان المدرك هو حديث لا ضرر فالمناسب أنه لا يرفع الأمر في حق هذا المكلف بل الأمر بالوضوء يكون باقياً وعليه فالمناسب هو الصحة دون الفساد والحال أن المشهور حكموا بالفساد ، إذن ليس مستندهم هو حديث لا ضرر بل هو اجتماع الأمر والنهي فإن النهي لو كان مقدَّماّ واقعاً فالمناسب الحكم بالفساد سواء كان يعلم بثبوت الأمر بالوضوء أو لا يعلم به فإن النهي مقدَّم واقعاً على كلا التقديرين ومع تقدّمه واقعاً يكون المناسب هو الحكم بالفساد.