الموضوع / التنبيه الثاني / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
إشكال العراقي على النائيني:- ذكرنا فيما سبق أن الشيخ الأعظم في رسالة لا ضرر ذكر إشكالاً ثانياً وهو أنه لا مناسبة بين التعليل والمعلل فإن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقلع العذق وعلل بحيث لا ضرر والحال أن ثبوت العذق ليس فيه ضرر وإنما الضرر في الدخول بلا استئذان ، وذكرنا أن الشيخ الأعظم أجاب بجوابٍ وهو أنه صحيح لا توجد مناسبة ولكن عدم معرفتنا بها لا يؤثر ، ونحن أجنبا بجواب أيضاً ، وقد تقدم أن الشيخ النائيني أيضاً أجاب بجواب وقال:- إن لا ضرر ذكره النبي صلى الله عليه وآله كتعليل لوجوب الاستئذان والشيخ العرقي
[1]
أشكل على الشيخ النائيني بأن الحديث لا يمكن أن يكون قد ذكره النبي كعلّة لوجوب الاستئذان إذ هذا يخالف الامتنان وحديث لا ضرر امتناني ، وكيف يخالف الامتنان ؟ لأن الدخول إذا كان مشروطاً بالاستئذان لأجل حديث لا ضرر فلازمه أنه مع عدم الإذن سوف لا يجوز لسمرة أن يدخل إلى عذقه وهذا خلاف الامتنان عليه ، فبعدما كان الحديث امتنانياً فلازم ذلك أن يكون الامتنان على الجميع لا أنه يكون منّة على الأنصاري وخلاف المنّة على سمرة فإن تطبيق الحديث لإثبات وجوب الاستئذان فيه منّة على الأنصاري - وهذا واضح - فإن سوف يعيش في داره من دون اضرار ولكن هذا خلاف المنّة على سمرة فإنه إذا لم يكن هناك إذن فلا يحق له الدخول وهذا سلب لحقه وهو خلاف المنَّة عليه.
وأجاب الشيخ العراقي عن إشكاله فقال:- إن النبي صلى الله عليه وآله ذكر هذا الحديث لإثبات أن الأنصاري له حق في أن يعيش في بيته مكرّماً - يعني لا يكون محلّاً لأنظار الآخرين - فإن هذا حق لكل إنسان فانه إذا لم يثبت له هذا الحق كان ذلك ضرراً على الأنصاري ، فالنبي صلى الله عليه واله ذكر هذا الحديث لإثبات عدم جواز سلب الحرية والعيش الهادئ عن الأنصاري فلا يجوز لك يا سمرة أن تنغّص عيشه فإنه ضرر عليه . إذن الهدف من ذكر الحديث فقط وفقط هو إثبات أن الأنصاري له الحق في أن يعيش مكرَّماً في بيته ، وبعد أن ثبت هذا بالحديث نقول إن لسمرة الحق أيضاً في أن يدخل إلى عذقه متى ما أراد ومستند الجواز ليس هو حديث لا ضرر وإنما هو أن كل صاحب حقٍ له الحق في الوصول إلى حقه وهذه سيرة متشرعية أو عقلائية أو أدلّة لفظية . إذن سوف يثبت حقّان حق للأنصاري وآخر لسمرة وبعد ثبوت الحقين تحصل مزاحة بينهما وعند المزاحمة يقدّم حقّ الأنصاري لا لأجل حديث لا ضرر حتى يقال أنه ماتناني وتقديم حق الأنصاري على حق سمرة يلزم منه خلاف المنّة على سمرة كلا بل قدّم النبي صلى الله عليه وآله حقّ الأنصاري من باب أنه أهم ، ولماذا هو أهم ؟ لأن المسألة مسألة عرض والحفاظ على العرض أهم من المال ولا يلزم من ذلك خلاف المنّة لأنا لم نقدمه لأجل لا ضرر ، هكذا ينبغي أن يقال.
ولا ينبغي أن يشكل على العراقي:- بأن هذا مخالف لظاهر الرواية فإن الرسول قال:- ( اذهب فاقلعها فإنه لا ضرر ولا ضرار ) فهو يجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله ذكر لا ضرر لأجل إثبات أصل الحق للأنصاري وأما القلع فهو من باب تقديم أهم الغرضين .
وفيه:-
أولاً:- إن المزاحمة ليست ثابتة بين الحقين حتى يقال أنه بعد المزاحمة قدّم النبي حق الأنصاري لأنه أهم بل لا مزاحمة أصلاً والوجه في ذلك هو إن النبي صلى الله عليه وآله أو الأنصاري لا يقولان لسمرة لا حق لك في الخول حتى يقال هذا خلاف المنّة بل يقال له من حقك أن تدخل في أي وقت شئت وليس لنا الحق في منعك بل يقال له استأذن فقط لا أن للأنصاري الحق في أن يمنع حتى تحصل مزاحمة ، فحق الدخول إلى عذقه باقٍ من دون أي زعزعة وإنما يطلب منه الاستئذان فقط ، وعلى هذا الأساس لا تلزم مزاحمة بين الحقين إذ لا يراد اسقاط حق سمرة في الدخول بل يراد أن يقال له إن وحقك موجود ولكن لأجل أن لا يحصل ضرر لنا عليك أن تستأذن ونحن لا حق لنا بأن نقول لك ارجع بل ملزمون بأن نأذن لك بالدخول وإذا لم نأذن لك فادخل ولكن نقول لك استأذن فقط ، فأي مزاحمة بين الحقين بل بينهما كمال الملائمة ، وعليه فإدخال المسألة في باب المزاحمة.
وإن شئت قلت:- إن سمرة كان له الحق في الحفاظ على عذقه ، وهو بم يتحقق ؟ ذلك بأن يستأذن عند دخوله ، نعم لو فرض أن سمرة كان له حق في أن يدخل بلا استئذان فهنا تحصل مزاحمة لكن الحق الثابت له هو حراسة عذقه وحق الحراسة يتحقق الوصول إليه بالدخول إما مع الاستئذان أو بدونه وحيث أنه يتمكن من أن يتكلم ويستأذن فحينئذ يتمكن من الوصول إلى حقه بكل سهولة ولم يمنع من حقه.
والخلاصة:- لا تجعل حق سمرة هو الدخول بلا استئذان وإنما حقه هو حفظ ماله وهو يتحقق إما بالدخول مع الاستئذان أو من دونه ، وحيث أن الدخول من دون استئذان يوثر على الأنصاري فلابد وأن يأذن فحينئذ لا تكون مزاحمة بين الحقين.
وثانياً:- إنه(قده) ذكر أن حيث لا ضرر امتناني وهذه قضية وإن تداولها الأعلام فيما بينهم ولكن لم نعرف منشئا لذلك ، أما مثل حديث الرفع فيمكن أن يقال بأنه امتناني باعتبار كلمة ( رفع ) الواردة في حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) فإنها تتضمن ذلك وباعتبار الاضافة - أي كلمة ( أمتي ) - فيمكن أن يستفاد بأن الهدف هو الامتنان ، وهذا بخلافه في مقامنا فإن المذكور هو ( لا ضرر ) ولم يُذكر شيء يمكن أن يستفاد منه الامتنان.
اللهم إلا أن تقول:- إن نفس نفي الضرر وقولك ( أنفي عنك الضرر ) هو يستبطن المنَّه ، أي نفي مادة الضرر لخصوصية في مادة الضرر هو بنفسه يستبطن الامتنان.
والجواب:- إن نفي الضرر كما يمكن أن يكون لأجل الامتنان يمكن أن يكون لأجل أن ينفي المولى عنه وصمة وعيباً وشناعة فإن ثبوت أحكام ضررية في الشريعة هي عيب فيها فهو أراد أن ينفي ذلك لا من باب الامتنان بل من باب رفع ما يكون عيباً وشناعة في الشريعة . إذن من أين نستفيد الامتنان ؟ وهذه قضية ظريفة يجدر التفات إليها فاني في حدود مراجعتي يوجد هناك تسالم تقريباً على امتنانية حديث لا ضرر والحال أنه يمكن المناقشة في ذلك . إذن ما أفاده الشيخ العراقي مبني على مسألة الامتنان.
[1]
مقالات الاصول 2 306 ط جديدة.