الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/12/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الثاني / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 وينبغي الالتفات إلى أن استفادة رفع الحق الذي حصل التمرد والطغيان بسببه من الفقرة الثانية - أي لا ضرار - يستلزم مطلبين:-
 المطلب الأول:- إن فقرة ( لا ضرار ) تدل بحسب النتيجة والمآل إلى النهي التكليفي فإن المفروض تمرّد المكلف وإضراره للآخرين فيلزم وجود نهي تكليفي عن هذا الاضرار والتمرد . إذن بالدلالة الالتزامية العرفيّة نستفيد الحرمة التكليفية من ( لا ضرار ) ، ولا نريد أن نقول إن مفاد النفي هو النهي مباشرةً كلا بل إن مفاده الابتدائي هو نفي الاضرار - أي الحق الموجب للإضرار - ولكن بحسب المآل والملازمة العرفية لابد من وجود النهي التكليفي والتحريم التكليفي إذ مع فرض التمرّد والطغيان والاضرار لابد من الحرمة التكليفية ، وهذا مطلب واضح.
 المطلب الثاني:- إن لازم رفع هذا الحق ثبوت الولاية لمن بيده الأمر حتى يرفع جذور مادة الفساد إذ لو فرض أن الحق قد نفي شرعاً من دون اعطاء ولاية للحاكم الشرعي فالمشكلة تبقى كما هي لأنه من يتصدى للقلع إذا لم تكن هنالك ولاية عليه من قبل لحاكم الشرعي ، فلابد إذن من ثبوت الولاية للحاكم الشرعي حتى يتمكن من رفع ذلك الحق - بمعنى إزالة ذلك العذق - وهذا مطلب نستفيد منه في مسألة الزوجية التي أشرنا إليها سابقاً فلو فرض أن الزوج كان سيء المعاشرة وكان يلحق الضرر بالزوجة فهنا يرتفع حقه في الزوجية ولكن يحتاج إلى طلاق كي يرتفع ذلك الحق ، ومن الذي يطلق - بعد الالتفات أن الزوج يرفض الطلاق - ؟ فلابد من ثبوت الولاية وإلّا فسوف يكون الحل حلّاً ناقصاً بل لا حلَّ أصلاً فلأجل أن يكون الحلّ حلّاً كاملاً يلزم ثبوت الولاية للحاكم ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
 ثم إنه ينبغي الالتفات إلى قضية ثانية:- وهي أنه في مسألة الزوجية قد يفترض الإضرار بالشكل الذي أشرنا إليه وهو أن الزوج موجوداً ويضر بزوجته ولا يطلقها ، وهنا يأتي ما أشرنا إليه من أنه يمكن التمسك بفقرة ( لا اضرار ) والحاكم يطلق بالدلالة الالتزامية ، أما إذا فرض أن الزوج كان مسجوناً أو مفقوداً وبقيت الزوجة لا يوجد من ينفق عليها وهذا ضرر كما أنها تحتاج إلى زوج فالزوجية صارت سبباً لتضررها ولو طلّقت لارتفع عنها ذلك الضرر ففي مثل هذه الحالة لا يمكن التمسك بفقرة ( لا ضرار ) إذ المفروض أن الزوج لم يضرّها ، أجل قد يُتمسَّك بالفقرة الأولى - أي ( لا ضرر ) فيقال:- إن هذه الزوجية إذا كانت لازمة وغير قابلة للارتفاع فسوف تكون ضررية فنرفعها بالفقرة الأولى ، هكذا قد يخطر إلى الذهن.
 والجواب:- إن الفقرة الأولى وإن رفعت لزوم الزوجية إذا كان يلزم منها الضرر لكن نحتاج إلى شخص يطلّق وإلّا فلا يحتمل أن الزوجية تنحل وترتفع لوحدها فيُحتاج إلى شخص له الولاية كي يطلّق ومن هو ذلك الشخص الذي له الولاية ؟ إنه من فقرة ( لا ضرر ) لا يمكن أن نستفيد ثبوت الولاية . نعم من فقرة ( لا اضرار ) استفدنا حيث أن ( لا إضرار ) يرفع ذلك الحق وذلك الشيء الذي أوجب الضرر والذي أوجب الضرر هو ثبوت العذق على الأرض فلابد من ثبوت الولاية للحاكم حتى يمكن تطبيق ( لا ضرار ) ، وهذا بخلافه في ( لا ضرر ) إذ كيف نستفيد منه ثبوت الولاية لها أو للحاكم الشرعي ؟!!
 إن قلت:- يمكن أن نستفيد الولاية من الفقرة الأولى بالبيان التالي:- وهو أن فقرة لا ضرر إذا شملت بإطلاقها هذه الزوجية التي صار لزومها سبباً للضرر على الزوجة فتثبت الولاية للحاكم الشرعي بالدلالة الالتزامية . إذن لا مشكلة من هذه الناحية بعد شمول الاطلاق للزوجية المذكورة ، هكذا قد يخطر إلى الذهن كحل لهذه المشكلة.
 قلت:- ذكرنا في باب الاطلاق إن التمسك مشروط بشرط جديد لعله لم تسلط عليه الاضواء في كلمات الأعلام وهو أن لا يلزم من ثبوت الاطلاق مؤونة ثبوتية أما إذا لزم ذلك فجواز التمسك به أول الكلام ، وفي المقام يلزم ذلك إذ يلزم من ثبوت هذا الاطلاق تقييد اطلاق ما دل على أن الطلاق بيد من أخذ بالساق فإن هذا الدليل مطلق أيضاً ، وعليه يدور الأمر بين اطلاقين بين أن نفترض ثبوت الاطلاق لفقرة لا ضرر لهذه الزوجية ولازمه تقييد الاطلاق الثاني المذكور أو أن نفترض أن اطلاق لا ضرر يشمل هذه الزوجية فيبقى الاطلاق الثاني على حاله ، فالأمر يدور بين تقييدين لإطلاقين فإن أخذنا الأول لزم تقييد الثاني والعكس بالعكس وليس تقييد هذا أولى من تقييد ذاك فيحصل الإجمال ولا يمكن التمسك بالإطلاق ، أو لا أقل قل إن السيرة العقلائية التي هي مدرك التمسك بالإطلاق لا نعلم بانعقادها على الأخذ بالإطلاق الأوّل وثلم الاطلاق الثاني . إذن إما أن تدّعي الاجمال إذ الأمر يدور بين تقييدين أو وتقول إن السيرة العقلائية التي هي مدرك حجية الاطلاق لا يُجزم بانعقادها على الأخذ بالإطلاق الأول . إذن الأخذ بإطلاق لا ضرر لإثبات شموله لهذه الزوجية أول الكلام فيبقى إطلاق لا ضرر منحصراً في الموارد التي لا يلزم منها تقييد إطلاقٍ آخر كما في باب الوضوء فإنا نقيد دليل وجب الوضوء إذا لزم الضرر من الوضوء ولا يلزم من ذلك تقييد إطلاق آخر ، وهذه قضية سيّالة ينبغي الالتفات إليها ، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بفقرة لا ضرر وإنما ينحصر الأمر بفقرة لا ضرار وإنما يصدق الضرار إذا كان الزوج يضّر بالزوجة أما إذا لم يكن مضرّاً وكانت الزوجية ضررية - كما لو كان مسجوناً - فلا تشمله فقرة لا ضرار ، وهذه نكتة ظريفة يجدر التفات إليها.
 ثم إنه ينبغي الالتفات إلى قضية ثالثة:- وهي أنا أثبتنا بفقرة لا ضرار الولاية للحاكم الشرعي في كل مورد يكون ثبوت الحق فيه للشخص موجباً لتمرّده على ذي الحق وطغيانه عليه واضرار به كما في مثال سمرة ومثال الزوجية إذا كان الزوج يتمرد ويؤذي الزوجة وكان مستندنا في ذلك هو أن فقرة لا ضرار هي التي تدل على رفع الاضرار - أي رفع الحق الموجب للإضرار - وهذا يتوقف على ثبوت الولاية للحاكم الشرعي إذ من دون ثبوت الولاية يكون الحل ناقصاً بل لا حلّ هكذا ذكرنا.
 والآن نريد أن نصعِّد اللهجة ونقول:- إن من قبِل منّا هذا الكلام فبها ، أما إذا فرض أنك أنكرت هذا وقلت إنه لا تثبت الولاية للحاكم الشرعي من خلال البيان المذكور فإن مقدماته قابلة للمناقشة - مثلاً فنقول:- عندنا بيان آخر بلا حاجة إلى هذه المقدمات فنصل إلى الهدف بسرعة وذلك بأن نقول:- إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقلع العذق استناداً إلى قضية لا ضرر ولا ضرار فيثبت من نفس فعل الرسول بعد استناده إلى هذه القاعدة أن كل حاكم شرعي له ذلك - أي له أن يزيل مادة الفساد استناداً إلى هذه القاعدة - أما كيف أن هذه القاعدة تثبت الولاية للحاكم ؟ إن هذا مطلب لا ندري كيف تثبته ولكن الواضح والمسلّم لنا جميعاً هو أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالقلع استناداً إلى هذه القاعدة فيثبت بذلك أن الحاكم الشرعي تثبت له هذه الولاية كما كانت ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله ، وحيث أن المستند عام وهو ( لا ضرر ولا ضرار ) فسوف تكون نتيجته عامة أيضاً ولا يختص بالنبي صلى الله عليه وآله بل النبي قد طبّقها من باب أنه أحد الأفراد . إذن مادام مستند النبي في الولاية هو هذا الحديث العام فالولاية الثابتة سوف تكون عامة أيضاً وثابتة للجميع لا خصوصه بلا حاجة إلى تفسير معنى الضرر والاضرار فكل هذا حتى لو فرضنا عدم معرفته كفانا سلوك هذا الطريق لإثبات الولاية للحاكم الشرعي ، وهذا ليس اثباتاً للولاية للحاكم الشرعي في المورد العام بل في خصوص الموارد التي يكون ثبوت الحق فيها سبباً لتمرد الشخص وإيذائه للآخر ففي مثل هذه الحالة نقول إن الحاكم الشرعي له الولاية في إزالة سبب الضرر والمستند في ذلك هو أن النبي صلى الله عليه وآله أعمل الولاية في مثل هذه الموارد استناداً إلى قاعدة عامة فيثبت بعد عموم المستند ثبوت الولاية لغيره صلى الله عليه وآله ولمطلق الحاكم الشرعي ، ولا يخفى لطف ذلك.