الموضوع / تتمة التنبيه الأول ، التنبيه الثاني / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
المورد الثالث:- ما قد ينسب إلى الشيخ النائيني(قده) في باب القصاص والضمان أيضاً وقد تبناه السيد الخوئي(قده)
[1]
وحاصله:- إن المورد في باب الضمان والقصاص هو من موارد تعارض الضررين وهو خارج من حديث لا ضرر من الأساس .
أما أن المورد من تعارض الضررين:- فباعتبار أنه إذا حُكِم بالضمان فقد استفاد المجني عليه أو المتلف منه ولكن تضرر المتلف والجاني فصار الضرر من ناحية المتلف وان انتفع بذلك المجني عليه ، وإذا لم يحكم بالضمان أو بالقصاص فقد تضرر بذلك المجني عليه أو المتلف منه . إذن كل من الحكم بالضمان هو في ضرر الجاني وإن كان في صالح المجني عليه والحكم بعدم الضمان هو في ضرر المجني عليه ، فبالتالي يكون الحكم بالضمان ضرري والحكم بعدمه ضرري أيضاً فالمورد المذكور لا يمكن أن يكون مشمولاً لحديث لا ضرر ، هكذا قل.
أو قل:- إن حديث لا ضرر امتناني وما دام امتنانياً فلا يمكن تطبيقه في مورد يلزم منه خلاف المنَّة على الطرف الثاني ، وعليه نقول في المقام:- نحن إذا حكمنا بالضمان وإن رفعنا الضرر عن المجني عليه ولكن بالتالي تضرر ذلك الطرف وهذا خلاف المنَّة فلا يمكن أن يشمله الحديث بلا حاجة إلى ملاحظة تعارض الضررين بل ندخل مسألة المنَّة في الحساب وبالتالي تمنع من تطبيق حديث لا ضرر في مورد الضمان ، يعني لا يمكن التطبيق لإثبات الضمان على الجاني لأنه يلزم من ذلك خلاف المنَّة . إذن إما أن نقول يصير تعارض ضررين أو أنه يلزم خلاف المنَّة هذا بالنسبة إلى المقدمة الأولى.
وأما بالنسبة إلى المقدمة الثانية فأمرها واضح فإنه مع تعارض الضررين لا يمكن تطبيق الحديث على كليهما لأنه يلزم التهافت وعلى أحدهما بلا مرجح.
والخلاصة من كل هذا:- إن الحديث لا يمكن أن يشمل موارد القصاص والضمان للنكتة المذكورة.
وفيه:- إن صاحب الحق واقعاً لا يحتمل أن يكون كلا الشخصين فإن صاحب الحق هو المجني عليه فإذا سلب حقه ولم يدفع إليه كان ذلك ضرراً ، وأما الجاني فهو عليه الحق وليس له الحق وإذا أخذ منه الحق الذي عليه فذلك إما أن لا يكون ضرراً من الأساس أو يكون ضرراً ولكنه في محله ومناسب وحديث لا ضرر كما هو واضح ناظر إلى نفي الضرر غير المناسب أما الضرر المناسب بعد فرض كونه مناسباً فلا معنى لنفيه هذا بالنسبة إلى المورد المذكور.
الجواب الخامس:- ما ذكره السيد الخوئي(قده)
[2]
فإنه بعد أن دفع الاشكال في موارد الخمس والزكاة بذلك الجواب - والذي وافق استاذه عليه - وبعد أن دفع الاشكال في موارد الضمان بما تقدم قال:- لا يبقى لدينا من الموارد إلّا ثلاثة وإذا كان هناك اشكال في التخصيص فهو بلحاظها وهي:-
الأول:- السائل الذي أصابته نجاسة فانه لابد من عدم الانتفاع به.
الثاني:- المريض الذي أقدم على الجنابة فأن النص قد دل على أنه يغتسل بناءً على الأخذ بذلك على كلام -.
الثالث:- شراء ماء الوضوء لمن يتمكن ولو بأضعاف قيمته كما دلّ عليه النص - بناءً على الالتزام بذلك -.
إذن هذه الموارد الثلاثة تبقى وهي لأجل قلتها لا يلزم منها محذور تخصيص الأكثر.
إذن هو قد دفع الإشكال في بقية الموارد بما تقدم ثم قال تبقى هذه الموارد الثلاثة وأمرها سهل حيث لا يلزم بلحاظها محذور تخصيص الأكثر.
وفيه:- إن إشكال تخصيص الأكثر وإن اندفع بما ذكر ولكن قد تقدم أن الإشكال قد يطرح بصيغ ثلاث الأولى هي تخصيص الأكثر والثالثة هي أن الاسلام كيف يشتمل على أحكام ضررية - واحداً أو اثنين وإن لم يكن كثيراً - فإنه بالتالي هو وهن في الإسلام ، فلابد من علاج القضية من هذه الناحية ولا علاج إلّا بما أشرنا إليه سابقاً في الجواب الذي ذكرناه قبل أجوبة الأعلام(قده).
والنتيجة النهائية من كل هذا هي أن اشكال تخصيص الأكثر - الذي ذكره الشيخ الأعظم - هو ذو صيغ ثلاث ولا يندفع بجميع صيغه إلا بما أشرنا إليه فالتفت إلى ذلك.
التنبيه الثاني:- عدم المناسبة بين التعليل والمعلل.
وهذا الإشكال أثاره الشيخ الأنصاري أيضاً
[3]
وحاصل ما ذكره:- هو أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقلع عذق سمرة وعلل الأمر بحديث لا ضرر والحال أن بقاء العذق لا يستلزم الضرر ، ولماذا لم يوضح (قده) المطلب أكثر من هذا.
ولكن للتوضيح هكذا نقول:- إن الضرر الذي كان يحصل للأنصاري بسبب سمرة هو من ناحية الدخول بلا استئذان وأما وجود العذق بنفسه فليس سبباً للضرر مادام قد يستأذن ، فالضرر هو في عدم الاستئذان وليس في بقاء العذق ومعه كيف يأمر صلى الله عليه وآله بقلع العذق استناداً إلى هذا الحديث الشريف بعد كون بقاءه ليس ضررياً.
ثم أجاب(قده) عنه بجواب مختصر حيث قال:- صحيح أن هذا الاشكال وارد ولكنه لا يؤثر على الاستدلال بالحديث فنحن نريد أن نتمسك به لنفي الحكم الضرري وهذا مطلب ثابت أما كيف تمسك النبي صلى الله عليه وآله بالحديث لقلع النخلة فهذا شيء خفي علينا وخفاؤه لا يضر بما استفدناه من الحديث وهو أنه كل حكم شرعي ينشأ منه الضرر منفي ونصّ عبارته هكذا:- ( وفي هذه القضية إشكال من حيث حكم النبي صلى الله عليه وآله بقطع العذق مع أن القواعد لا تقتضيه ، ونفي الضرر لا يوجب ذلك لكن ذلك لا يخل بالاستدلال ).
وأجاب الشيخ النائيني(قده)
[4]
ووافقه عليه السيد الخوئي(قده)
[5]
وحاصله:- إن النبي صلى الله عليه وآله لم يستند في قلعه للعذق إلى حديث لا ضرر حتى يقال لا مناسبة بين التعليل والمعلل وإنما ذكر هذا الحديث لإثبات وجوب الاستئذان يعني يريد أن يقول لسمرة ( يا سمرة عليك إن أردت الدخول أن تستأذن ) ولماذا ؟ لأنه لا ضرر . إذن لا ضرر ذكره النبي صلى الله عليه وآله من ناحية أن الدخول بلا استئذان ضرري فذكره لإثبات وجوب الاستئذان عند الدخول وأما أمره بقلع العذق فلم يتمسك له بحديث لا ضرر ونما صدر منه من باب الولاية العامة فإنه ولي المسلمين فمن باب الولاية أمر بقلعه لا من باب حيث لا ضرر ، وعليه فلا إشكال في البين.
فيما ذكره كلا العلمين في مقام الجواب تأمل:-
أما ما أفاده الشيخ الأعظم(قده):- فباعتبار أنه مادام لا نعرف المناسبة بين التعليل والمعلل فنحتمل أن المراد من الحديث معنىً آخر أضيق من المعنى الذي فهمناه أو معنىً آخر يتناسب مع الأمر بالقلع . إذن إذا لم نوجد مناسبة بين التعليل والمعلل يبقى ما استفدناه من الحديث مورداً للتأمل إذ من حق الطرف الآخر أن يشكل علينا ويقول:- إن ما صرتم إليه في تفسير الحديث وبيان مفاده شيء مرفوض لأنه لا يتناسب مع الأمر بالقلع فلابد أن يكون المقصود سنح معنىً يتناسب مع الأمر بالقلع وليس ما صرتم إليه . إذن ما صار إليه الشيخ الأنصاري(قده) شيء واضح الوهن.
وأما بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ النائيني(قده):- فباعتبار أنه قد ورد في الرواية السابقة الناقلة لقصة سمرة بسند معتبر أنه صلى الله عليه وآله أمر بالقلع وقال عقيب القلع:- ( لا ضرر ولا ضرار ) يعني أن الرواية المذكورة واضحة في أن حديث لا ضرر ذكره كمستند وكعلَّة للأمر بالقلع ، إن هذه الرواية لو لم تكن عندنا فما أفاده يكون شيئاً وجيهاً أما بعد وجود هذه الرواية فالمصير إلى ما ذكره شيء مرفوض.
[1]
مصباح الاصول 2 538.
[2]
مصباح الاصول 2 538.
[3]
في رسالته ( لا ضرر ) الموجودة في نهاية المكاسب 372.
[4]
رسالة ( لا ضرر ) - 379 المذكورة في نهاية منية الطالب.
[5]
مصباح الاصول 2 532.