الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الجواب الثالث:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية فإنه لم يسلط الأضواء فيها على هذا الإشكال ولم يذكره بلسان صريح وإنما ذكر مطلباً قد يستفاد منه ردّ الاشكال المذكور - أي اشكال كثرة التخصيص - وهذه طريقة مألوفة بين القدماء فانهم يذكرون الجواب أحياناً من دون ذكر الاشكال ، وحاصل ما ذكره هو:- أن حديث لا ضرر لا يمكن شموله للأحكام الضررية كالخمس والزكاة وغير ذلك بل يختص من البداية بالأحكام غير الضررية والوجه في ذلك هو أن الأحكام الضررية يكون موضوعها ومقتضيها هو الضرر ، وإذا قبلنا بهذا فيلزم أن يكون حديث لا ضرر ناظراً إليها وشاملاً لها لأنه يجعل الضرر مانعاً من ثبوت الحكم وهذه الأحكام - كالخمس والزكاة - لو كان الحديث شاملاً لها للزم أن يكون مقتضي الشيء رافعاً له ورافعه مقتضياً له وهو باطل.
 أما كيف يلزم أن يكون الرافع مقتضياً والمقتضى رافعاً ؟ فذلك شيء واضح إذ قد فرضنا أن مثل هذه الأحكام قد أخذ في موضوعها الضرر فهي وجبت لأجل الضرر ومقتضيها الضرر فكيف يكون الضرر رافعاً لها والحال أنه مقتضٍ لثبوتها !! إنه شيء غير ممكن . إذن حديث لا ضرر لا يشمل هذه الأحكام الضررية وإلّا صار المقتضي رافعاً والرافع مقتضياً ، ونص عبارته هكذا:- ( ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حال الضرر لا الثابت له بعنوانه لوضوح أنه العلّة للنفي ولا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه وينفيه بل يثبته ويقتضيه ) يعني أن الأحكام هي موضوعها الضرر فكيف يصير مانعاً من ثبوت الحكم بوجوب الزكاة إنه غير ممكن إذ يصير المقتضي للشيء مانعاً من ثبوته والمانع من ثبوته مقتضياً لثبوته وهذا غير ممكن.
 وما أفاده(قده) يحتمل وجهين:-
 الوجه الأول:- ما فسرنا به العبارة وهو ظاهرها ، أي أنه في باب الزكاة والخمس يكون الضرر مقتضياً لثبوتهما ولوجوبهما فكيف يشملهما الحديث ؟! إن لازمه أن يكون الرافع للحكم مقتضياً له والمقتضي رافعاً وهو مستحيل.
 وإذا كان يقصد هذا فجوابه واضح:- فان هذه الأحكام قد أوجبها الله عز وجل لا للإضرار والضرر والمقتضي ليس هو الضرر بل أوجب الزكاة والخمس لأجل المصالح الخاصة وهذا من الواضحات فكيف يقول هذا ؟!!
 الاحتمال الثاني:- أن يكون مقصوده ما أشار إليه الشيخ النائيني(قده) من أن هذه الأحكام مبنيّة على الضرر وثابتة حالة الضرر لا أن الإضرار هو العلّة والمقتضي لها والاحكام التي من هذا القبيل لا ينظر إليها حديث لا ضرر فإنه ناظر إلى الأحكام التي قد توجب الضرر أحياناً وفي مساحة ضيّقة فيرفع الحديث تلك الأحكام في تلك المساحة الضيّقة وهذا ما يعبّر عنه بالحكومة ، أما الحكم الذي هو بكلّه وبأساسه ضرري فلا يكون الحديث ناظراً إليه.
 وذا كان يقصد هذا فالجواب ما تقدم سابقاً من الجواب عليه أي على الشيخ النائيني(قده) -.
 الجواب الرابع:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده) [1] أيضاً ولكن ذكره كجواب موردي وموضعي - أي في موارد خاصة ويدفع الاشكال في بعض الموارد وليس في جميعها - وهو قد ذكر من البداية كذلك كما سوف نوضح ، وتلك الموارد هي كما يلي:-
 المورد الأول:- وهو خاص بباب الزكاة والخمس وحاصله:- إن مورد هاتين الضريبتين ليس هو من مصاديق الإضرار بالمالك بل هو من قبيل عدم النفع ، ولابد من التفرقة بين هذين فمرّة يكون الشخص مالكاً للشيء في البداية ثم يُلَزم بدفع قسمٍ من ملكه وهذا ما نسميه بـ( الضرر ) ومرة لا يكون مالكاً من البداية لتمام الشيء بل يكون مالكاً لما عدى مقدار الفريضة وهذا ليس من مصاديق الضرر بل من مصاديق عدم النفع من قبيل أن يموت الولد وله ولدان فإن هذا الولد لا يرث تمام المال بل يرث نصفه ولا يصح أن يقول هذا ضرر عليَّ حيث فاتني النصف الآخر ، فانه يجاب ويقال له:- إن هذا ليس إضراراً لك بل هو من قبيل عدم النفع فأنت من البداية لم تعتبر مالكاً للكل بل للنصف فقط فانت ملكت نصفا وأخوك ملك نصفاً وعدم ملكيتك لتمام المام هو من باب عدم النفع لا من باب الإضرار ، ونفس هذا الكلام نذكره في باب الخمس والزكاة فالشرع المقدس جعل الفقراء مالكين وشركاء من البداية لا أنهم كانوا مُلّاكاً في البداية ثم بعد ذلك يقول الشرع للمالك ( ادفع خمس مالك ) ليقول إن هذا ضرر ، كلا بل هو من البداية لا يملك إلا أربعة أخماس ومقدار الخمس ملك للفقراء من البداية ، فالمورد إذن من باب عدم النفع وليس من باب الضرر.
 وتكملة لما ذكره نقول:- قد يقول قائل للشيخ النائيني(قده):- إن هذا احتمال وليس أمراً جزمياً فكيف تثبت هذا مع أنه لا يوجد دليل يمكن من خلاله إثبات هذا المطلب ؟ فنجيب:- إنه يكفيه إبراز الاحتمال وأنه يحتمل أن يكون المالك من لا يملك جميع المال من البداية بل أربعة أخماسه ، فالإشكال حينئذ لا يكون وارداً ، وهذا من موارد ( إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال أو الاشكال ) ونص عبارته هكذا:- ( إن الخمس والزكاة ليسا من الضرر بل عدم النفع حيث جُعِل الفقير شريكاً مع الغنيّ من أوّل الأمر وعدم دخول المال كلّه في ملك الغني نظير حكم الشارع على ابن الميت بكون الابن الآخر شريكاً له في الإرث ) ، ووافقه على ذلك السيد الخوئي(قده).
 وفيه:- إن هاتين الفريضتين يمكن أن ندعي أن ثبوتهما في طول المك - أي ملكية الشخص للمال - فمن ملك هذا المال بكامله يلزمه بعد ذلك أن يدفع الخمس أو الزكاة فالخمس والزكاة في طول الملكية.
 وللتوضيح أكثر نقول:- مرة يدّعي الشيخ النائيني(قده) أنه لا يكون الشخص مالكاً من البداية لجميع المال بل يكون مالكاً لبعضه ، وهذا هو الذي ينفعه ولكنه باطل باعتبار أن الشخص يجوز له أن يتصرف في المال أثناء السنة تصرف المُلّاك فيهبه أو يبيعه أو يأكله بأجمعه أو غير ذلك وهذا يدل على أنه مالك للجميع وإلّا فكيف يتصرف تصرف الملاك في الجميع ، وإذا كان المقصود أنه في نهاية السنة يخرج مقدار الخمس من ملكه فهذا هو الضرر والإضرار ، يعني أنّا نسلمه ونقبله ولكن هذا هو الضرر والإضرار . إذن الخروج من البداية وهو الذي ينفع الشيخ النائيني - لا يمكن الالتزام به من باب أن المالك في أثناء السنة يجوز له التصرف في جميع المال كما يشاء تصرف المُلّاك والخروج في النهاية نقبله ولكنه هو عين الضرر والإضرار . وهذا مطلب نذكره في باب الخمس والزكاة ولا فرق بينهما فإنه في باب الزكاة يجوز للمالك أيضاً أن يتصرف تصرف المُلّاك أثناء الحول وهذا دليل على أنه مالك من البداية وإذا كان يخرج منه مقدار الضريبة فهو بعد ذلك.
 المورد الثاني [2] :- مورد ضمان اليد ، فقال:- إن من كانت له يد غير أمينة على المال - كيد الغاصب - فحينئذ يكون ضامناً لو تلف ولو من دون تفريط ، وهذا كله صحيح ولكن هذا الضمان ليس ضررياً لأنه قد أقدم عليه وما دام قد أقدم عليه فيصير بمثابة عدم الضرر عرفاً . إذن حينما يقول لك بأنك ضامن - سواء كانت اليد غاصبه أو غير غاصبة والمهم أنها ليست يد أمانة فهذا الحكم ليس ضررياً لأنك بوضع اليد قد أقدمت على الضمان والضرر وما دمت قد أقدمت عليه فكأنه لا ضرر عرفاً.
 وفيه:-
 أوّلاً:- إنه قد يكون الضمان من دون التفاتٍ وقصدٍ رأساً كما لو فرض أن شخصاً تصوّر أن هذه التفاحة له فأكلها ثم تبين أنها للغير فإنه هنا لم يقدم على الضمان إذ المفروض أنه يتصور أن هذا الشيء له ، وهكذا لو فرض أن شخصاً مرَّ في السوق فعلقت عباءته بشيء فوقع ذلك الشيء وانكسر فالإقدام ليس بموجود هنا ولكن مع ذلك يقال له أنت ضامن فالضمان في هذه الحالة سوف يكون ضررياً باعتبار أنه لم يُقدم على الضمان.
 وثانياً:- لو فرض أن الشخص كان ملتفتاً ولكن الالتفات شيء والإقدام على الضمان شيئاً آخر فهناك أناس لا يبالون بأحكام الشريعة أو لا يعرفون أن من وضع يده على مال الغير كان ضامناً له فهو بوضعه لليد على ملك الغير لا يكون قاصداً ومُقدِماً على الضمان - إما لأنه لا يدري أن هناك ضمان في الشريعة أو أنه يدري ولكنه شخص لا يبالي - ، إذن وضع اليد حتى في مورد الالتفات قد لا يلازم الإقدام على الضمان ، هكذا يجاب على ما ذكره(قده).


[1] منية الطالب رسالة لا ضرر 403.
[2] قاعدة لا ضرر 403.