الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الوجه الثاني:- التبادر ، حيث قال(قده) (وبالجملة فلا اشكال أن المتبادر إلى الأذهان الخالية
[1]
من أهل المحاورات .... ليس إلّا النهي التكليفي )
[2]
.
وفيه:- إن التبادر حينما يدّعى لابد وأن يدّعى بلحاظ المدلول الاستعمالي لا بلحاظ المدلول الجدي فنحن حينما نقول المتبادر من صيغة ( أقيموا الصلاة ) هو الوجوب يعني أنها مستعملة في الوجوب وأن ما يتبادر إلى أذهاننا هو الوجوب لأن هذا الكلام قد استعمل في الوجوب ، فالتبادر يدعى بلحاظ المدلول الاستعمالي دون المدلول الجدي - يعني الذي يريده المتكلم في نفسه - فان ذلك يمكن اثباته من خلال القرائن ولو كانت القرينة هي أصالة التطابق بين عالم الاثبات وعالم الثبوت - أي بين المدلول الاستعمالي وبين عالم المراد الجدي - فبأصالة التطابق نثبت المدلول الجدي وإلّا فالتبادر ابتداءً ينظر إلى المدلول الاستعمالي ويشخّصه فنقول إننا نفهم الوجوب من جملة ( أقيموا الصلاة ) أي أنه أريد منها على مستوى الاستعمال الوجوب وأما أن هذا الوجوب هو مراد للمتكلم جداً فذلك يثبت بالقرائن ولو كانت تلك القرينة هي أصالة التطابق باعتبار أنه إذا لم يبين المتكلم أن مراده الجدي شيء آخر غير ما استعمل فيه الكلام فهذا يعني في نظر العقلاء أنه يريد جداً نفس المعنى المستعمل فيه.
وبالجملة:- إن التبادر يشخّص المدلول الاستعمالي ، وإذا قبلنا بهذا فلا معنى لأن يقول شيخ الشريعة(قده) ( إن المتبادر هو النهي ) فان المدلول الاستعمالي هو النفي حتماً فان كلمة ( لا ) هنا نافية ، نعم نحن نقبل من شيخ الشريعة(قده) أن المراد هو النهي ولكن لا على مستوى الاستعمال بل على مستوى المراد الجدي ، وعليه فلا معنى لأن يقول إن المتبادر هو النهي بعد الالتفات أن المدلول الاستعمالي هو النفي جزماً دون النهي حيث أن ( لا ) نافيه وليست ناهية - يعني على مستوى المدلول الاستعمالي - نعم إذا أثبت بالقرائن أن المراد الجدي هو النهي فذاك شيء آخر ولكنه يعني التمسك بالقرينة لا أنه تمسك بالتبادر . إذن التبادر لا معنى لذكره على مستوى المدلول الاستعمالي للجزم ببطلانه إذ المدلول الاستعمالي هو النفي ولا على مستوى المدلول الجدّي فان المدلول الجدي يثبت بالقرينة ولا يثبت بالتبادر وهو الآن يريد أن يتعامل فقط وفقط مع التبادر دون أن يضيف إليه القرينة وإلّا صار هذا دليلاّ آخر غير التبادر.
الوجه الثالث:- إنه ورد في بعض روايات لا ضرر قيد ( على مؤمن ) حيث قيل ( لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) وبعد وجود هذا القيد يتعين أن يكون المقصود هو لنهي أي ( لا تضّر المؤمن ) ولا معنى لأن يكون المقصود ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أن المراد هو نفي الحكم الضرري فان قيد ( على مؤمن ) لا يتناسب مع ما ذكره فهذا القيد منبّه واضح على أن المقصود هو النهي دون النفي.
وفيه:-
أولاً:- إن قيد ( على مؤمن ) وإن ورد في بعض الروايات ولكن تلك الرواية ضعيفة السند فانه ورد في رواية ابن مسكان عن زرارة وهي مرسلة حيث رويت عن بعض أصحابنا عن ابن مسكان عن زرارة عن الإمام عليه السلام ولا معنى - فنيّاً - أن يتمسك برواية ضعيفة السند.
وثانياً:- صحيح أن قيد ( على مؤمن ) يتناسب مع النهي دون النفي ولكن لعل هذا القيد يرتبط بالفقرة الثانية - أي بفقرة ( لا ضرار ) - وكلامنا ليس فيها وإنما في فقرة ( لا ضرر ) فنحن نسلم أن فقرة ( لا ضرار ) من الوجيه أن يكون المقصود منها النهي ولكن بالنسبة إلى فقرة ( لا ضرر ) ندعي أن المقصود منها هو النفي ، وعليه فلا يمكن إبراز هذا القيد كقرينة ضدّ إرادة النفي من فقرة ( لا ضرر ) إذ من المحتمل أنه ذكر بلحاظ الفقرة الثانية وفيها نسلم بإرادة النهي.
الوجه الرابع:- إنه ورد في بعض الروايات مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله لسمره ( نك رجل مضار ) ثم قال صلى الله عليه وآله ( ولا ضرر ولا ضرار ) فان هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله يريد أن يردع سمرة ويقول له إنك مضار بالأنصاري - يعني أنت تضره حيث تدخل عليه بلا استئذان وهو يقول لك أدخل ولكن مع أخذ الإذن وسمرة لم يرض بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وآله:- إنك رجل مضار ، ثم قال له لا ضرر ولا ضرار أي لا يجوز ويحرم الإضرار بالمؤمن - إذن هذا يكون شاهداً واضحاً على أن حديث لا ضرر ناظر إلى إفادة النهي دون النفي إذ لو كان المقصود هو النفي فلا ربط ين قوله صلى الله عليه وآله ( إنك رجل مضار ) وبين لا ضرر بمعنى النفي - يعني أن كل حكم وصل إلى درجة الضرر فهو منفي - بخلاف ما إذا كان المقصود هو النهي فان الربط يكون واضحاً إذ يصير المورد بمثابة صغرى وكبرى فالصغرى بُيِّنت بلسان ( إنك رجل مضار ) والكبرى وهي أنه يحرم الإضرار قد بُيِّنت بفقرة ( لا ضرر ولا ضرار ).
وفيه:-
أولاً:- يرد عليه ما أشرنا إليه فيما سبق من أن جملة ( أنك رجل مضار ) قد وردت في ورواية ابن مسكان الضعيفة فانه ورد فيها أنه صلى الله عليه وآله قال لسمرة ( إنك رجل مضار وانه لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) فأنت تمسكت بالرواية الضعيفة.
وثانياً:- نسلم أن الربط إنما يتحقق فيما لو فرض أن الحديث يريد إفادة النهي دون النفي ولكن يمكن أن يقال إن النهي استفادته بلحاظ الفقرة الثانية - أي فقرة لا ضرار فالنبي صلى الله عليه وآله حينما ذكر الكبرى ذكرها بلحاظ الفقرة الثانية دون الفقرة الأولى.
وإذا قلت:- لماذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله الفقرة الأولى اعني مادام الشاهد لديه هو بلحاظ الفقرة الأولى ؟
قلت:- إنه صلى الله عليه وآله أراد أن يبين للمسلمين قاعدة عامة وأنه متى ما وصل الحكم إلى درجة الضرر فهو منفي - هذا بلحاظ بجزئها الأول - وأما بلحاظ جزئها الثاني فلا يجوز الإضرار بالمؤمن والشاهد هو بلحاظ الفقرة الثانية ولكن هذا لا يعني أن ذكر الفقرة الأولى يكون لغواً وبلا فائدة كلّا فإن القواعد لابد وأن تذكر بشكل كاملٍ وإن كان مورد الاستشهاد في بعض أجزاءها دونه بلحاظ تمامها.
الوجه الخامس:- إن أهل اللغة قد أطبقوا على تفسير الحديث بالنهي دون النفي فهم حينما يذكرون هذا الحديث يفسرونه بأن المقصود هو بأن لا يضر بعضكم بعضاً أو بما يشبهه من تفسير وبما أن كلام للغوي ولو في خصوص حالة الإطباق والإجماع حجّة فيكون هذا شاهداً صالحاً.
وفيه:-
أولاً:- إن أهل اللغة عادة يفسّرون المدلول الاستعمالي - يعني المعنى الموضوع له - دون المرادات الجدّيّة إذ أن وظيفة اللغوي هي بيان المعنى الموضوع له اللفظ وأما المراد الجدّي فهو شيء لا يرتبط به كلغوي ، ومن الواضح أن المدلول الاستعمالي ليس هو النهي وإنما هو النفي جزماً فان ( لا ) نافية وليست ناهية . إذن ما ذكره أهل اللغة نجزم ببطلانه لأنه ليس المدلول الاستعمالي وكلامهم إنما يكون حجّة بلحاظ المدلول الاستعمالي الذي يرجع تشخيصه اليهم أما المرادات الجدّيّة فتتبع القرائن.
وثانياً:- إن تحصيل الإطباق شيءٌ مشكل فإن أهل اللغة عادةً ينقل بعضهم عن بعض لا أن لهذا رأي مستقل عن ذاك فهو يلاحظ ماذا ذكر اللغوي الأول فينقل ذلك المعنى منه ، وبتعبير آخر:- إنه ليس عنده إبداع ورأي وإنما هو مجرد ناقل - وأنه قيل إنها تستعمل بمعنى كذا - إذن اتفاقٌ بذلك المعنى الذي يكون مورثاً للاطمئنان ويكون حجّة ليس بثابتٍ مادام هو مجرد متابعٍ للغير.
الوجه السادس:- لو كان المقصود هو النفي دون النهي للزم كثرة التخصيص المستهجن باعتبار أنه لو كان المقصود هو النفي - أي أن كل حكم وصل إلى درجة الضرر فهو مرفوع - فيلزم الإشكال في باب الخُمس فانه حكم ضرري لأنه سوف يؤثر على أموال المكلف فهو ضرر لأن أمواله سوف تنقص وهكذا الزكاة والجهاد والقصاص والدية ... وهكذا فيلزم كثرة التخصيص المستهجن وهذا إنما يلزم فيما إذا فُسِّر الحديث بالنفي ، وأما إذا فُسِّر بالنهي فلا يلزم منه هذا المحذور.
وفيه:- سوف إنشاء الله تعالى يأتي في بعض التنبيهات عرض هذا الاشكال ويأتي كيفية دفعه والجواب عنه فانتظر إلى ذلك الحين.
هذا كله في الوجوه التي تمسك بها شيخ الشريعة لإثبات ما أراد.
[1]
اي الخالية مما ذكره الشيخ الأنصاري.
[2]
- 26.